مازال الإرهاب الهاجس الأكبر الذي يؤرق أوروبا وامريكا قيادة وشعوبا, ولا يداني تلك المخاوف أهمية سوي تباطؤ الاقتصاد, وفي حياة الشعوب لا رفاهية في غياب الامن والاستقرار. وفي عام الانتخابات الرئاسيه الامريكية علي وجه الخصوص تبقي مكافحة الارهاب وخططها الواقعية الجاهزة هي الورقة الرابحة المؤثرة في يد ساكن البيت الابيض القادم. ورغم ان مياها هادرة جرت منذ ان تخلص العالم قبل نحو عام من زعيم تنظيم القاعده أسامة بن لادن الا ان افكاره وعقيدته لا تزال تعبث باستقرار العالم فالسحر موجود رغم رحيل الساحر. ولعل ابرز ما يدلل علي ذلك الصدفة الالهية التي انقذت طائرة مدنية أمريكية من الانفجارمطلع مايو الحالي وهي في طريقها للولايات المتحده لتنقذ العالم من إعادة إخراج سيناريو هجمات سبتمبر2001 بعد ان نجح عميل مزدوج في احباط الهجوم وتسليم القنبلة المبتكرة ومعلومات العملية للمخابرات الامريكية والسعودية. فرغم ضعف القيادة المركزية للقاعدة بعد رحيل بن لادن وتأثر سلاسل قيادتة حتي من قبل مقتل رئيسها اثر مقتل عدد من أكفأ قاداتها الميدانيين علي يد امريكا وحلفائها, فإن العالم يواجه خطرا نوعيا اخر مصدره المجموعات العنقودية والخلايا النائمة التي تستلهم افكارها من بن لادن وتدين بالولاء للقاعدة. وكشفت عمليات ارهابية استهدفت اوروبا عن ظاهرة جديدة يطلق عليها الذئاب الشاردة وهي توصيف لمنفذي هجمات يؤمنون بفكرة الجهاد العالمي لكنهم لا يتلقون تعليمات مباشرة من القيادة التنفيذية للقاعدة, ومثال ذلك الهجمات التي نفذها الفرنسي العربي الاصل محمد مراح في تولوز بفرنسا وقبلها قيام عسكري في الجيش الامريكي من اصول عربية باطلاق النار عشوائيا علي زملائه في معسكر فورت هود بتكساس. ربما تحاول إدارة الرئيس الامريكي اوباما الترويج للملف الامني في عام الانتخابات الرئاسيه بالقول ان العالم اصبح اكثر امنا الان في غياب بن لادن, وهو قول يردده ايضا قادته الامنيون ويزيدون بالقول ان كسر شوكة التنظيم الرئيسي للقاعدة ساهم في إبقائه عاجزا عن تنفيذ عملية معقدة مثل شن هجوم بقنبلة نووية قذرة أو بسلاح بيولوجي, وربما يحالف تلك الاقوال التي تقترب من الامنيات التي يغلفها الحماس والزهو التوفيق وقتيا لكن النشاط الدءوب علي مسرح العمليات الممتد الذي تنفذ عليه القاعدة عملياتها يدحض هذا التفاؤل ويؤكد ان القاعدة تحولت من تنظيم هرمي تقليدي الي فكرة يعتنقها انصارها حول العالم وبالتالي من الصعب السيطرة علي عملياتهم. ويتفق الخبراء ومراكز الابحاث الامنية الغربية علي ان افتقاد ايمن الظواهري خليفة بن لادن لكاريزما مؤسس القاعدة لم يكن له ذلك التأثير المتفائل الذي يبشر بضعف التنظيم, بل علي العكس فاقم في خطورته بل سيزداد خطورة بعد رحيله حيث ستتكاثر الانقسامات في نسيجه ويشتعل الصراع بين قادة اجنحته في الجزيرة العربية وافريقيا واوروبا وجنوب شرق اسيا ما قد ينتج عنه سلاسل غير متصلة من التنظيمات تجمعها فكرة الجهاد دون رابط بينها. واللافت ان رحيل بن لادن وعلي عكس المتوقع دفع بالعديد من بلدان الشرق الاوسط واوروبا الي درجات اعلي من حيث احتمالية التعرض لهجمات ارهابية, فتراخي القبضة الامنية في بعض دول الربيع العربي مثل اليمن وليبيا وسوريا افسح الطريق لاختراق الحدود وانضمام عناصر قتالية واسلحة للمجموعات التابعه للقاعدة بتلك الدول, والتفجير الانتحاري الاخير في اليمن خير شاهد علي ذلك, اما في اوروبا فقد لجأ التنظيم إلي الاسراع بوتيرة تجنيد الاوروبيين, خاصة ذوي الاصول العربية ردا علي الاجراءات المشدده التي اتخذتها السلطات الامنيه لتفكيك الجماعات الموالية للقاعدة. الواقع ان معطيات عدة تتزاحم لترشح حالة من عدم الاستقرار في العالم خلال الاشهر القليلة القادمة, فالعاصمه البريطانيه وبناء علي وثائق ويكيليكس تشهد نشاط تجنيد متصاعدا لعناصر اوروبية لحساب القاعدة وكان من عينة محصلتها هجوم تولوز, وبشكل متواز كثف التنظيم من لجوئه الي ما يعرف ب الجهاد الاليكتروني في مواجهة التضييق الذي تنتهجه اجهزة الامن الاوروبية, حيث تبث القاعدة لنشطائها عبر الانترنت مواد فيلمية عن خوض المعارك ومعلومات عن شبكات الطرق والمنشآت الحيوية في اوروبا كنوع من محاكاة مسرح العمليات بديلا عن معسكرات التدريب, وهو نهج جذب الكثيرين لافكار القاعدة لتقلص المخاوف من وقوعهم في قبضة الامن. ويمثل فشل الغرب, خاصة الولاياتالمتحدة في النأي بنفسها عن ممارسات معاديه للاسلام في تصاعد الرغبة الانتقامية لدي العناصر الاصولية التي لم تهدأ رغبتها الاصلية في الانتقام لمقتل بن لادن, فما تكشف مؤخرا عن دورات عسكرية تعقد منذ سنوات في كلية اركان القوات المشتركة بولاية فيرجينيا الامريكية تتضمن مناهج تشير الي ان امريكا في حالة حرب مع الاسلام سيعزز من الخطاب المتشدد لدي انصار القاعدة ضد الولاياتالمتحدة واتهامها بشن حرب دينية علي الدول الاسلامية عكس ما تروج له من ضرب قلاع الارهاب, وهو ما يصعد حالة الترقب لهجمات تستهدف إحراج ادارة اوباما التي لا تخفي حالة الانتشاء منذ اصطياد بن لادن, لكن قد تفعلها القاعدة وتحرم الرئيس الامريكي من الزهو بملف الامن الذي يعتبره اعداؤه انجازه الوحيد الذي لن يكفيه بالتأكيد للبقاء في البيت الابيض.