بعد حوالي16 شهرا بدون عمل أو اهتمام, يعاني آلاف المرشدين السياحيين أزمات اجتماعية تتفاوت درجاتها بسبب تراجع السياحة وانعدام الدخل ليتداول سفراء مصر في الداخل كما يطلق عليهم أخبارا عن حالات قتل وانتحار وأزمات طلاق بين أفراد مهنة مهددة بالانقراض وهجرة العديد من أبنائها لأعمال أخري.. في حين يستمر آخرون في المطالبة بإعانة بطالة أو تعويضات لحفظ ماء وجوههم وتماسك أسرهم حتي تعود المياه إلي مجري السياحة في مصر. مرشدة قتلت زوجها في المنيا بسبب الخلافات المادية وعدم قدرة الزوجين المنتميين لنفس المهنة علي مواجهة احتياجات الأبناء لإنعدام دخلهما منذ حوالي16 شهرا. شاب آخر ألقي بنفسه في مياه النيل عجزا عن توفير مصدر رزق له بعد أن تراجعت السياحة منذ أحداث الثورة بل من قبلها بسبب الأزمات التي تعاقبت علي السياحة.. مرشد آخر ألقت الشرطة القبض عليه وهو يبيع أقلاما وسلعا مهمشة في وسائل النقل العام, ورابع باع كليته بحثا عن لقمة عيش. أخبار عن حالات طلاق وأزمات إجتماعية ونفسية يتداولها أعضاء اللجنة الشعبية لحماية المرشدين خلال لقاءاتهم الاسبوعية. جبهة شعبية كونها عدد من أعضاء المهنة بعد الثورة يتبادلون من خلالها مشكلات مهنتهم ويحاولون الحفاظ عليها من الأخطار التي تهدد وجودها. لكن الأمر مؤخرا كما يشرح وجيه جمال, أحد المرشدين, أصبح كارثيا. و تتدفق كلماته لتعبرعن الأوضاع السيئة التي وصل لها حال من يعملون في هذا المجال الحيوي في قطاع يعتبر من المصادر الأساسية للإقتصاد القومي. بداية كان يجب توضيح أن المرشدين يعملون باليومية التي حددها القرار الوزاري لسنة2002 ب130 جنيها, لكن لا تلتزم بها معظم الشركات كما قال الكثيرون من أبناء المهنة مؤكدين أن يوميتهم تتراوح ما بين ال20 وال50 جنيها يعني ولا عمال تراحيل, قالها ساخرا أحمد خليل, مرشد بلغاري. ليلتقط( وجيه) خيط الحوار مرة أخري قائلا: أنه قد تضاف نسبة عمولة من البازارات لكن شركة السياحة هي من يحدد قيمتها وكذلك أنواع البازارات ولوعاجبكو, ويشرح أن المرشد الأكثرحظا هو من يعمل من9 إلي12 يوما شهريا.( أقصد من كان يعمل, فمنذ أكثر من ستة عشر شهرا نعاني جميعا من بطالة دائمة بسبب حالة الكساد السياحي و خاصة السياحة الثقافية وبالتالي فلا دخل لنا نهائيا.) وتتدخل هدي راضي مرشدة إيطالي قائلة أن العاملين في وزارة السياحة لهم مرتبات أما نحن, ورغم أننا نتبع وزارة السياحة, فلا أحد يسمعنا وكأننا لسنا رعايا لهذه الدولة. بل إن مهنتنا هي الواجهة لمصر بالداخل, فنحن من نستقبل السائح ونكون له رأيه عن مصروعن حضارتها فالمرشد سفيرمصري بالداخل, و نحن نقوم بدورنا بحس وطني لكننا بدأنا نشعر أن وطننا يخوننا و يهدر حقنا وهو ما لا نستطيع تحمله), تشرح هدي التي عرضت علي إحدي شركات السياحة ان تعمل كسائق علي سيارتها الخاصة لتستطيع سداد مصاريف أبنائها الدراسية. سفراء وواجهة لمصرومكبلين أيضا بالكثيرمن القيود فالقانون يعتبر الإرشاد مهنة أمن قومي ولكن أين الحقوق, سؤال يردده الكثيرون من أبناء المهنة ممن يزالون يحرصون عليها. ناصر النوبي, مرشد إنجليزي يوضح أن ممارسة المهنة يحتاج إلي العديد من الموافقات الأمنية حتي نستطيع الحصول علي ترخيص, كما أن القانون121 لسنة83 يحظر علي المرشدين ممارسة أنشطة أخري, ورغم ذلك قد تستعين بعض الشركات بمرشدين أجانب. ويضيف أنه رغم حرص الكثيرين علي المهنة ومكانتها إلا أن الصمود في ظل إهمال مستمرلأوضاع المرشدين التي تتردي يعتبرأمرا مستحيلا. ويتدخل محمد منيب, قائلا نحن نستغيث فالمهنة تفقد كوادرها يوميا بسبب اضطرار الكثيرون لممارسة أنشطة أخري, و رغم أن السياحة مصدردخل استراتيجي و تدر دخلا رسميا من12 الي15 مليارا يصل بشكل غير مباشر إلي من30 الي45 مليارا. كما أن هناك5 مليون مواطن يعملون بها و25 مليونا آخرين مستفيدون, إلا أن المستقبل, كما يقول ماجد سمير, أصبح ضبابيا. ويوضح ماجد سمير و سعيد أحمد أن أزمة المرشدين تعود إلي حوالي أربع سنوات ما قبل الثورة بسبب تكرار تعثر السياحة مرة بسبب انتشار انفلونزا الطيور ثم الخنازير, ومرات أخري بسبب تكرار حوادث الطرق وأخري بسبب أزمة الإقتصاد العالمي ومؤخرا كما يري الجميع أزمة مستمرة بسبب حالات الإنفلات والقصور الأمني المتعمد في كثير من الأحيان بالإضافة للتخوف من تيارات التشدد الديني. وتتساءل مندة عادل, مرشدة فرنسي, ألسنا رعايا لهذه الدولة و لنا حقوق أن قائلة ان ابسط حقوق إنسان متعلم و مثقف أن يجد قوت يومه, لكنه لا يوجد من يحمي المرشدين لذا فقد هجر المهنة الكثيرمن كفاءاتها. هاني أبو زيد عضو مجلس نقابة المرشدين يوضح أن النقابة لم تترك بابا إلا وتركته مطالبة بإنقاذ أبناء المهنة المهددة بالإنقراض.( بعد الثورة وعد وزير المالية السابق سمير رضوان بصرف تعويضات للمرشدين, لكن ماطل الجميع في التنفيذ ولم تصرف أية تعويضات. و بعد المزيد من تدهور الأحوال و الكثير من الصراعات والمحاولات, تقرر أن تمنح وزارة السياحة10 ملايين جنيه للنقابة ولكن تحت مسمي صندوق الكوارث), مساعدة مشروطة كما يشرح عضو مجلس النقابة, فالصرف لا يكون إلا في حالة العجز والوفاة ووزارة السياحة تحدد خبيرا اكتواريا لحالات الصرف. و يستطرد: ورغم ان المرشدين يموتوا أمام أعيننا أحياء إلا أننا لا نستطيع الصرف لهم من هذه الصناديق حتي يموتوا بالفعل. وهو ما اصبح يتمناه البعض حاليا كما يقول وجيه جمال, صرنا نتمنا الموت حتي نضمن الحياة لأبنائنا؟ ويتساءل هاني أبو زيد ما ذا نفعل لحماية المهنة وأهلها ممن يعملون ساعات طويلة مع السائحين ويتعرضون لكافة أشكال الأخطار ومع ذلك هم الآن في طي النسيان. و يستطرد:( نحن أعضاء النقابة لم تعد لدينا حتي الإمكانات للقيام بدورنا. تنازلنا عن بدلات الإجتماعات و أصبحنا نصرف من جيوبنا الخاوية حتي نحاول الوصول لحلول, وقام النقيب بعدة لقاءات مع الجهات المعنية المختلفة من الحكومة و مجلس الشعب مطالبين بتعويضات أوقروض أوحتي بإسقاط ديون المرشدين للبنوك حتي لا يتعرضوا للحبس, لكن الصمت هو الرد الوحيد الذي نتلقاه حتي الآن), يقول عضو مجلس النقابة: النقابة فقيرة و مصادر دخلها هي اشتراك الاعضاء60 جنيها بالإضافة إلي نسبة من رسوم تذاكر منطقة اثرية واحدة هي أبو سمبل وهو ما تأثربسبب توقف النشاط السياحي. ورغم أن عدد أعضاء النقابة يبلغ16 ألفا إلا أنه لم يجدد الإشتراك سوي3 آلاف فقط بسبب سوء أوضاع المرشدين. ظروف حياة قاسية اضطرت البعض للعمل كسائقي تاكسي أوعمال بناء و السيدات في المكتبات و صالونات التجميل, في حين بدأ االكثيرون في عرض أثاث بيوتهم ومقتنياتهم الشخصية للبيع. و هو ما دعا عدد كبير من المرشدين لإنشاء موقع علي شبكة التواصل الإجتماعي(فيس بوك) لعرض أثاث منازلهم و مقتنياتهم للبيع. و تتساءل مها الفيشاوي و أسماء إسماعيل, هل نحن فعلا سفراء لمصر أم عمال تراحيل أم أننا ننتمي لمهنة تنذر بالإنقراض رغم أهميتها. هل نحن النعجة السوداء و من يستطيع الصبر طوال هذه المدة بدون دخل؟ إن ما يحدث للمرشدين كما يؤكد محمد منيب, يعد إهدارا لثروة بشرية.( و حين تعود المياه إلي مجري السياحة الهام, ستكون ثروته البشرية قد اهدرت) نداءات واستغاثات ووقفات حضارية كان آخرها وقفة عند المتحف الشهر الماضي لتوصيل رسالة آلاف المرشدين ممن يعانون أزمات كارثية لمسئولي الدولة, فهل من مجيب. وتقول هدي راضي, نحن حريصون علي الشكل الحضاري و السلمي لإحتجاجاتنا, فهل ينتظرون حتي يقوم البعض ممن قد يفيض بهم الكيل من غلق طريق أو منع دخول متحف؟ في حين يؤكد آخرون ان سلمية المرشدين لا مجال لنقاشها ولكن احساس الغضب العام لدي المرشدين بتخلي الدولة عنهم صار من الصعب إحتواؤه. لذا قررت اللجنة الشعبية لحماية حقوق المرشدين اللجوء للقضاء, ورفع قضية علي الدولة المصرية متمثلة في القطاعات المختلفة من سياحة وقوي عاملة أمام مجلس الدولة للمطالبة بحقوقهم كرعايا لهذه الدولة. وهو ما لخصه وجيه جمال في بضع كلمات قائلا: طرقنا كل الابواب واستخدمنا كل السبل الإحتجاجية الحضارية لنثبت حقنا في الحياة كمواطنين مصريين علي أرض وطن, عملنا هو الدفاع عنه وشرح مميزاته, لكن لا أحد يسمعنا, فلعل القضاء ينصفنا