في عهد الرئيس السادات كنت مندوب الأهرام بمجلس الشعب, وأخبرني الأستاذ ممدوح طه رئيس قسم الأخبار وقتها بأن الزميل عدلي جلال مندوب رئاسة الجمهورية سيسافر لألمانيا في بعثة دراسية لعدة أشهر وأنني سأقوم بتغطية أخبار الرئاسة أيضا. وذات يوم, وفي الاجتماع الصباحي لقسم الأخبار فوجئت بالأستاذ ممدوح طه يخبرني بأن عدلي جلال قد سافر فعلا أمس لألمانيا, وأن الرئيس أنور السادات سيعقد اجتماعا مع الرئيس السوري حافظ الأسد والرئيس الليبي معمر القذافي والرئيس السوداني جعفر نميري في فندق شيراتون وعلي الذهاب إلي هناك فورا. كنا في أبريل من عام1971 واتجهت علي الفور لفندق شيراتون القاهرة, وقابلت الأستاذ حسني الحديدي مسئول الإعلام بالرئاسة وقتها وجلست في استراحة الصحفيين ولم أكن أعرف أحدا منهم.. وبعد ساعتين فوجئت بالأستاذ حسني الحديدي يخبرني بضرورة التوجه إلي مطار ألماظة في الساعة الرابعة ظهرا للسفر مع الرؤساء في مهمة سريعة وأن أحرص علي أن يكون معي غيار لاحتمال المبيت ولم يخبرني عن مكان التوجه. وأقلعت الطائرة من المطار إلي المكان المجهول, وبعد أكثر من ساعة هبطت في مطار بنينه ولم نكن نعرف في أي دولة هذا المطار إلي أن عرفنا أنه في بني غازي بليبيا. وبدأت المغامرة, لا أحد يعرف المهمة التي يقوم بها السادات والأسد والقذافي ولا سبب اللقاء في ليبيا, وكان علي الطائرة وفد مصري مشكل من علي صبري وحسين الشافعي ومحمد عبدالسلام الزيات, وبمجرد وصولنا دخل الرؤساء إلي اجتماع في قصر للضيافة قريب من المطار, وظل الاجتماع مستمرا إلي ما بعد منتصف الليل, وأخبرنا السيد رءوف سعد أمين رئاسة الجمهورية بأننا سنقوم بالمبيت في بني غازي فبتنا ثلاث ليال, ولأنني كنت أخشي الفشل في المهمة وأخشي أن ينفرد أحد الزملاء الصحفيين مندوبي الرئاسة بخبر يفوت الأهرام.. لم أكتف بما كان يقال لنا عن أن الاجتماعات حول العلاقات والتضامن العربي وأخذت ألتقي أعضاء الوفد المصري الذين كانوا يتكتمون السرية, ثم ألتقي أعضاء الوفد السوري, وأحصل منهم علي بعض المعلومات ثم ألتقي بأعضاء الوفد الليبي وأحصل منهم علي بعض المعلومات.. ثم أعود للوفد المصري وأعرض عليه ما عرفته وأخذ من ذلك وذاك معلومات إلي أن وصلت في آخر يوم إلي معرفة ما كان يدور في الاجتماعات السرية المتصلة التي استمرت ثلاث ليال. وكنت علي اتصال دائم بالأهرام, من تليفون في بدروم قصر الرئاسة في بني غازي, وعندما تجمعت لدي كل المعلومات قمت في الصباح الباكر وقبل الساعة السابعة بالاتصال بمكتب الأستاذ محمد حسنين هيكل في الأهرام, وعثرت علي الأستاذ محمود عطا الله وكان يعمل بالمكتب وأمليته تفاصيل خبر التوقيع علي قيام اتحاد الجمهوريات العربية, وطلبت من محمود عطا الله أن يتصل بي حتي أؤكد خبر التوقيع لأن هناك اعتراضات من السيد علي صبري عضو الوفد المصري, وربما ينتهي الأمر إلي مجرد اتفاق. ووصل الخبر إلي الرئيس السادات بأن الصحفيين المصريين يذيعون أسرارا بالتليفون, فطلب منع الصحفيين المصريين من الاتصال بالقاهرة. وفي الساعة الخامسة نزل الرؤساء من قاعة الاجتماعات لعقد مؤتمر صحفي وطلب الرئيس السادات من الصحفيين المصريين مغادرة المكان إلي المطار قائلا: علي الطائرة سأقول لكم كل شيء, واتجهنا إلي المطار وجلسنا قابعين بالطائرة من الساعة السادسة مساء حتي الثانية عشرة مساء ونحن لا نعرف شيئا خارجها إلي أن فوجئنا باستدعائنا إلي قصر الرئاسة مرة أخري, فوجدنا الرؤساء في اجتماع.. وفوجئنا باستدعاء المصورين إلي القاعة لتصوير الرؤساء, واقفين في صالة القصر.. وعندما رأيت من ثقب الباب الرؤساء والمصورين والفلاشات, والرؤساء رافعين أيديهم في هذه اللحظة فوجئت ب ياور حسين الشافعي يستدعيني إلي النزول للرد علي تليفون الأهرام وكان المتحدث الأستاذ كمال نجيب مدير ديسك الأهرام.. وسألني عن الجديد, فقلت له: تم التوقيع.. فقال لي: التوقيع أم الاتفاق؟, فقلت له: إنني رأيت المصورين يصورون الرؤساء وهم يرفعون أيديهم.. فقال: تأكد يا أستاذ وقعوا أم مجرد اتفقوا؟.. وتركت السماعة وعدت مهرولا إلي الدور الأعلي وفوجئت بأحد المصورين الذين بالقاعة ينزل علي السلم فسألته: هل تم التوقيع؟ فقال نعم لقد صورتهم وهم يوقعون. فعدت للأستاذ كمال نجيب وأخبرته بذلك فقال لي: نريد تصريحا علي لسان مسئول بذلك, فقلت له: إنني لا أستطيع الحصول علي مسئول الآن.. ثم قلت له: انتظر علي التليفون وسأقوم بمحاولة.. وخرجت مهرولا دون أي وعي ودفعت باب قاعة الاجتماعات بشدة وظن الحرس أنني شخص مسئول واتجهت إلي منصة الاجتماع متجها إلي الرئيس السادات مباشرة وانحنيت قائلا في أذنه: سيادة الرئيس الأهرام علي التليفون تحب سيادتك أقول إيه.. ونظر إلي الرئيس وقال بصوت عال: متقلش حاجة بكره الساعة7 مساء سيذاع بيان في الدول الثلاث. ولأن الرئيس السادات قال معلومة جديدة لم أكن أعرفها سألت الرئيس: هل البيان سيذاع بأصوات الرؤساء فرد الرئيس القذافي قائلا: غدا الساعة7 أسمع الراديو أو التليفزيون وتعرف ذلك, وضحك الجميع لما قاله القذافي. وعدت أسأل ما هو اسم الاتحاد.. فرد الرائد الخروبي قائلا: اتحاد الجمهوريات العربية, وقال علي الله لا يكون حبرا علي ورق.. وفي هذه اللحظة أحسست بهدير طوفان من الصحفيين الذين كانوا خارج القاعة والذين سمح لهم بالدخول بعد أن احتجوا علي وجود مندوب الأهرام داخل القاعة.. وأحسست بأنني قد أفقد ما حصلت عليه من معلومات.. وقفت أمام الرئيس السادات قائلا: ربنا يبارك في الاتحاد؟ وطلبت من الرئيس أن يلتقط المصورون صورة للصحفيين مع الرؤساء بمناسبة هذه اللحظة التاريخية وبعد أول لقطة اتجهت مهرولا إلي التليفون لأحكي للأستاذ كمال نجيب تفاصيل الحوار بيني وبين الرئيس السادات. وللأسف عندما اكتشف السيد فتحي الديب وزير شئون دول ميثاق طرابلس غيابي عن الصحفيين لحق بي في حجرة التليفون وكنت قد أنهيت المكالمة مع كمال نجيب ولم أضع السماعة بعد وكانت مازالت مرفوعة في يدي.. قال لي الوزير فتحي الديب إن الرئيس السادات طلب منه ملاحقتي حتي لا أبلغ الأهرام شيئا مما حدث, وبسرعة رفعت السماعة علي أذني والخط مغلق وقلت يا أستاذ كمال الأستاذ فتحي الديب طلب عدم نشر شيء. ولم أنم تلك الليلة, وكان معي الزميل المصور أميل كرم.. الذي كان في غاية القلق مما أمليته للأهرام قائلا: إن الرئيس قال لك متقولش حاجة.. وقلت له لا تخف يا أميل إذا كان هناك حساب فسيكون لي باعتباري المحرر.. ولن يمسك أي ضرر.. ولقلقي تركت أميل كرم في الغرفة ونزلت مبكرا إلي المطار استعدادا للسفر.. وفي المطار التقيت بالرائد الخروبي.. لتوديع الرئيسيين.. السادات والأسد.. علي الطائرة المصرية.. وفي أثناء وجودي مع الرائد الخروبي بمكتب المطار فوجئت بأن أحد رجال الأمن الليبي يبلغه بأن جميع وكالات الأنباء نقلت عن الأهرام توقيع اتفاق الجمهوريات العربية.. وفوجئت بالرائد الخروبي يعلن بصوت عال هاتوا بتاع الأهرام.. كيف يحدث منه ذلك؟.. ولما هدأت ثورته قلت له أنا مندوب الأهرام.. فقال لي يا أخ سامي مش الرئيس السادات قال لك متقولش حاجة.. قلت يا سيادة الرائد أنا مندوب الأهرام وكلفني الأستاذ محمد حسنين هيكل بهذه المهمة, وأخبرته بما دار, ولست أنا صاحب قرار النشر من عدمه.. فالقرار للأستاذ هيكل.. وللتاريخ عندما سمع اسم الأستاذ هيكل تغيرت المعاملة معي وصار هناك ود بيني وبينه وصحبني معه للمرور داخل المطار لتفقد الاستعدادات, ووجدتها فرصة لسؤاله عن جميع تفاصيل الاجتماعات.. وحدثني الرائد الخروبي عما دار في الاجتماع من شد وجذب واعتراض من علي صبري علي التوقيع قائلا: لا تقل شيئا علي لساني. ووصل الرئيس السادات والرئيس الأسد إلي أرض المطار وأجريت لهما مراسم الوداع وكنا قد اتخذنا مقاعدنا داخل الطائرة.. وأنا في حالة قلق وخوف من الرئيس لما نشر في الأهرام وكنت أجلس في خامس كرسي بعد الرئيس وكلما كان فوزي عبدالحافظ ينظر وراءه أتخيل أنه يبحث عني فأنكمش داخل الكرسي إلي أن وصلنا إلي مطار القاهرة.. ونزلت من الطائرة علي الفور متجها للأهرام.. وأخبرني الدكتور عبدالملك عودة مساعد الأستاذ هيكل بأن الأستاذ استدعاه الرئيس السادات. وجاء الأستاذ هيكل وعندما رآني أخذني بالأحضان.. وقال لي: أمامي أمران, إما أن تسجن أو تحصل علي أعلي مكافأة لم يحصل عليها صحفي من قبل.. وقال لي إن الخبر صحيح وسليم100%, وقال موجها كلامه للدكتور عودة: اصرف500 جنيه مكافأة لسامي متولي. وعلمت أن الرئيس السادات استدعي الأستاذ هيكل لكتابة البيان الذي سيلقيه الساعة السابعة في التليفزيون وعلمت أن الخبر كان أول خبر لا يعلمه الأستاذ هيكل من قبل.. وأن السيد شعراوي جمعة وزير الداخلية قد اتصل به فجر النشر ليسأله عن صحة الخبر وكذلك أحمد فائق وزير الإعلام والكثير من أعضاء اللجنة التنفيذية العليا.. وأن الخبر أحدث دويا في الأوساط السياسية في مصر.. وكيف ينفرد السادات بتوقيع مثل هذا الاتفاق دون العرض مسبقا علي أعضاء اللجنة التنفيذية العليا. وعقد علي صبري اجتماعا للجنة المركزية للحزب لمحاسبة السادات.. وتصدي للدفاع عن السادات في اللجنة المستشار الدكتور مصطفي أبو زيد فهمي.. وحدث من أعضاء اللجنة ما أثار قلق السادات.. وبعدها كان الاحتفال بعيد العمال في حلوان أول مايو1971 ورتب علي صبري مظاهرة عمالية ضد السادات برفع صور جمال عبدالناصر في قاعة الاحتفال بدلا من صور السادات واشتدت الأزمة إلي أن وقعت أحداث15 مايو1971, ومحاولة الانقلاب علي السادات من مراكز القوي.