مع اقتراب موعد الزيارة الرسمية لرئيس الحكومة المجرية للقاهرة في نهاية مايو الحالى يستعيد الكثيرون من المراقبين ما حفل ويحفل به تاريخ البلدين من نقاط مضيئة ومواقف مشتركة تقول بضرورة البناء عليها وتطويرها الى المستوى الذي يتسق مع ثوابت الامس القريب، منذ توقف خيار القاهرة عند المجر بوصفها احد اهم محاور علاقات مصر الاستراتيجية مع بلدان ما كان يسمى المعسكر الاشتراكي في مطلع النصف الثاني من القرن الماضي. وها هما البلدان يقفان على اعتاب مرحلة جديدة تشى ملامحها بالكثير من الآمال التي يعقدها الشعبان على تحركات القيادة السياسية في البلدين خلال الفترة المقبلة. وما ان تلتقط الاسماع اسم المجر حتى يتقافز الى الاذهان الكثير من مشاهد الماضي القريب، بداية من القطار المجرى الذي كان ولا يزال عنوانا يوحى بالكثير من الآمال في استعادة ما فات، وحتى الكثير من المشروعات المشتركة التي تحققت في خمسينات وستينيات القرن الفائت. كانت المجر ولا تزال مقصدا ترومه الاخيلة بحثا عن التعاون المنشود، بما يعلقه المصريون عليه من آمال كبار في التنمية والتطور والتقدم في مختلف مجالات الصناعة والزراعة والعلوم. ولذا لم يكن غريبا ان تجد القاهرة في بودابست من يشاطرها ذات المشاعر التي قد تكون تفسيرا لكون القيادة المجرية الاولى في شرق أوروبا التي بادرت بالاعتراف بشرعية ثورة 30 يونيو، وقرارات الثالث من يوليو 2013. لم يكن غريبا ايضا ان تبادر القيادة المجرية باعلان قرارها حول عدم وقف السياحة المجرية واستمرار الطيران المباشر مع مصر، في الوقت الذي تراجع فيه آخرون كثيرون عن اتخاذ مثل هذا القرار حين تعرضت مصر والمنطقة لضربات الارهاب الدولي. غير انه وعلى الرغم من قِدَم علاقات البلدين التي تعود الى عام 1928 اي الى ما يقرب من ثمانين عاما، فان الواقع الموضوعي يقول بتراجع ملموس لا يليق بتاريخ البلدين، وبما سبق وحققاه من مستوى متميز في القرن الماضي. ولعل استعراض ما كانت عليه العلاقات ابان تلك الحقبة التاريخية ذات الانجازات الباهرة والمبهرة يقول بامكانية استدعاء خبرات الماضي من اجل البناء عليها. ولعل ذلك هو ما قد يفسر توقف خيار الرئيس السيسي عند بودابست دون بقية عواصم اوروبا الشرقية لزيارتها في يونيو من العام الماضي معلنا عن حقبة جديدة في تاريخ العلاقات بين البلدين، على ضوء ما قاله اوربان في مؤتمره الصحفي المشترك مع السيسي في يونيو الماضي. وكان رئيس الحكومة المجرية اكد "ان مصر بلد متفرد، يرتبط به استقرار المنطقة العربية بأسرها. ولما كان العالم صار مرتبطا كل بالاخر فإنه يمكن القول إن اوروبا لن تتمتع بالاستقرار دون مصر المستقرة". وفي محاولة لاستيضاح "حالة وآفاق العلاقات المصرية المجرية على ضوء ما تحقق خلال زيارة العام الفائت، «توجهت الاهرام» في بودابست الي من عهدت اليه مصر وقيادتها السياسية متابعة وتطوير هذه العلاقات. وهو ما رد عليه السفير محمود المغربي سفير مصر في المجر حيث أكد أن زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي الي المجر في يونيو الفائت، أكسبت العلاقات الثنائية زخمًا سياسيًا وبُعدًا اقتصاديًا جديدًا يتناسب مع مقومات البلدين؛ فعلي الصعيد السياسي تمكن الجانب المجري - الذي يُكن احترامًا لتوجهات السياسة الخارجية المصرية- من التعرف علي التقييم المصري لواقع الأزمات في المنطقة وتصورات تسويتها واكتسب الطرح المصري مصداقيته انطلاقًا من تيقُن الجانب المجري بأن مصر لا تمتلك أجندات مستترة أو أطماعا ما عند طرحها لرؤية تسوية الأزمات، فضلا عن الاقتناع بأن مصر هي لاعب محوري وأساسي في المنطقة وضامن لاستقرارها ولاستقرار المحيط الأوروبي في مُجمله". ومضى السفير المغربي ليقول "ان زيارة الرئيس السيسي مكنت علي الصعيد الاقتصادي من طرح مشروعات المؤتمر الاقتصادي بشرم الشيخ خاصة ما يُمثل منها للمجر قيمة مُضافة في ضوء خبراته المتراكمة في قطاعات الانشاءات والزراعة وإدارة موارد المياه، وهي مجالات تُتيح التعاون المشترك". وتوقف السفير عند اعمال اللجنة الحكومية المشتركة التي تُعد "الإطار المُنظم للعلاقات الاقتصادية والثقافية الثنائية" ليقول: "انها اجتمعت في بودابست في العام الفائت ، وتم التوقيع خلالها علي مذكرات تفاهم للتعاون في مجال الزراعة والصحة النباتية وأخري في مجال إدارة الموارد المائية ليُضاف ذلك إلي ما تم توقيعه خلال الزيارة الرئاسية من إعلان سياسي للتعاون الاستراتيجي والبرنامج التنفيذي للتعاون الثقافي والتعليمي والذي أتاحت بموجبه المجر للطلبة المصريين مائة منحة للدراسة الجامعية في المجالات التي نحددها وتتناسب مع أولوياتنا، فضلا عن اتفاق للتعاون في مجال السياحة تذليلا للمعوقات التي قد تحول دون تدفق السائحين في الاتجاهين". وحول مجالات التعاون بين البلدين قال سفير مصر في بودابست : "اتصالا بتنوع المقومات الاقتصادية المجرية يُمكن للعلاقة بين البلدين ان تنطلق إلي آفاق أرحب تحقيقًا للمصلحة المشتركة؛ فالجانب المجري يعمل علي تعظيم مكاسب الشركات الخاصة وإيجاد فرص لاستثماراتها في الخارج وارتبط هذا التوجه بالسياسة الجديدة للانفتاح نحو الشرق ونحو الجنوب خروجًا عن الإطار التقليدى للعلاقات مع الدول الغربية. واضاف في سياق التعاون الاقتصادي، تُتيح المشروعات الاقتصادية الكبرى في مصر فرصة مواتية للمشاركة المجرية؛ فعلي سبيل المثال يُمكن للشركات المجرية المشاركة الفعالة في مشروع استصلاح الأراضي بمراحله وفي المناقصات المطروحة في مجال الطاقة المتجددة وبناء محطات الكهرباء. وعن احتمالات مشاركة المجر في المنطقة الاقتصادية لخليج السويس قال السفير : "لا يُمكن تجاهل ما تُتيحه المنطقة الاقتصادية لخليج السويس من فرص استثمارية لإقامة مشروعات مشتركة خاصة في مجال معدات السكك الحديدية، وهو مجال متقدم في المجر وحظى في السابق بتعاون مع مصر منذ ستينيات القرن الماضي، ويُتيح التصنيع المشترك التصدير الي سوق ثالث استفادة من اتفاقيات التجارة الحرة ومن عضوية مصر في تجمع الكوميسا، وهو توجه يتناسب مع الطموحات المجرية في الانفتاح نحو الجنوب". غير ان الواقع يقول بضرورة التوقف طويلا عند هذه القضايا التي لا تزال تصادف بعض التعثر على طريق التحول من الاقوال الى الافعال". ولعل ذلك تحديدا يحملنا الى ما يتضمنه برنامج زيارة فيكتور اوربان رئيس الحكومة المجرية لمصر والتي سوف تستمر لمدة ثلاثة ايام تشهد انعقاد منتدى رجال الاعمال المصري المجري، الذي وصفه السفير المغربي بانه "فعالية مهمة تستند الى ما حققته من نجاح في دورته الاولي التي عُقدت خلال زيارة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي الي بودابست في يونيو من العام الماضي". وبهذا الشأن قال السفير : " ان المنتدى يوفر الفرصة لكل من الجانبين لطرح اهتماماته. فبالنسبة للجانب المصري ستُكون الفرصة مواتية لعرض مشروعاتنا الاقتصادية الكبرى علي المشاركين من القطاع الخاص المجري الذي سيعرض بدوره المقومات الاقتصادية والخبرات المتراكمة للشركات المجرية. كما انه سيوفر الفرصة لعقد دورة جديدة لمجلس الأعمال المشترك لرفع توصيات لتنمية العلاقات الاقتصادية رصدًا لمقوماتها وللمعوقات التي تعترض سبيل تنميتها" وتوقع السفير المغربي "مشاركة مجموعة كبيرة من رجال الأعمال ممثلين لنحو 70 شركة مجرية في مختلف قطاعات الأنشطة الاقتصادية. وطبعا لم نكن لنغفل السؤال عن قضية الهجرة التي، ويتخذ اوربان رئيس الحكومة المجرية منها موقفا متميزا عن سائر اقرانه من زعماء بلدان الاتحاد الاوروبي . قال السفير : "كان تدفق الهجرة غير المشروعة وتنامي ظاهرة اللجوء خلال العام الفائت حاكمَا لأبعاد رئيسية في السياسة الخارجية المجرية؛ وقد تبنت المجر مع بداية الأزمة خطًا متشددًا ومناهضًا لاستقبال اللاجئين عن إقتناع بأن التعامل مع الأزمة يجب أن يبدأ بالحلول السياسية في مناطق نشوئها وأنه يجب بقاء اللاجئين والنازحين في مناطق قريبة لدولهم الأصلية حتي تسهُل عودتهم فور إقرار التسويات السياسية، ولاقى الموقف المجري انتقادًا من الدول الأوروبية الرئيسية قبل أن يُنتقد من العديد من الدول الاسلامية التي أدانت ربط الارهاب بالاسلام وبالمهاجرين في مواقع عديدة من خطاب المسئولين المجريين". ومضى السفير المصري في بودابست ليقول: "يُقدر المسئولون المجريون استضافة مصر للاجئين من دول الجوار وقبولهم كأشقاء للمواطنين المصريين، كما يتفهم الجانب المجري السياق العام للأحداث في المنطقة وفي مصر التي تبذل جهودًا لمحاربة الإرهاب ولإجتثثاث جذوره وينعكس هذا التفهم في المواقف المجرية في إطار المنظمات الإقليمية والدولية؛ فالمجريون يدركون أن استقرار مصر حتمي لاستقرار المنطقة ولضبط تدفق الهجرة إلي أوروبا ولمناهضة التوجهات المتطرفة في المنطقة الهادفة إلي تقسيمها طائفيًا". ويبقي ان نقول ان رئيس الحكومة المجرية اختار ذكرى ميلاده في 31 مايو منذ ثلاثة وخمسين عاما ليكون موعدا لزيارته للقاهرة. و"الاهرام" اذ تتقدم اليه بالتهنئة بهذه المناسبة، ترجو ان تسفر الزيارة عن اطيب النتائج بما يعود بالكثير من الخير والرخاء للبلدين .. مصر والمجر.