تتهدد التنمية الإنسانية في الوطن العربي عموما مخاطر إيكولوجية وبيئية جسيمة حتي إن إهمال هذه المخاطر قد يتهدد الوجود البشري في مواقع عديدة في المنطقة في المستقبل المنظور. علي العموم, سيواجه كثير من البلدان العربية أزمات حادة في توافر المياه, وقد يؤدي التنافس علي موارد المياه المحدودة إلي صراعات حادة وربما حروب لا تحمد عقباها. وستتعرض المنطقة العربية لآثار وخيمة جراء تبدل المناخ في العالم, كما تواجه مواضع في المنطقة مخاطر بيئية خاصة بها, مثل بقايا ذخائر اليورانيوم المنضب في العراق. ولكن لا يلتفت صناع القرار في البلدان العربية إلي هذه المخاطر, وعلي وجه الخصوص لم تحظ بالاهتمام الواجب في برامج مرشحي الرئاسة في مصر أخيرا. ويتعين ألا ننسي أن التغافل عن هذه المخاطر يظلم الأجيال المستقبلية من العرب ظلما بينا. بداية يحتل الوطن العربي نحو 10% من مساحة كوكب الأرض, ويقطنه5% من سكان العالم, وينتج فيه 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي للبشرية, ولكنه مع ذلك لا يحوي إلا أقل من 1% من موارد المياه العذبة في العالم. ويفاقم من أزمة المياه أن ثلثي موارد المنطقة العربية من الموارد المائية المتجددة تنبع من خارج المنطقة. كما ينتظر أن يزيد وقع تغير المناخ من حدة الأزمة المائية. فينتظر, بنهاية القرن الحادي والعشرين, أن تواجه المنطقة العربية, بسبب تغير المناخ في العالم, انخفاضا قدره الربع في تساقط المطر مع زيادة بمقدار الربع في معدلات البخر, ما سيهدد الزراعة المطرية ويؤدي إلي انخفاض غلتها بمقدار الخمس علي الأقل. ويحذر التقرير نفسه من أن العرب سيواجهون. وتحتل البلدان العربية مواقع شديدة الجفاف, وتعتمد جميعها تقريبا علي استيراد المواد الغذائية الأساسية التي ارتفعت أسعارها إلي مستويات قياسية. ويزدادالطلب علي المياه بسبب نمو السكان, بينما الأنهار التي تصب في البلدان العربية قليلة العدد وتنبع من خارج المنطقة, وتتضاءل موارد المياه الجوفية. ويستغل أكثر من 80% من المياه في المنطقة العربية في الري, ولا تتعدي معدلات كفاءة استخدام المياه النصف: 37-53%. كما تستشري الاستعمالات المبددة للمياه من خلال أساليب الري المسرفة, مثل الري بالغمر, الذي ما زال سائدا في مصر وغيرها. ولكن انتشار استخدامات أخري يتسم بالسفه في بلدان شديدة الجفاف تواجه أزمة مياه طاحنة, مثل ملاعب الجولف وأحواض السباحة الخاصة في منتجعات الأغنياء, بينما الرياضتان لا تمارسان إلا لماما. ويهدر كثير من المياه بسبب شيوع التبذير في المياه في القطاع العائلي بوجه عام أيضا. وقد يؤدي الصراع علي المياه إلي نشوب صراعات وحروب في المنطقة وحولها. وقد يتسبب في هذا بناء سدود في تركيا علي نهري دجلة والفرات تقيد تدفق المياه إلي سوريا والعراق, أو علي النيل من قبل دول المنبع, ناهيك عن التنازع علي المياه بين إسرائيل ولبنان وفلسطين. كما يتركز معظم النشاط الاقتصادي, خاصة الزراعة, والتجمعات السكانية في المناطق الساحلية للبلدان العربية, وهي علي خطر شديد من ارتفاع مستوي سطح البحر نتيجة لتغير المناخ في العالم. والذي قد يأتي علي صورة إغراق المناطق الساحلية, أو زيادة ملوحة التربة ومصادر المياه العذبة الجوفية. فقد انتهت دراسات أجريت بتقانة الاستشعار عن بعد لتقدير أثر ارتفاع الحرارة في العالم علي المنطقة, إلي أن ارتفاع مستوي سطح البحر بمقدار متر واحد سيكون له آثار خطيرة علي الكويت, والبحرين, والإمارات, ومصر وتونس والجزائر والمغرب, ينتظر أن تطول 3.2% من السكان, بينما النسبة المتوسطة المقابلة علي مستوي العالم هي 1.3%. ويخشي أن تشمل الأضرار المحتملة الأخري لارتفاع درجات الحرارة تآكل الأرض الزراعية, وتفشي الأمراض المعدية وانقراض أصناف نباتية وحيوانية. وينتظر أن يهدد ارتفاع مستوي سطح البحر 1-3% من أراضي كل من قطر, والإمارات, والكويت, وتونس والجزائر والمغرب المتاخمة للبحر أما في مصر, أكثر البلدان العربية سكانا, فيواجه12% من أخصب الأراضي الزراعية خطر البوار. وتواجه المنطقة, فوق ذلك خطر نقص إنتاج الغذاء بمقدار النصف إن استمرت أنماط الزراعة المضرة بالتربة. فتضافر استشراء الجفاف وازدياد شدته مع تغير أطوال الفصول قد ينقص من غلة الزراعة إلي النصف إن لم تطبق إجراءات وقائية بديلة, شاملة تطوير سلالات زراعية قادرة علي التكيف مع الظروف المناخية المستجدة. وتحذر الدراسات أيضا من مخاطر انتشار مرض الملاريا في السودان ومصر والمغرب التي حوصر فيها المرض حاليا بينما ظل مستوطنا. وينتظر أن تتعرض صحة البشر لمخاطر نتيجة لارتفاع درجات الحرارة, أساسا بسبب تغير النطاق الجغرافي لحوامل المرض مثل البعوض, وفي نوعية المياه والهواء, وتوافر الغذاء ونوعيته. فينتظر أن يزيد انتشار الملاريا, التي تصيب حاليا ثلاثة ملايين نسمة في العام في المنطقة العربية, وتغزو مناطق جديدة بسبب تقصير درجات الحرارة الأعلي لفترة حضانة العائل, ومساعدتها علي التكاثر والانتشار. وسيزيد التركز الأعلي لثاني أكسيد الكربون وعواصف الرمال الأكثر تواترا, والأشد قسوة من أمراض الصدر والحساسية في المنطقة. ويخشي أن تعاني السياحة أيضا. حيث سيعني ارتفاع درجات الحرارة تدهور شعور السائحين بالراحة نتيجة للحرارة الأشد في فصل الصيف, وتقلبات المناخ العنيفة, واشتداد ندرة المياه, وتدهور النسق الإيكولوجي بوجه عام. وكمثال, ينتظر أن تبهت ألوان الشعب المرجانية في البحر الأحمر ما يضر بالسياحة في مصر والأردن. وسيضر تآكل الشواطئ وارتفاع مستوي سطح البحر بالسياحة في مصر و الأردن ولبنان وتونس والمغرب, خاصة حيث الشواطئ الرملية ضيقة والمباني قريبة من البحر كما في ساحل مصر الشمالي. ويتوقع أن يتضرر التنوع الحيوي, المتدهور أصلا, مع تغير المناخ, فقد يترتب علي ارتفاع الحرارة بدرجتين انقراض ما يصل إلي 40% من الأنواع الحيوية الموجودة. وفي البلدان العربية تكوينات فريدة يمكن أن تتضرر في هذا الصدد مثل مستنقعات البوص في العراق, وسلاسل الجبال المرتفعة في اليمن وعمان, وسلاسل الجبال المجاورة للشواطئ حول البحر الأحمر. وللأسف لاتوجد خطط جادة لحماية البيئة تكفي لمكافحة الآثار الضارة لتغير المناخ في البلدان العربية, منفردة أو مجتمعة. المزيد من مقالات د . نادر فرجانى