لست أتجاوز الحقيقة إذا قلت إن أخطر ما نتعرض له هذه الأيام هو رواج بعض دعاوي الاستسلام لأفكار ورؤي تستهدف أن تجعلنا أمة منعزلة عن سائر الناس. تملك أن تدبر أمرها وأن تدير حياتها كما لو كان بينها وبين سائر الناس سور حاجز, رغم أن كل معطيات العصر ومتطلبات الحداثة تحتم علينا أن ندرك أن العزلة لم تعد ممكنة ولا جائزة فقد زالت الحواجز وارتفعت الحجب وتهاوت السدود وانكمشت فواصل المكان والزمان, ولم يعد أمامنا نحن سوي خيار واحد هو خيار التواصل مع سائر الأمم والشعوب, لأنه يحمل لنا فرصا هائلة لتحقيق النمو والتقدم والرخاء. وفي هذا الصدد تحضرني سيرة واحد من عظماء الدعاة المستنيرين في هذه الأمة وهو جمال الدين الأفغاني الذي كان- منذ أكثر من مائة- نموذجا مثاليا لشخصية تهيأت لرسالتها بنزعاتها وآمالها واقتدرت عليها بطموحها واستعدادها, فلم تتهيب ولم تنعكس عنها حين علمت مداها وعلمت أنه المدي الذي لا سبيل إلي الوفاء به قبل بلوغه. كانت الرسالة السامية للأفغاني أن ينتقل بالنبض الصحيح لأمته إلي مشارق الأرض ومغاربها, وأن يباهي بالنهضة الفكرية التي تحملها شريعة الإسلام مع من كانوا يزعمون في ذلك الوقت أنهم- وحدهم- دعاة الحضارة الحديثة.. وفي نفس الوقت فإن رسالة الأفغاني كانت أيضا موجهة نحو الداخل صوب الكارهين للإصلاح ومعارضي التواصل, والإطلال علي كل ما هو حديث في الفكر والعلم علي امتداد الكرة الأرضية من مشارقها إلي مغاربها. كانت دعوة الأفغاني دعوة خالصة من أجل نهضة الأمة بالمفهوم الحضاري الذي يستوعب بين جنباته كل أصحاب الديانات والثقافات والحضارات الأخري علي السواء, باعتبار أن البشر جميعا ينتسبون إلي حضارة واحدة وكنموذج عملي علي سماحة الإسلام الذي يمثل المرجعية الأولي والأساسية لهذه الأمة. وغدا نواصل الحديث.. خير الكلام: لا تستهن بعدو واحد ولا تستكثر ألف صديق! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله