تبدلت فرحتهم باستقبال شهر رمضان الكريم، وانتظارهم بلهفة واشتياق لرؤية الفوانيس تزين الشارع، وسماع صوت المسحراتى يصدح لإيقاظ سكان المنطقة، إلى أمواج من الحزن وبحور من الدموع على فراق فلذة الكبد، ونور العين، الذى قيد اسمه فى سجلات الوفاة، قبل أن يهل الشهر الفضيل، هكذا كان حال أسرة أحمد الذى راح ضحية تعليق زينة رمضان. عقدت الأسرة أمانيها، وعلقت الآمال، ورسمت فى مخيلتها مستقبلا عظيما للصغير، وأن ينال أحمد ذو العشر سنوات التعليم المناسب، ويحصل على أعلى الشهادات، ويحظى بمكانة طيبة بين أقرانه، خاصة أن أبناء قريته يعتزون بإنجاب الذكور، ويعتبرونها عزوة، ولم يدر بخلدهم أن يأتى من يقطع حبل أمانيهم، وتتبدد معها أحلامهم وتعصف بها الرياح كالرماد، وتفقد الأسرة ابنها الغالي. وكعادة الكثير من المصريين، كان شباب قرية "نزة الهيش" بسوهاج يستقبلون شهر رمضان بتعليق الزينة والفوانيس والأنوار فى الشوارع، ابتهاجا وفرحا بقدومه، وكان أحمد فى العام الماضى مثل باقى من فى سنه من أبناء القرية يحرص على مشاهدة الشباب وهم يقومون بتعليق الزينة فى المنطقة، لينتقل هذا العام من المتفرج إلى المشارك حتى ولو بعمل بسيط قدر استطاعته، كى ينال شرف المشاركة فى هذا العمل الجميل، ويحس بأنه أصبح له دورا فى المجتمع خلاف الدراسة والمذاكرة، بعد أن أنهى امتحانات النقل، واجتازها بنجاح. وما ان انتصف شهر شعبان، إلا ودب الحماس فى عروق شباب الشارع، وحفّز كل منهم الآخر، لتعليق زينة رمضان، وبادر أهالى المنطقة بتقديم المساهمات المالية لهم ليتمكنوا من شراء ما يلزم من زينة وفوانيس وأنوار، وهمّ الشباب على التطوع لتنفيذ المهمة السنوية، وراح أحدهم يوزع الأدوار عليهم، فهذا يحضر سلّما للتصلق عليه، وآخر يزود خيط الزينة ببعض "الدوبار" حتى يقوى على مقاومة العوامل الجوية، وغيرهما يصنع فانوسا بمجموعة من الخوص والأغطية البلاستيكية، الكل له دور، فى هذا المشهد الاحتفالى، تعلو على وجوههم الابتسامة والفرحة تملأ المكان، الجيران يسارعون فى تقديم المشروبات الباردة لهؤلاء الصبية، خاصة مع ارتفاع درجة الحرارة، والمارة يوجهون لهم التحية، ويشيدون بما يبذلون من جهد. فى الوقت الذى كانت أسرة أحمد تتطلع لدور الطفل الصغير مع هذه المجموعة التى تعمل بدأب كخلية النحل، نظرات فرح وتفاخر بمشاركة الصغير فى هذا الكرنفال، لكن الفرحة عادة لا تكتمل، بعد أن حدثت مشادة كلامية بين أحمد "الضحية" وصبى يكبره بخمس سنوات لاختلافهما على مكان تعليق الزينة، ليتطور المشهد إلى مشاجرة بالأيدى استخدم خلالها الجانى سكينا كان يستخدمه فى تقطيع وصلات الزينة، وقام بطعنه فأراده قتيلا، وقرر المتهم أنه كان يريد تخويفه فقط بالسكين ولم يكن يقصد قتله.