كجزء من الأعداد لعقد مؤتمر عالمى عن «تجديد الفكر والعلوم الإسلامية» عقدت ندوة تحضيرية (22 ابريل 2015) وطبعت أبحاثها فى كتاب أنيق وزاخر بأبحاث علمية راقية المستوى وتمتع الكتاب بمقدمه لفضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب، ونبدأ بها وقد جاءت تحت عنوان «طليعة الكتاب» . ونطالع هذه الندوة التى نرجو من الله تعالى أن تكون بداية موفقة بينة المعالم واضحة المسالك والدروب فى موضوع »تجديد الفكر الديني« أو »تجديد الخطاب الديني« الذى يدور على ألسنة الكثير وأقلامهم، والذى يزداد غموضا وإبهاما والتباسا من كثرة ما تناولته وسائل الإعلام بغير إعداد علمى كاف لبيان مفهوم التجديد، وتحديد ما هو الخطاب الذى يراد له التجديد، وهل صحيح أن ما سموه بالخطاب الدينى كان هو وحده أصل الأزمات التى يعانى منها العالم العربى أمنيا وسياسيا؟ وكذلك التحديات التى تقف عائقا أمام نهضته وتقدمه. ثم يمضى فضيلته منددا بأصوات تنادى بإلغاء الخطاب الدينى جملة وتفصيلا، وتراه جزءا من الازمة أو تراه هو الازمة نفسها ثم يحذر فضيلته من هؤلاء الذين يحاولون تحويل مؤسسة الأزهر إلى متحف من متاحف التاريخ بكل تجلياتها العلمية والروحية والثقافية وعبر أكثر من عشرة قرون، وبعد أن بات الغرب والشرق يقران إنها أقدم وأكبر جامعة على ظهر الأرض وفى المقابل تسمع أصواتا لا تفهم من تجديد الخطاب الدينى إلا العودة فقط إلى ما كان عليه سالف الأمة وصالح المسلمين فى القرون الثلاثة الأولي، وهم ايضا يحلمون باليوم الذى يضعون فيه ايديهم على مؤسسة الازهر ويجمدون رسالته وعلومه ودعوته عند حدود التعبد بمذهب واحد واعتقاد معين، وأشكال ورسوم يرونها الدين الذى لا دين غيره (ص9) ثم يدافع فضيلته عن مسلك الأزهر فى عصره الحديث كما كان عبر عشرة قرون من إجماع واتفاق على الاصول وقواطع النصوص وكليات الدين.. وبعدها يفتح باب الاختلاف وحرية الرأى والأخذ والرد مفتوح على مصراعيه ويمضى فضيلته موضحا تبنى الأزهر منذ القدم للمذهب الأشعرى لأنه يفسح المجال واسعا لكل المذاهب الكلامية الأخرى، وينظر إليها بحسبانها مذاهب إسلامية تستظل بظلال الإسلام الوارفة التى يستظل بها كل من ينطق بالشهادتين، ويصلى إلى القبلة، ويأتى أركان الإسلام والإيمان (ص10) ويمضى فضيلة الإمام الأكبر مفسرا طبيعة المذهب الاشعرى وإنه ليس مذهبا مخترعا كغيره من المذاهب الأخري، وإنما قام أبوالحسن الأشعرى بصياغة مذهب ينصر فيه القرآن والسنة بدلالات العقول، ويبين أن نصوص الوحى تستقيم على طريق العقل الخالص إذا تجرد من شوائب الهوى ولجاج الجدل والأغاليط (ص11). ويقول لنا بأدبه الهادئ »انظروا إلى طواحين الهواء التى تستهلك جهدنا وطاقتنا، والتى يسهر لها الناس حتى مطلع الفجر، وابحثوا عن الموضوع لتجدوه أخيلة وأوهاما وحربا كلامية حول الزواج من طفلة صغيرة«. ثم يتساءل فضيلته »فى أى قطر من أقطار العالم العربى والإسلامى وجد مثال واحد لزواج طفلة صغيرة لم تبلغ الحلم. وهناك معركة التهويل حول حد الردة والتى تبعث من كتب قديمة للتهجم على التراث«. ويتساءل «ألم يشاهد أحدكم الفضائيات التى يظهر فيها شباب ملحد يتباهى بإلحاده، فمن من هؤلاء الملحدين اقيم عليه حد الردة؟ ويقول فضيلته انه شخصيا تحدث فى حلقات عدة عن الالحاد والملحدين ولم تصدر عنه كلمة واحدة تطالب بإقامة حد الردة على هؤلاء« (ص13) ويقول »إن هذه البرامج التى تقتل أوقات المصريين وتعبث بوحدة صفهم تتعامل مع أشباح لا وجود لها على أرض الواقع.. ومن المضحك أن هؤلاء يزعمون أنهم جاءوا لتجديد الخطاب الديني، وأن العناية الإلهية بعثتهم ليجددوا لنا أمر ديننا، وهكذا فى ثقة يحسدون عليها (14) ثم يفجر فضيلته الحقيقة الكامنة خلف ذلك وهى أن خلفها أجندات غريبة على الإسلام والمسلمين، تتوازى معها تماما اجندات التفجير والتدمير والنسف، والمقصود من ذلك هو ضرب الاستقرار وزرع بذور الفتنة وهو اسلوب المستعمرين (ص14) وبعدها يؤكد فضيلته ضرورة التجديد ويقول »إن التجديد أن لم يكن هو والإسلام وجهين لعملة واحدة فإنه على أقل تقدير أحد مقوماته الذاتية وإذا تحققت تحقق الإسلام نظاما فاعلا فى دنيا الناس، وإن تجمد فإن الإسلام يتجمد وينسحب من مسرح الحياة« (ص16) ثم يفتح فضيلته أمامنا طاقة ضوء مبهر ويقول »ومن الغريب حقا أن يظل مصطلح التجديد فى الإسلام وفى عهدنا الحالى من المصطلحات المحفوفة بالمخاطر والمحاذير بسبب الاتهامات التى تكال جزافا بحق احيانا وبغير حق فى معظم الاحايين لكل من يقترب من فتح هذا الملف الملغوم. الأمر الذى يجسد لنا الأهمية البالغة لهذا المؤتمر الشجاع الذى اتخذ من التجديد عنوانا لفعالياته ونشاطاته، رغم محاكم التفتيش التى تعقدها بعض الأقلام لكل من يجرؤ على فك أغلال الجمود ومغالقه عن روح هذا الدين العظيم. ثم يمضى مؤكدا »أن القدرة على التجديد أو التجدد الذاتى هى التعبير الدقيق عن خاصية المرونة، وهى الوجه الآخر لمعنى صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان ولولا التجديد ما استطاعت هذه الرسالة أن تنتشر فى الشرق والغرب بين أمم تتغاير فيما بينها تغايرا جذريا فى شتى مناحى الحياة« (ص19). وهكذا فإن فضيلة الإمام الأكبر لا يأخذ بالتجديد وضرورته فقط ولكنه يرفض أن يكون التجديد محفوفا بالمخاطر، ويرفض الاتهامات التى تكال جزافا بحق احيانا وبغير حق فى معظم الاحايين لمن يقترب من ملف التجديد. وهكذا وكأن فضيلته يحل لنا مشاكل المحاكمات والأحكام والسجن والتكفير بغير حق فى معظم الاحيان. ودمت لنا يا فضيلة الإمام الأكبر، ونواصل. لمزيد من مقالات د. رفعت السعيد