ضرب وتعذيب ومهانة وحرمان من الطعام ومن العلاج, وتهميش وعدم أمان وانتهاكات صارخة متعددة ينتظرها تشرد ومصير مجهول.. كل هذا يتم داخل بعض دور الأيتام فى مصر, كما طالعتنا الصحف مؤخرا وعلى فترات متقاربة من أخبار وأحداث فى دور الأيتام، وما أكدته أيضا التصريحات الرسمية لوزارة التضامن الاجتماعى على تزايد الانتهاكات بدور الرعاية الاجتماعية, الأمر الذى أدى الى غلق 40 دارا من أصل 448 دارا منتشرة على مستوى الجمهورية بنوعيها العام والخاص, حيث يوجد بالقاهرة 266 دارا وبالجيزة 60 دارا، وبالقليوبية 12دارا، وبالإسكندرية 35 دار.. ويسكنون دور الأيتام هذه حوالى مليونين ونصف المليون طفل يتيم ومجهول النسب. والسؤال هنا: الى متى سيستمر تكرار حوادث انتهاك الأطفال فى بعض دور الرعاية فى مختلف المحافظات؟.. وهل أصبح الهدف من دور الأيتام, هو جمع التبرعات وحصد التمويلات من هنا وهناك وإهمال الدور الأساسى لها وهو الرعاية الإنسانية الشاملة لهؤلاء الأطفال؟.. وكيف يمكن حماية هؤلاء الأطفال الذين فقدوا أهم ركن من أركان حياة أى طفل وهو الرعاية الأسرية؟.. وما هو التحليل النفسى لمرتكبى الجرائم ضد الأيتام؟.. وكيف نوفر لهؤلاء الأطفال الرعاية الشاملة والحماية القانونية اللازمة كى ينعموا بحياة كريمة هانئة ؟.. وللرد على هذه التساؤلات يؤكد هانى هلال رئيس الائتلاف المصرى لحقوق الطفل أن هناك بالفعل انتهاكات تحدث فى بعض دور الأيتام وإن كانت زادت بعد ثورة 25 يناير بشكل ملحوظ، ورغم ما تبذله وزارة التضامن الاجتماعى من جهد لتحجيم هذه الانتهاكات إلا أنه للأسف جهد محدود.. ويطالب هلال بتفعيل تلك اللجان التى شكلت من قبل وزارة التضامن الاجتماعى والمجلس القومى للطفولة والأمومة والإدارة المحلية على أساس أن لكل حى اللجنة الخاصة به لحماية هؤلاء الأطفال القانتين بدور الأيتام به من حيث مواجهة اى انتهاكات بما فيها الاتجار بالبشر او بالأعضاء البشرية او الاستيلاء على مستحقاتهم المالية المنهوبة من قبل القائمين على هذه الدور.. ويطالب أيضا رئيس الائتلاف المصرى لحقوق الطفل بتفعيل قانون الطفل المصرى الذى وضع عقوبات بالنسبة للقائمين على رعايته سواء كان الآباء او السائقون فى باصات المدارس او المدرسون. وعندما سألت فاروق سكر الأمين العام للاتحاد النوعى لرعاية جمعيات الأسرة والطفولة والأمومة على مستوى الجمهورية عن دورالمجتمع المدنى فى مواجهة مثل تلك الانتهاكات فى بعض دور الأيتام قال: نقوم بعمل لقاءات وندوات للقائمين على هذه الجمعيات فى مختلف المحافظات للتوعية اللازمة كى يمارسواعملهم بأسلوب تربوى سليم، ولكن أى إجراء قانونى تجاه هذه الانتهاكات مسئولية الجهات المختصة. وإن كنت أرى أنه لابد أن يكون الضمير هو الفيصل لأنه من الصعب على الدولة أن تراقب وتتحكم فى كل هذا العدد من الرعاية الاجتماعية. ويعلل د. رشاد عبد اللطيف أستاذ تنظيم المجتمع بكلية الخدمة الاجتماعية جامعة حلوان ورئيس المؤسسة الثقافية العمالية أسباب انحدار بعض دور الأيتام فى مصر قائلا: إن القائمين على أغلب هذه الدور يعتبرونها مشروعا تجاريا او نوعا من «الشحاته» من رجال الأعمال والدول العربية المانحة، وعدد قليل جدا هو الذى يهتم بالأيتام ويقدم لهم الرعاية الاجتماعية بدافع إنسانى وقومى، كما أن عدم وجود اخصائيين اجتماعيين وعدم وجود متابعة دقيقة ولصيقة وأمنية، وعدم وجود بحوث دقيقة على الأيتام، وكل هذا أدى الى ما نشاهده اليوم لمؤسسات الأيتام.. وأسأله وكيف تكون الحماية والرعاية الشاملة من المنظور المجتمعى؟! قال: مطلوب من وزارة الشئون الاجتماعية أن يكون هناك اخصائيون اجتماعيون مدربون من جهات متخصصة حتى لو لزم الأمر أن يتدربوا فى الخارج ويمنحوا أجورا مجزية، وكذلك يجب أن تكون هناك إدارة مركزية للأيتام لها برنامجها الواضح والمسئول المحدد وتقدم تقارير متابعة ربع سنوية للجهات المختصة، كما يجب أن يكون هناك تعاون بين وزارات التضامن والصحة والداخلية والتنمية المحلية لصالح الأيتام .. ولابد من تغليظ العقوبة لمن يخطئ ولا نكتفى بعزله او نقله الى مكان آخر، وهناك بعض المجتمعات التى تقوم بحساب الجرم بمبلغ مالى يدفعه المخطئ للمؤسسة لتطوير برامجها، وهناك ما يعاقب بالسجن والطريف أن فترة السجن تكون فى إحدى المؤسسات الخاصة بالأيتام. ويقر د. جمال أحمد شفيق أستاذ علم النفس ومقرر لجنة قطاع الطفولة بالمجلس الأعلى للجامعات واستشارى العلاج النفسى بوزارة الصحة: أنه نتيجة هذه الانتهاكات يكتسب الأطفال خبرات نفسية سيئة تترسخ فى نفوسهم وفى أذهانهم فيصابون بمختلف المشكلات والاضطرابات النفسية والسلوكية.. ولذا يجب أن يتميز القائمون والمشرفون على هذه الدور بدرجة عالية من العلم فى التخصص والتأهيل العلمى سواء كان خدمة اجتماعية او تربية، وأن يكونوا على درجة عالية من الأخلاق والتسامح والمرونة والتدين وحب الآخرين حتى يستطيعوا أن يقوموا بدورهم المقدس فى تقديم الرعاية الشاملة لمثل هؤلاء الأطفال.. أما عن الأشخاص مرتكبى جرائم العنف والقهر والتعذيب والإهانة والإساءة فهم أشخاص مضطربون نفسيا ومنحرفون سلوكيا ويعانون من أمراض نفسية وبالتالى لايصلحون بأى حال من الأحوال لتولى مثل هذه المهام الإنسانية الراقية بل إن مكانهم الطبيعى هو السجون او المصحات العقلية. ومن جانبنا يجب أن نذكر كل من يظلم طفلا يتيما أن يتذكر قول الله تعالى :»فأما اليتيم فلا تقهر» سورة الضحى اية رقم «9»، وايضا قول الرسول سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) :«انا وكافل اليتيم كهاتين فى الجنة» وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى».