كان لزلزال تسريب وثائق بنما البالغ عددها 11.5 مليون وثيقة، الأثر البالغ فى أولوية هذا المقال. حيث تضمن التسريب وثائق لا حصر لها، كثيرا ماتحدثنا فيها قبل ثورة 25 يناير 2011 وبعدها وللآن، وحتى الأسبوع الماضى كنت ضيفا فى إحدى حلقات برنامج «90 دقيقة» بقناة «المحور» فى حديث متصل كاشفاً حجم فساد نظام مبارك، وأسرة مبارك وعصابة مبارك, وفى المقابل هناك من يتحدثون عن طهارة الرجل ووطنيته، وفضل سوزان مبارك على الثقافة والمثقفين، وبراءة المسئولين عن مكتبة الإسكندرية ومازالوا فى مواقعهم، ورجال أعمال مبارك الشرفاء، متناسين حجم مااستولوا عليه من أموال وأراض بأبخس الأثمان، فى حين أن ثمنها الحقيقى يصل إلى تريليون جنيه!! ومن ثم جاء هذا التسريب ليؤكد حججنا التى لا تحتاج لدليل جديد بعد أن كشفنا كل ماعندنا من كتب ومقالات واستجوابات داخل البرلمان.. إلخ. والغريب فى الأمر أن الدول الأخرى تباعا تصدر بيانات رسمية تعلق فيها على ماجاء فى هذه التسريبات نفيا أو تأكيدا أو إجراءات فى مواجهة ذلك، إلا مصر التى نشرت صحفها (حكومية وبعض الخاصة) الفضيحة، دون أى تعليق رسمى، سواء من الحكومة أو من النيابة العامة. والغريب أيضا أن يخرج علينا وزير العدل ليؤكد أنه قد تمت التسوية مع ثلاثة من رموز نظام مبارك هم : حسين سالم، د. زكريا عزمى، وشخص ثالث، وجار التفاوض مع (35) آخرين!! ومن بين ماقيل أن حسين سالم سيدفع أو دفع وتمت التسوية ود. زكريا دفع ومن واقع ماأمكن حصره واحتمال مايمكن أن يتم تحصيله من تسويات قد تصل إلى (11 20) مليار جنيه!! وفى الحقيقة هذا شىء مخجل ومخز أن يكون هذا هو العائد الذى يعود للشعب وهو عائد هزيل بعد (5) سنوات من ثورة 25 يناير ومابعدها، إن دل فإنما يدل على انعدام الإرادة السياسية القوية والحاسمة فى استرداد أموال الشعب المنهوبة عبر 40 سنة وأكثر من 1974 وحتى الآن!! ويكفى القول إن تونس صاحبة الثورة الأولى فى الوطن العربى (ديسمبر 2010)، استطاعت استرداد نحو 30 مليار دولار، أى (300) مليار جنيه!! من الأموال المنهوبة فى بلد لا يزيد عدد سكانه على 12 مليون نسمة!! فما بالنا بمصر العظيمة التى تم نهبها على قدر عظمتها!!، لم يسترد أى مليم أو سنت حتى الآن، ثم يريدون إقناع الشعب بأنه سيتم رد مابين (11 20) مليار جنيه فقط!! وفى المقابل إعطاء صك البراءة والوطنية وعدم الفساد، لنظام مبارك من مسئولين شغلوا مواقع تنفيذية وبرلمانية وسياسية، ولأسرة مبارك التى ذكروا جميعا فى وثائق بنما، وماكنا نحتاج إليها لنؤكد ماقلناه، ولكن جاءت هذه الوثائق لتؤكد أن صفحة هذا النظام السوداء الممتدة من مرحلة السادات مابعد حرب أكتوبر 1973 وطوال عهد مبارك (30 سنة)،لن تغلق، مهما حاول الفاسدون فى النظام المصرى تمريرها وتبليعها للشعب. وهنا يمكن الإشارة إلى العديد من الوقائع، منها: 1 واقعة «العبارة» التى غرقت وراح ضحيتها أكثر من ألف مصرى بلا ذنب أو جريرة، وخرج تقرير لجنة تقصى الحقائق من مجلس الشعب وقت أن كنت نائبا، ومالكها ممدوح اسماعيل، ظاهريا، وتساءلت من كان وراء تسجيلها فى «بنما» ؟! لقد كان صديق هذا الرجل هو أحد أهم أقطاب نظام مبارك، وله شراكات مع كل رجال الأعمال، ويأتى اليوم لتتم تسوية موقفه بأقل من (5) ملايين جنيه!! ولا ننسى أن ترك هذا الرجل بعد سقوط مبارك فى قصر الرئاسة ليفرم أوراق الإدانة، فهل تمت المحاسبة الحقيقية ؟! الأمر الذى يدعو لوقف هذه المهزلة.. 2 واقعة قيام عدد من سفراء مصر فى عهد مبارك باستخدام الحقائب الدبلوماسية لعدم خضوعها للتفتيش وتمتعها بالحصانة، فى تهريب أموال أسرة مبارك ورموزه، واكتشفت مصادفة إحدى هذه المرات، حيث كان يتم تهريب (700) مليون دولار، كانت تعادل آنذاك نحو (5) مليارات جنيه، ليقف وزير الخارجية آنذاك ويعلن من لديه وثائق فليقدمها إلى النائب العام !! وبالفعل قدمت أكثر من بلاغ تضمن الواقعة بالتفصيل واسم السفير والبنك.. إلخ، ولم يتم التحقيق فيها !! 3 واقعة الاستيلاء على الأراضى، وتحويلها الى منتجعات سياحية، الأمر الذى يبطل العقود، ويعيدها للشعب حال توافر الإرادة السياسية الحاسمة، وجملة هذه الأراضى منذ أن فتحت هذا الملف عام 2007 (800) مليار جنيه كانت تساوى حجم ديون مصر والآن، قيمتها لا تقل عن تريليون جنيه (100) مليار دولار!! فهل نفكر فى (20) مليارا لتقنين الفساد، بينما المصادر المتاحة تغنينا عن السؤال والاستجداء، وضرب الدور القيادى لمصر، وتدخلات خارجية، واستمرار الفساد، فإلى متى هذه الخيارات الضعيفة؟! إن الوقائع كثيرة، وبلا حصر، ومن أهمها نهب القطاع العام الذى يريدون استكمال القضاء عليه فى حكومة اسماعيل، ولكن الأهم إصدار قانون فورى بمصادرة كل من نهب وسرق وهرب وخان، أموال الشعب، وأن المصالحات التى تتم هى مصالحات وهمية، القصد منها ليس تحصيل العشرين مليار جنيه، ولكن غسيل سمعة رموز مبارك وأسرته، استمرارا فى إعادة إنتاجه، واستمرارا سياساته.إننى أحذر من هذه الخيارات التى تصب فى خانة أعداء الوطن، ولن تخلق استقراراً حقيقيا على الإطلاق، فالمصادرة هى الحل الصحيح، وليست المصالحات وهى خيار العاجزين. وختاما: أشكر تسريبات وثائق بنما، فقد أكدت صحة خيار الشعب فى إسقاط نظام مبارك ورموزه، ومعهم نظام الإخوان الفاسد والإرهابى. ومازال الحوار متصلا. لمزيد من مقالات د. جمال زهران