اتسمت السياسة الخارجية المصرية علي المستوي الإقليمي خلال العامين الأخيرين بقدر كبير من الفاعلية في ظل قناعة القيادة السياسية بأن العمق العربي يمثل العمق الإستراتيجي لمصر, وليس أدل علي ذلك من أن مصر شاركت بقوة في الجهود المبذولة لحل أهم قضايا المنطقة ولاسيما بالنسبة للأوضاع المتوترة في كل من سوريا وليبيا والعراق واليمن وكذا الدور الحيوي لمصر في عاصفة الحزم لإستعادة اليمن من سيطرة الحوثيين, فضلا عن الجوانب المميزة في العلاقات المصرية/ الخليجية التي شهدتها كافة مجالات التعاون الثنائي والتي أكد السيد/ الرئيس في إطارها أن منطقة الخليج تعد خطا أحمر لمصر وأن أي تهديد لدول الخليج يمثل تهديدا للأمن القومي المصري. وفي إطار تركيز القيادة المصرية علي القضايا المرتبطة بالأمن القومي المصري جاء الإهتمام الواضح بالقضية الفلسطينية التي تمثل أحد محاور الحركة السياسية المصرية إرتباطا بالقناعة الكاملة بأن حل هذه القضية يعد أهم ركائز الإستقرار في منطقة الشرق الأوسط, وهو ما عبر عنه السيد/ الرئيس خلال جميع لقاءاته مع الوفود الأجنبية وخاصة الأوروبية والأمريكية, كما بأن مصر كانت مدركة أن تراجع القضية الفلسطينية بفعل المتغيرات في المنطقة العربية سوف يؤدي إلي إبتعادها عن دائرة الضوء ودخولها دائرة النسيان وهو ما يمكن أن يؤثر سلبا علي الأمن القومي المصري. حرص السيد/ الرئيس علي أن يلتقي بشكل دوري مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن لتبادل الرؤي فيما يتعلق بكافة جوانب القضية الفلسطينية وكيفية تحريكها من جمودها الراهن مما ساهم في تعميق أسس العلاقات الجيدة بين الجانبين المصري والفلسطيني, كما أن القيادة الفلسطينية تؤمن تماما أن مصر هي العمق الطبيعي لفلسطين وأن تاريخها تجاه القضية يعد تاريخا مشرفا لم تشوبه أية شائبة وأن مصر بذلت جهودا فائقة للحفاظ علي القضية ودعمها إقليميا ودوليا ومساعدتها في أن تضع كل المتطلبات اللازمة لدولة فلسطينية مستقلة تقوم في المستقبل وتحقق طموحات الشعب الفلسطيني الصامد. وفي هذا الإطار تحركت مصر علي أربعة محاور من أجل دعم القضية الفلسطينية, وقد تمثل أول هذه المحاور في دعم القيادة الفلسطينية الشرعية الممثلة في الرئيس أبو مازن ومؤسساته, وثانيها العمل علي إنهاء الإنقسام الفلسطيني/ الفلسطيني كأساس لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني من الداخل, وثالثها دعم الموقف السياسي الفلسطيني في كافة المحافل الدولية, ورابعها مطالبة الجانب الإسرائيلي بالتحرك لحل هذه القضية ووقف سياساته الإستيطانية في القدس والضفة الغربية, ولاشك أن عضوية مصر الحالية في مجلس الأمن ستكون عاملا مساعدا من أجل تنشيط القضية الفلسطينية ومحاولة إيجاد الحلول المناسبة المقبولة لها. وفي نفس السياق جاءت مبادرة الرئيس التي طرحها يوم17 مايو( في أسيوط) حول القضية الفلسطينية والتي أكدت أن هذه القضية تعد ركيزة رئيسية في السياسة الخارجية المصرية لا يمكن تجاهلها أو تخطيها وأن إستمرارها دون حل يوفر المناخ الخصب لإستمرار الإرهاب ومظاهر عدم الإستقرار في المنطقة ومن ثم حان الوقت لإستئناف المفاوضات السياسية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لإنهاء هذا الصراع الذي يدخل عقده السابع, كما أن هناك إمكانية لحل الصراع أسوة بمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية الموقعة عام1979 والتي وضعت الأساس أيضا لإقامة السلام الشامل والعادل في المنطقة, كما حرص الرئيس علي أن يؤكد أن السير قدما في عملية السلام يتطلب حتمية إنهاء الإنقسام الفلسطيني الذي أوشك أن يتم عقده الأول خلال أشهر قليلة قادمة, وأن مصر علي إستعداد للقيام بمسئوليتها التاريخية لحل هذا الصراع. وقد جاءت ردود الفعل علي مبادرة السيدالرئيس إيجابية للغاية عبرت عنها مواقف وتصريحات جميع الأطراف العربية والإسرائيلية والأوربية والأمريكية والدولية, وهو الأمر الذي يؤكد مدي ثقة هذه الأطراف في الدور لمصري وإدراكا لمدي قدرته علي بلورة حلول واقعية للقضايا المثارة, وهو الأمر الذي ينتظر معه الجميع أن تبدأ خلال الفترة القريبة المقبلة حركة سياسية نشطة تنفيذا للمبادرة المصرية المطروحة. عضو المجلس المصري للشئون الخارجية