لا يمكن لاحد أن ينكر أهمية وسائط الإعلام عامة والفضائية منها خاصة في تغطية أول أنتخابات رئاسية مصرية بعد ثورة يناير ولا يستطيع منصف أن يتجاوز الدور المهم للإعلام في نقل أفكار المرشحين لعشرات الملايين من الناخبين التواقين لانجاز انتخابات. نزيهة تدفع البلاد إلي التحول الديمقراطي الذي تصبو اليه. كذلك لا يمكن لاحد أن ينكر علي الفضائيات المختلفة التنافس فيما بينها لانجاز أفضل تغطية تتضمن إنجاز السبق وجودة التناول وعمق التحليل, غير أن أيا من الإعلاميين الوطنيين لا يمكن ان يقبل ان تتم التغطية مهما كانت شراسة المنافسة بعيدا عن ثلاثة معايير رئيسية هي المهنية والشفافية والوطنية وهي معايير نعتقد عدم توافرها حتي اللحظة. صحيح أن التغطية الاعلامية لم تنته وأن الحكم المنصف عليها يتطلب الانتظار حتي نهاية الانتخابات حتي تكون الصورة متكاملة, غير أن البداية وربما ما قبل البداية وما صاحبها من ضجيج وما تم تداوله من أخبار أثارت قلقا شديدا حول كيفية تنفيذ تلك التغطية عبر أساليب اقل ما يقال عنها انها بعيدة تماما عن المعايير الثلاث السابقة وبخاصة معيار الشفافية, الامر الذي دفعنا لفتح هذا الملف. اولا: رغم قرار اللجنة القضائية المشرفة علي الانتخابات الرئاسية التي حددت موعد بداية الدعاية الانتخابية, إلا أن جميع القنوات الفضائية تقريبا ضربت بالقرار عرض الحائط, وبدأت باستضافة مرشحي الرئاسة المحتملين قبل حتي إعلان لجنة الانتخابات القوائم النهائية, وفتحت للمحظوظين منهم الهواء لعرض برامجهم ومواقفهم السياسية حيال القضايا المختلفة الآنية والمستقبلية. فهل هذا يعني ان تلك القنوات لا تعبأ بأي قرار تصدره أي جهة في الدولة, وهل تعتبر نفسها فوق القانون, ولماذا لا تعاقب تلك القنوات وما هي الجهة المنوط بها تنفيذ القانون الذي يتم العصف به من قبل تلك الفصائيات والبرامج المخالفة ؟ ثانيا: فجأة وقبل بداية التاريخ المحدد لبدء الدعاية الانتخابية بدأت الدعاية في بعض الفضائيات والصحف الخاصة عن برامج ومناظرات بين مرشحين للرئاسة دون أن تتضمن تلك الحملة الاعلانية أي أسماء لمرشحين مشاركين في تلك المناظرات, بل تردد انه وقبل ايام قليلة من تنفيذ تلك البرامج والمناظرات لم يكن اي من المرشحين قد اعطي قبولا او موافقة نهائية علي الاشتراك بها. هذا الامر لو صح فأنه يعني أن الاعلان في البداية كان كاذبا خادعا وأننا كنا بصدد تنظيم حملة دعاية عن منتج لا وجود له إما بهدف خداع المعلنين المطلوب اصطيادهم لتحقيق أرباح إعلانية, وإما بهدف خداع المشاهدين وإيهامهم بأنهم يمتلكون التغطية الأفضل علي غير الحقيقة. وهنا يأتي السؤال للقائمين علي هذا العمل من قنوات إعلامية مهمة ووفقا للمعايير المهنية كيف تقبلون ان تتجاوزوا المعايير الاخلاقية والمهنية وتخضعون لابتزاز شركات الإعلان لهذه الدرجة ؟, وهل ترون أن الرئيس القادم لمصر هو مجرد سلعة يتم الترويج له ثم نخلقه بعد ذلك ؟ ثالثا: يتردد ان المنافسة الشديدة بين الفضائيات وغياب الشفافية في أداء معظمها دفعت القائمين علي تلك التغطية الاعلامية لاستخدام طرق يراها البعض غير شريفة لاصطياد المرشحين باعتبارهم صيدا ثمينا وذلك إما برشوتهم بدقائق دعائية مجانية علي قنواتهم, وإما بدعم حملاتهم الانتخابية بصورة مادية مباشرة, ولو صحت تلك الاحاديث فإننا نكون بصدد حالة عبث كبير لا يترتب عليها إفساد الاعلام وحسب ولكن تردي النظرة للمنصب الجليل الذي تدور حوله المناقشات وإفساد الرئيس القادم قبل تنصيبه. رابعا: استخدام لفظ الاستديو التحليلي في التعقيب علي حوارات المرشحين في العديد من القنوات يثير علامة استفهام حول ما إذا كانت تلك القنوات تري في انتخابات الرئاسة مجرد مبارة رياضية, يعقبها لقاءات مع لاعبين ونقاد لتحليل مستوي الاداء والنتيجة التي انتهت اليها المباراة. تلك الرؤية لو صحت فأنها تؤكد استهانة تلك الفضائيات بالعملية الانتخابية برمتها. أما إذا كان المقصد هو أن تنقل للمتلقي تحليلا ونقدا لآراء وأفكار المرشح للرئاسة, فإننا هنا أمام شبهة امكانية توجيه المتلقيين صوب اراء وافكار معينه ومن ثم صوب مرشحين بعينهم, فمن الذي يضمن ان يكون القائمون بالتحليل داعمين لمرشح او مرشحين بعينهم ومن ثم تفقد التغطية المعايير المهنية والحيادية, ولماذا لا يترك للمواطن المتلقي الحق في الحكم علي ما يقوله المرشح دون تدخل تحليلي ؟ خامسا: لا شك ان المهنية التي تتسم بها العديد من الفضائيات الدولية والتي لها باع طويل في تغطية الانتخابات الرئاسية وفي تنظيم المناظرات بين المرشحين, تلك الفضائيات يمكن بالفعل أن تلعب دورا رئيسا في انجاز تغطية متوازنة ويمكن ان تساهم في الارتقاء بمستوي اداء الفضائيات المصرية والإعلاميين المصريين, إلا أن الفترة التي سبقت التغطية الاعلامية شهدت تنافسا شديدا من الفضائيات المصرية علي انجاز تغطية مشتركة مع تلك الشبكات الدولية وفي اطار تلك المنافسة عرضت تلك القنوات تقديم كافة التسهيلات والاغراءات ليس للعمل المشترك, ولكن فقط من أجل وضع اسم تلك القناة الدولية كشريك للفضائيات المصرية ولكن وفق المعايير التي تنفذها القناة المصرية. وهنا لا يعرف أحد السبب وراء اللهث خلف تلك القنوات الدولية خاصة انها في النهاية قنوات أخبارية لها شكل وهيكل وأسلوب أداء يتنافي تماما مع اداء قنوات عامة وأسلوب التوك شو ؟ والأمر الأكثر اثارة للجدل والذي يثير الفزع هو ما تردد عن إسم لإحدي شركات الإنتاج الإعلامي الخاصة كمشارك رئيسي في أحد برامج تغطية انتخابات الرئاسة, بل انه يتردد انها هي التي تنظم بالفعل هذا البرنامج بصورة كاملة وانها التي تموله ماديا. المهم ان تلك الشركة يدار حولها العديد من التساؤلات وربما الشبهات حول الجهات الاجنبية التي تمولها. فقد رفضت العديد من الأحزاب الرئيسية المشاركة في تسجيل البرامج الانتخابية معها عندما علمت أن الجهة الشركة التي تمول هذا البرنامج ذات علاقات مع اسرائيل. غير ان المصيبة الأكبر, هو ما يتردد من أن تلك الشركة والتي تم إنشاؤها في قبل شهور قليلة لاستغلال مناخ الدعم المالي من الغرب أرسلت للعديد من الجهات الدولية تسوق نفسها وتطلب من تلك الجهات الدعم المالي, هذا الأمر يجعلنا نتساءل حول سبب اعتماد قنوات محترمة علي شركة بعينها في انتاج هذه البرامج, وهل تقبل تلك القنوات أن يكون هناك شبهة تمويل في برامجها عبر تلك الشركة ؟