أحدث مقال الأسبوع الماضي بعنوان أفراحنا الشعبية ردود فعل ايجابية تؤيد ما كتب ومحذرة من خطورة تفشي هذه الظاهرة في مجتمعاتنا، وعدم التصدي لها ينذر بكارثة وخيمة علي الوطن العربي كله وليس مصر وحدها، لان الأمر يخص العقيدة وصحيح الدين وجاءتني رسالة كريمة تعليقا علي المقال من احد الشيوخ الكبار ومن كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية وينتهي نسبه عند أهل البيت وهو الشيخ سمير بن جميل الراضي يقول فيها لقد أحسنتم بتناولكم هذه القضية الخطيرة التي تهم الوطن العربي بأثره، فعندما يتعلق الأمر بالأخلاق فلا تستثني أحدا خاصة ان مثل هذه الظواهر بدأت تظهر في اغلب مجتمعاتنا العربية وان اختلفت الأشكال لكن المضمون واضح، وهو الإسفاف واللغة الهابطة التي أصبحت اللغة الرسمية لشباب الأمة العربية إلا من رحم ربي، وافتتح الشيخ رسالته لي بالآية القرآنية التي يقول فيها المولي عز وجل متحدثا عن الفاحشة وأثرها علي الفرد والمجتمع واليكم نص الرسالة: قال الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} النور (19) {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} النور( 21) جزاك الله خيرا وسلمت يمينك وهذا وللأسف أمر خطير جدا، وأتذكر أيام جمال عبد الناصر رحمه الله حذفت الرقابة كلمة شفايفي من أغنية عبد الحليم المشهورة أول مرة حيث تقول الأغنية (لسه شفايفي شايله سلامك ) فأصبحت لسه عينية، وكان رأي الرقابة أن الأغنية سرعان ما تنتشر وتنشر معها معاني هابطة، وفي نفس الفيلم (الوسادة الخالية) تم حذف جملة ( وترجعها زي الطبق المشروخ) التي يقولها أحمد رمزي لعبد الحليم وقامت من أجلها ضجة كبيرة على صفحات الجرائد . أما الآن فأغاني الحشيش والمساطيل أصبحت على كل لسان منها مثلا أغنية العبد والشيطان لمحمود الحسيني المفروض أنها أغنية فيها موعظة ولكن الناس نسيت أولها ولم تتذكر إلا الجزء الباقي من بداية (في الأول جرجرتك) ثم تنتقل من معاكسة جارته وشرب الخمر ولعب القمار والحشيش وفيها وبقيت تلعب بوكر وبتشرب جون ووكر، ولديه أغنية أشد وأسوأ وهي سيجارة بني . إن محاربة الرذيلة لا تكون إلا بتقوية الردع وللأسف كانت المدارس في مصر تعلمنا مادة اسمها الأخلاق والتهذيب، وتجد خلف دفاتر المدرسة نصائح وإرشادات فاختفى الدور الإرشادي والتربوي للمدرسة ، وكانت المدارس الحكومية في غاية الانضباط والجدية وأفضل من المدارس الخاصة حتى أغاني الحب والغرام في الخمسينيات والستينيات كانت عفيفة ولا تشجع على الرذيلة. إن العدو المسمي الفساد الأخلاقي أشد فتكا بالأمة من العدو الخارجي يُروى أن جنكيز خان كان يحاصر مدينة منيعة الأسوار شديدة القوة يقاتل أهلها بشراسة حتى استعصت على المغول، ولم يتمكن جنكيز خان من شراء ذمة أحد حتى كاد يتركها ، فأشار عليه أحد الحكماء بأن يأمر بعدم دفن أي ميت من البشر والدواب ويترك حتى يتعفن، فلما تجمع عدد كبير من الجيف وانتشرت الرائحة العفنة في كل مكان أمر بإلقائها على البلدة بالمنجنيق فاستسلم أهلها وتمكن منها . والعبرة أن هذا العفن والقاذورات سيؤدي للانحلال الذي يسهل على أعداء مصر – وما أكثرهم – السيطرة على قلب الأمة. إن سقوط مصر العظيمة فريسة لأعدائها سيؤدي لسقوط الأمة بأكملها، فهي قلب الأمة وروحها. حمى الله مصر وأهلها من كل شر وفاسد ومصر لها أربعة أركان تحفظ أخلاقها وقيمها الأزهر والتعليم والإعلام والداخلية . أخرج البخاري والترمذي وغيرهما أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مثل القائم على حدود الله والمدهن فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فِي الْبَحْرِ فَأَصَابَ بَعْضَهُمْ أَعْلاَهَا وَأَصَابَ بَعْضَهُمْ أَسْفَلَهَا فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالَ الذِينَ فِي أَعْلاَهَا: لاَ نَدَعُكُمْ تَصْعَدُونَ فَتُؤْذُونَا فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقاً وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعاً وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعاً" وهذا الحديث يجمع الفرق الثلاث وَهُوَ النَّاهِي عَنِ الْمَعْصِيَةِ وَالْوَاقِعُ فِيهَا وَالْمُرَائِي فهم كلهم سواء في الهلاك إذا لم يتوقف المنافق عن النفاق وتوقف الناهي عن النهي ولم يتوقف الفاعل عن الفعل مهما كانت أسباب هذا التوقف، والامتناع عن مجابهة الرذيلة والانحطاط الأخلاقيسيغرق مجتمعاتنا في مستنقع لن تنجو منه أبدا. وهكذا انتهت رسالة الشيخ سمير الراضي تعقيبا علي مقال الأسبوع الماضي فالأمر بالفعل جد خطير وعلينا جميعا شعوبا ومسئولين ورجال الدين والإعلام وكل مؤسسات المجتمع التصدي بكل حزم لمثل هذه الظواهر الخطيرة التي تنهش في جسد الأمة حتي ننجو جميعا من الغرق. لمزيد من مقالات فهمي السيد