في تصريح هام لوزير الري عقب وصوله للقاهرة قادما من الخرطوم أفاد سيادته بأن مصر والسودان عازمان علي المضي قدما في عقد اجتماع اللجنة الثلاثية لتقييم سد النهضة الاثيوبي في منتصف شهر مايو الحالي وفي نفس اليوم كان لوزير الري السوداني تصريح آخر أفاد فيه بأنه ليست هناك أضرار من إقامة مشروعات أعالي النيل علي مصر والسودان, وأن الخلافات بين دول حوض النيل بسبب هذه المشروعات سياسية وليست فنية, وأنه إذا تمت المشروعات في الهضبة الاثيوبية بالتنسيق مع مصر والسودان فستكون من مصلحة الجميع. وعندما سأل الوزير السوداني عن نوايا جنوب السودان إقامة عدد من السدود في أراضيها أفاد بأن هذه السدود ستكون فقط لتوليد الطاقة وليست للزراعة, لذلك فإن آثارها السلبية شبه منعدمة, كذلك أجاب الوزير علي سؤال عن الآثار التي ستترتب علي إنشاء سد النهضة الاثيوبي علي مصر والسودان فقال إن هذا السد سيقلل من وصول الطمي في السودان بنسبة 70% ويقلل التأثير المستقبلي علي السد العالي والسعة التخزينية لبحيرة ناصر, هذا بالإضافة إلي ضبط معدلات الامداد في مصر والسودان وتقليل البخر من بحيرة ناصر وأمام السدود السودانية وإنتاج طاقة كهربائية رخيصة تستفيد منها الدول الثلاث. أي أن معالي وزير الري السوداني قد صرح بأن السدود الاثيوبية وتلك التي يمكن أن تقام في جنوب السودان وهضبة البحيرات الاستوائية كلها تضيف إلي الايراد الطبيعي لمصر والسودان ولا تنتقص منه مترا مكعبا واحدا من المياه, وأنها بالإضافة إلي ذلك تعمل علي تحسين الادارة المائية وخفض معدلات البخر من بحيرات السد العالي والسدود السودانية وتقلل من معدلات الترسيب أمام هذه السدود, كما أن السدود الاثيوبية ستولد من الطاقة الكهربائية ما تسمح لمصر والسودان بالحصول علي طاقة رخيصة قد تقل عن تكاليف توليد الطاقة من المصادر الحرارية والبخارية الأخري. ومن الطبيعي أن نحترم وجهة نظر الوزير السوداني ولا يمكن لأحد أن يعترض علي رؤيته إلا أن التساؤل الذي يعرض نفسه بشدة هو تصريح الوزير المصري والذي أفاد فيه أن الوفود المصرية والسودانية والاثيوبية ستعقد جلساتها في منتصف شهر مايو الجاري لدراسة الآثار المترتبة علي إنشاء سد النهضة الاثيوبي العظيم, فإذا كان ما قاله الوزير السوداني وتطلب من مصر والسودان أن يدفعا الجزء الأكبر من تكاليف السد الذي ستستفيد منه مصر والسودان ربما أكثر من الفائدة التي ستحصل عليها اثيوبيا علي حد قول الوزير السوداني. أقول هذا الكلام ولدي مقالة لأحد الباحثين الاثيوبيين هو السيد مهاري بيني يقول فيه إنه علي الرغم من أن معظم البيانات الخاصة بسد النهضة العظيم قد أحيطت بالسرية التامة إلا أن الأرقام الرسمية التي أتاحتها المصادر الإعلامية للحكومة الاثيوبية تفيد أن كفاءة هذا السد متدنية للغاية, وأن عامل التحميل للسد لن يزيد عن 33% وهذا العامل يتراوح بين 53 60% في العديد من المحطات التي أعطي مثالا لها السدود التي أقيمت في البرازيل والصين والتشيك, بل إنه أعطي مثالا بست محطات كهرباء اثيوبية تراوحت فيها الكفاءة بين 45% (جينالي 6) و60% (هاليلي وربيسا), وانتهي الباحث إلي أن الاستثمارات المبالغ فيها في مشروع سد النهضة العظيم يمكن خفضها بما يعادل 40 45% إذا تم استبداله بمجموعة من السدود الصغيرة ذات الكفاءة المرتفعة.
قصدنا بهذه الشهادة أن نعرف جميعا أن هناك من ينقد السد من داخل البلاد, فضلا عن أن يتطوع أحد الذين يمكن أن يصيبهم الضرر بالاسراع بتمجيد دور السد والاطراء والثناء علي مشيديه. أعلم جيدا أن السيد الوزير لديه معلومات مؤكدة أن تكاليف لجنة الدراسة لن تقل بأي حال من الأحوال عن 10 ملايين دولار أي ما يعادل 60 مليون جنيه مصري أو مثلها من الجنيهات السودانية وأن معظم هذه الجنيهات لن تذهب إلي جيوب الخبراء المصريين والسودانيين وإنما ستذهب إلي جيوب أربعة من الخبراء الأجانب الذين سيكون عليهم في النهاية رفع التقرير الخاص بالآثار المتوقعة لانشاء هذا السد علي مصر والسودان.
الخلاصة هنا أن اثيوبيا تريد عن طريق تنفيذ العديد من السدود أن تؤكد بدهاء أن مياه النيل اثيوبية وأنها تستطيع أن تتحكم فيها وأن من حقها أن تحصل علي مقابل لنقل المياه لمصر والسودان وأن الزمن الذي كانت مصر تقول وتفعل في حوض النيل قد ولي وراح وأن القول الفصل الآن للنظام الاثيوبي الذي يغازل الأمريكان ويفتح الأبواب لليهود ويستفيد من معسكرات التدريب الاسرائيلية ومراكز المخابرات والمعلومات ويستورد السلاح والمعدات الحربية ويحافظ علي التوازن في القرن الإفريقي بعد أن خرجت منه القوات الأمريكية صاغرة وربما نجح الاثيوبيون في إعادة المارينز إلي الصومال بعد وقت قريب. ومع شديد الأسف فإن هذا الفكر الخبيث يقابل من جانبنا بالكثير من السذاجة التي يمكن أن نصف بها التصريحات الرسمية ولا أدل علي ذلك من استدراج الخبراء المصريين والسودانيين والدوليين إلي دراسة قد تستغرق الشهور, بينما يسير العمل في إنشاء سد النهضة علي قدم وساق وربما انتهت أعمال السد قبل أن تنتهي مناقشات الدراسة.. أليس ذلك هو الفرق بين الدهاء والسذاجة؟. المزيد من مقالات د. ضياء الدين القوصي