منعتني الانفلونزا من المشاركة في لقاء الأسرة الصحفية بالأهرام، ولكني اتصلت بالصديق الأستاذ مكرم محمد أحمد ووجدت أنه سيكون خير معبر عن موقفنا جميعا نحن أبناء هذه المهنة التي لم نعرف غيرها طيلة السنوات التي تزيد علي أربعين سنة. ولا شك أن المبادرة من جانب رئيس التحرير الأستاذ محمد عبدالهادي علام جاءت في وقتها لكي يعلو صوت العقل في مواجهة الانفعال والغوغائية العنترية التي ادارت بها مجلس نقابة الصحفيين الأزمة مع وزارة الداخلية وسمح للأزمة بأن تتصاعد إلي الحد الذي أدي إلي تشويه صورة الصحافة والصحفيين والنقابة. كان من حق بل من واجب مجلس النقابة أن يحتج علي حصار البوليس للنقابة ومنع اعضائها من الدخول والسماح للغوغاء المأجورين باحتلال سلم النقابة وتوجيه البذاءات إلي الصحفيين في مشهد أثار استياء وغضب الصحفيين وغيرهم من أعضاء النقابات الأخري لأنهم رأوا في ذلك الاجراء رسالة تهديد للجميع واعلانا لبداية مرحلة جديدة من فرض الخوف والسكوت بالقوة. كان من حق مجلس النقابة أن يمارس حقه وواجبه في الاحتجاج والاحتجاج في ذاته ليس جريمة بل هو من تجليات الديمقراطية ومن ثمار مناخ الحرية في أي مجتمع بل هو حق من حقوق الانسان لا يجوز مصادرته أو قمعه بالقوة. وإذا منع الانسان من الاحتجاج علي موقف يمس حياته أو ينتقص من حريته أو يعوق حقه في الاعلان عن رأيه بحرية فإنه في هذه الحالة إما أن يتخذ موقف التحدي وإما أن يستسلم للقمع وينفجر نتيجة الكبت والإحباط، وإما أن يفقد الحماس ويعزف عن المشاركة في القضايا العامة ويستسلم للسلبية بما يعني الوصول إلي نوع من أنواع الانتحار المعنوي. كل هذا مفهوم، ولكن هل »الاحتجاج« هو الهياج والمزايدة في المطالب ومناصبة مؤسسات الدولة العداء؟ الاحتجاج مشروع، وهو حق، ولكن كيف ومتي وأين ولماذا؟ فإذا لم يكن في الاحتجاج إجابات منطقية لهذه الاسئلة فإنه يكون نوعا من الفوضي والعشوائية والاضرار بالمجتمع. لهذا كان من الواجب علي مجلس النقابة أن يتحلي بالحكمة ويحتكم الي العقل وينحاز الي المصلحة العامة خاصة ونحن نطالب وندافع عن دولة القانون فلا يعقل أن نكون رافضين لسلطات العدالة وللقانون. وكان المفروض أن يراعي مجلس النقابة أصول وأخلاقيات الاحتجاج، ولكن المجلس لجأ إلي استسهال الاعتصامات واصدار قرارات لا لزوم لها ولا تدل علي حكمة في ادارة الأزمة بحيث تضع الأزمة في حجمها الطبيعي بدون مبالغة وتصعيد لا لزوم لهما ولا فائدة منهما بل ان الضرر المحقق هو النتيجة الطبيعية للمبالغة والتصعيد وسوف يلحق الضرر بالصحافة وبالنقابة نتيجة لصورتها أمام الرأي العام علي أنها نقابة »منفلتة«.كان من حق وواجب مجلس النقابة أن يقود الاجتماع في اتجاه سليم بحيث لا تتجاوز لغة الخطاب والقرارات حدود المعقول والمصلحة العامة، . لهذا نطالب بأن تسير اللعبة السياسية وفق قواعد صحيحة والتراشق والتلاسن ليسا حلا لأي قضية. ولأن كل أزمة لها أكثر من طرف وليست من صنع طرف واحد فإن الداخلية أيضا يجب أن تراجع اساليبها في التعامل مع الجماعات والنقابات الوطنية، وان تراعي الفرق بين الاختلاف وبين العداء والكراهية، وأن مواجهة الأزمات دائما بالعنف ليست الوسيلة الأمثل، وأن تكسير العظام ليس لصالح أحد وليس لصالح البلد في النهاية. وإذا كان مجلس النقابة قد خرج عن حدود العمل النقابي وتحول إلي ما يشبه الحزب السياسي فمتي تعود النقابة »نقابة« لكل الصحفيين ولرفع مستوي الممارسة المهنية ورفع مستوي ابنائها؟ لمزيد من مقالات رجب البنا