مع الشروع في قراءة رواية "في فمي لؤلؤة" تأخذك الكلمات إلى دوائر مختلفة كأنها دوامات بحرية لا تلبث حتى تغوص بك إلى أعمق الأعماق وهناك عوالم أخرى ليست هي عمق البحر فقط، فميسون صقر تغوص من خلال 600 صفحة، في عمق التاريخ وتتخير أحداثا تتقاطع مع الأحداث لكنها تبدو وكأنها من صميمها لا تنفصل عنها بالتاريخ أو الأحداث أو الشخصيات. فليست عملية الغوص التى تقوم بها الروائية - التى تنتمى إلى دولة الإمارات في الخليج العربي أحد أشهر مواطن الؤلؤ الطبيعي- ليست فقط عملية غوص في عمق البحر لاستخراج اللآليء، بل في عمق الشخصية الإنسانية التى هي أيضا لها لؤلؤها الخاص بها. وقد يبدو اللؤلؤ بما يشكله من قيمة مادية وإعجاز طبيعي منفرد ومتفرد معا في الحسن مع صفاء اللون وكمال الاستدارة في حبات هذا لتكوين البديع الذى صنعته دموع المحار في المياه العميقة فأخرج الألم أبدع عقد تتزين به أعناق النساء وصدورهن وأصابعهن، مناسبا للحوارات للجدلية اللا منطوقة ما بين البحر والإنسان أو بالأحرى ما بين الطبيعة الخلاقة والمرأة. وقبل أن تبدأ في قراءة النص وبمجرد أن تتأمل حبات اللؤلؤ على صورة غلاف الرواية "الذي صممته ميسون بنفسها ربما كدلالة متعمدة منها على أنه متصل عضويا بجسد روايتها" فلابد أن يطرح عليك هذا العنوان "في فمي لؤلؤة" مع عقد اللؤلؤ وجيد مارلين مونرو التى تغطى وجهها غلالة رقيقة على شكل خريطة الجزيرة العربية، مثل هذه المعانى التى تبدو وكأنها استعداد لتلقى الأحداث في جلسات القراءة حتى تنتهي من الرواية. تقول ميسون: "بدأت أبحث عن سحر وتأثير اللؤلؤ في المدونات القديمة، ووجدت أن كليوباترا نزعت قرطها وسحقت اللؤلؤة الكبيرة التي تزينه، ثم أفرغت المسحوق في قدح نبيذ وشربته أمام أنطونيو وفيما بعد، قدم قرطها الثاني الذي تم إنقاذه، قربانًا لتمثال فينوس في الإمبراطورية الرومانية، حيث يعد اللؤلؤ من أقدس الأحجار الكريمة". تتصدر الغلاف صورة للممثلة «مارلين مونرو» وهى تتقلد عقدا من اللؤلؤ كان زوجها الثانى قد أهداه لها، وهو من إنتاج دار «ميكيموتو اليابانية» المتخصصة فى اللؤلؤ المزروع، ومكون من (أربع وأربعين لؤلؤة)، وقد اشترته الدار وسمى باسمها. قبل مقدمة الرواية. و«ميسون صقر» كتبت روايتها هذه بعد روايتها الأولى «ريُحانة»، التى صدرت فى سلسلة روايات الهلال، ثم تعقبها بحكاية تشير الى البحث المعرفى داخل النص الروائى. «قرأ شداد بن عاد الأول عن الجنة فى الكتب القديمة فأعجبته بما فيها من قصور أشجار وثمار، دعته نفسه إلى أن يبنى مثلها فى الدنيا، فأمر ببناء مدينة مبانيها من ذهب وفضة، وحصاؤها من اللؤلؤ والمسك والعنبر والزعفران، تقام قصورها على أعمدة من الزبرجد والياقوت كما فى الجنة. وغرس تحت تلك القصور وفى شوارع المدينة أنواع مختلفة من الأشجار المثمرة، أرى من تحتها الأنهار فى قنوات من الذهب والفضة، واستغرق بناء هذه المدينة ثلاثمائة عام،، وكان قد بلغ من العمر تسعمائة عام، عندما بلغه أن مدينة [إرم ذات العماد] قد بنيت، رحل مع نسائه وجواريه وخدمه ووزراته وجنوده، وسار بهم فى موكب عظيم، حتى اذا لم يبق بينه وبين [إرم] إلا مرحلة واحدة، أرسل الله عليهم الصيحة، فأهلكنهم جميعا». الرواية: فى فمى لؤلؤة الروائية: ميسون صقر القاسمى الناشر: الدار المصرية اللبنانية 2016