على خط النار :يوميات حرب أكتوبر    رئيس تحرير «بوابة أخبار اليوم» ضمن تشكيل اللجنة الرئيسية لتطوير الإعلام المصري    علم أبنائك روح النصر في أكتوبر| 4 طرق لغرس الفخر الوطني    5 أكتوبر 2025.. الدولار يواصل الهبوط ب7 و14 قرشا خلال تعاملات اليوم    قطر للطاقة تستحوذ على 27% من امتياز بحري بمنطقة شمال كليوباترا قبال السواحل المصرية    عبور 20 شاحنة مساعدات إماراتية إلى غزة عبر معبر رفح تمهيدًا لإدخالها إلى القطاع    الجيش السوداني: ميليشيا آل دقلو الإرهابية تستهدف الأبيض بمسيرات انتحارية وتلحق أضرارًا بالمستشفيات    وزير الدفاع الإسرائيلي: نزع سلاح حماس في نهاية خطة ترامب    70 شهيدًا خلال 93 غارة إسرائيلية على غزة خلال آخر 24 ساعة    سوريا تنتخب أول برلمان بعد بشار الأسد في تصويت غير مباشر    تسليم فضل شاكر نفسه للجيش اللبناني.. خطوة تفجر ضجة فما القصة؟    عادل مصطفى: هدفنا إعادة الأهلي للطريق الصحيح    ألونسو يكشف مدى إصابة مبابي وماستانتونو عقب مباراة فياريال    تشكيل مانشستر سيتي المتوقع أمام بيرنتفورد.. غياب مرموش    شوبير يعتذر لعمرو زكي بعد تصريحاته السابقة.. ويوضح: عرفت إنه في محنة    إصابة 6 طالبات من كلية التمريض في انقلاب ميكروباص بكفر الشيخ    وزير التعليم ومحافظ الإسكندرية يفتتحان عددا من المشروعات التعليمية الجديدة ويتابعان سير انتظام العام الدراسي    وزير التعليم العالي يغادر إلى باريس للمشاركة في الدورة 222 للمجلس التنفيذي لليونسكو دعما لخالد العناني    بعد توليه رئاسة تحرير مجلة «الفكر المعاصر»: د. مصطفى النشار: أقتفى خطى زكى نجيب محمود    فاتن حمامة تهتم بالصورة وسعاد حسني بالتعبير.. سامح سليم يكشف سر النجمات أمام الكاميرا    ماجد الكدواني يحتفل بعرض «فيها إيه يعني» في السعودية    الثقافة في الأقصر وأسوان وقنا والبحر الأحمر تحتفل بذكرى نصر أكتوبر    نجوم المشروع الوطني للقراءة يضيئون معرض دمنهور الثامن للكتاب    نائب وزير الصحة يشيد بخدمات «جراحات اليوم الواحد» وموقع مستشفى دمياط التخصصي    «السبكي» يلتقي رئيس مجلس أمناء مؤسسة «حماة الأرض» لبحث أوجه التعاون    كوكوريا: ما يفعله صلاح كان أحد أسباب هدف انتصارنا القاتل على ليفربول    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 5 أكتوبر 2025 في محافظة المنيا    سبورت: أراوخو رفض عروض ليفربول وتشيلسي ويوفنتوس في الصيف    أسعار اللحوم اليوم الأحد 5 أكتوبر 2025 في أسواق الأقصر    أهم الأطعمة التي تعزز المناعة في فصل الخريف.. درع طبيعي لمواجهة تقلبات الطقس    بعد ارتفاع منسوب النيل.. تعلية الجسر الترابى بين قريتى جزى وأبو داود.. فيديو    تركت رسالة وانتحرت.. التصريح بدفن عروس أنهت حياتها بالفيوم    إصابة 9 فتيات في حادث تصادم بطريق بني سويف – الفيوم    تاجيل طعن إبراهيم سعيد لجلسة 19 أكتوبر    مفوض حقوق الإنسان يعرب عن أمله في وقف المجازر في غزة وإعادة الإعمار    أسعار مواد البناء اليوم الأحد 5 أكتوبر 2025    وزير الإسكان يتابع مستجدات ملف توفيق الأوضاع بالأراضي المضافة لعدد من المدن الجديدة    «الصحة» تعلن المستشفيات المعتمدة لإجراء الكشف الطبي لمرشحي مجلس النواب    الخميس المقبل إجازة للعاملين بالقطاع الخاص بمناسبة ذكرى 6 أكتوبر    «تعليم القاهرة» تهنئ المعلمين في اليوم العالمى للمعلم    البورصة تواصل ارتفاعها بمنتصف التعاملات مدفوعة بمشتريات محلية    موعد مباراة يوفنتوس ضد ميلان والقناة الناقلة    وزير الاتصالات يعلن إطلاق نسخة مطورة من منصة إبداع مصر لتمكين الشركات الناشئة    رئيس مجلس الأعمال المصرى الكندى يلتقى بالوفد السودانى لبحث فرص الاستثمار    عودة إصدار مجلة القصر لكلية طب قصر العيني    صحة الأقصر... بدء حملة التطعيم المدرسي للعام الدراسي 2024 / 2025    «الحصاد الأسبوعي».. نشاط مكثف لوزارة الأوقاف دعويا واجتماعيا    تامر عبد الحميد: الأزمة المالية تمنع الزمالك من إقالة فيريرا    136 يومًا تفصلنا عن رمضان 2026.. أول أيام الشهر الكريم فلكيًا الخميس 19 فبراير    اليوم.. محاكمة 5 متهمين في قضية «خلية النزهة الإرهابية» أمام جنايات أمن الدولة    السيسي يضع إكليل الزهور على قبري ناصر والسادات    «اللي جاي نجاح».. عمرو سعد يهنئ زوجته بعيد ميلادها    «الداخلية» تكشف حقيقة فيديو «اعتداء ضابط على بائع متجول» بالإسكندرية    الاحتلال الإسرائيلي يعتقل 22 فلسطينيًا في الخليل    أذكار النوم اليومية: كيف تحمي المسلم وتمنحه السكينة النفسية والجسدية    أبواب جديدة ستفتح لك.. حظ برج الدلو اليوم 5 أكتوبر    كيف نصل إلى الخشوع في الصلاة؟.. الدكتور يسري جبر يوضح    هل التسامح يعني التفريط في الحقوق؟.. الدكتور يسري جبر يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سهران لوحدى!
نشر في الأهرام اليومي يوم 28 - 03 - 2016

ليلة وراء ليلة...من الاجتهاد و الاستذكار و أيام لا تعرف غير العلم والتعلم، وكتاب وراء كتاب يأخذ مكانه فى نفس المكتبة التى لا تتنازل عن كرم ضيافتها لفكر جديد.
مجرد خاطر لاحقنى ذات مساء، حين تصفحت كتاب «صلات بين العرب والفرس والترك» للعالم والمثقف الجليل حسين مجيب المصرى الذى نحتفل هذا الشهر بمرور مائة عام على مولده ونعتبره عصرا بأكمله.
كانت مصر جميلة ورائعة حين ولد لأسرة متيسرة فى مارس عام 1916، فهو حفيد الباشوات، ثاقب باشا الذى كان يشغل منصب وزير الأشغال فى زمن الخديو إسماعيل، وحسنى باشا المصرى جده لأبيه.
وهكذا منحته سعة العيش ورغد الأيام الفرصة لما هو أكثر حين تربى على يدى مربية نمساوية علمته اللغات الألمانية والفرنسية والإنجليزية فأصبح يجيدها، وحين تردد على محل للحلاقة يملكه رجل شامى أفهمه قيمة الشعر العربى.
كان يمكن أن يكتفى المصرى بهذه النعم، وأن يعيش حياته متمتعا بمصادفات عرفتها حياته و كانت خيرا من أى تخطيط.
إلا أنها كانت فى حقيقتها مقدمة لواقع مدهش وعلم أخر وأساتذة أخذ عنهم فى جامعة فؤاد الأول عندما التحق بقسم اللغات الشرقية وتعرف عن قرب على الثقافات الفارسية والتركية والأردية، وأتقن اللغتين الإيطالية والروسية ليقرأ بعشر لغات أتقنها كتابة و حديثا ليتعرف على كنوز الأداب العالمية، ولتتضح مبكرا مهمته فى هذه الحياة من وصل و تواصل مع ثقافات الشرق.
مهمة كان لابد من القيام بها، فهى ليست مصادفة أو تعارفا عابرا أو حتى تعبيرا عن حب للاستطلاع، ولكنها رحلة عمر امتدت مع ثمانين مؤلفا تواصل خلالها مع أدب الشاعر فضولى البغدادى أهم شاعر تركى، وأبى أيوب الانصارى الصحابى الجليل الذى نزل الرسول صلى الله عليه وسلم ضيفا عليه فى بيته فى أول عهده بالمدينة المنورة وكان ممن انضموا لجيش أراد فتح القسطنطينية، وسلمان الفارسى ابن مدينة أصفهان صاحب فكرة الخندق، و الشاعرين أحمد شوقى أمير الشعراء ومحمد إقبال شاعر باكستان، وغيرهم من الشخصيات والأقلام وأصحاب المواقف الذين يجدر بنا التوقف عندهم و التعرف عليهم.
رحلة طويلة وجميلة وشاقة لرجل أخرج عدة معاجم وكرمه أبناء بلاد الشرق، فى حين لم يحصل فى بلده إلا على مبايعة تلامذة له عميدا للأدب الإسلامى المقارن.
حقيقة لم يكن وحتى فى أيامه الأخيرة محل تقدير من أهل مصر الذين جهلوا فقده لبصره من كثرة الإطلاع والتعلم.
فلم يتنبه كثيرون أن بينهم عبقريا امتد عمره للثامنة والثمانين، وكان يتقاضى 190 جنيها فقط كمعاش من الجامعة، ينفق به على نفسه وبيته و كتبه و دوائه، ومع هذا ترجم القرآن الكريم وعمل خبيرا بمجمع اللغة العربية الذى لم يقبله عضوا، وكان أخر ما كتب مقدمة كتابه «الله جل جلاله فى الأداب العربية والفارسية والتركية.»
ألف ليلة وليلة:
بيت مصرى أخر يسكنه زوج وزوجة وأوراق ومكتبة، وعلى مكتب قريب نجد زوجة شهيرة تتابع كتاباتها. وكيف لا تكون وهى سهير القلماوى الابنة الروحية لعميد الأدب العربى د. طه حسين، وواحدة من أولى أربع فتيات إلتحقن بالجامعة المصرية، وأهم مصرية تحصل على درجة الدكتوراة فى الأدب عن «ألف ليلة وليلة».
سبق وانفراد كما نطلق عليها بلغة الصحافة الا أن هذا كله لاينفى وجود مكتب آخر فى نفس البيت.
هذا المكتب كان يجلس عليه الزوج يحيى الخشاب الذى شهد د. طه حسين على عقد زواجه من تلميذته سهير، وهو نفسه الباحث والأستاذ وصاحب القامة الذى لم يكن له الحظ الكبير من شهرة ومعرفة .
يحيى الخشاب الذى لم أجد ما كتب عن سيرته، سوى مقال واحد كتبه د. إبراهيم خليل هو ابن حى الدرب الأحمر، وحفيد الشيخ عبد الرحمن قطب الزواوى مفتى الديار المصرية، وهو من حصل على ليسانس الأداب والحقوق فى زمن قصير لا يفصل بينهما سوى عامين فقط، فكان من آوئل المعيدين فى كلية الأداب، كما حصل على شهادة الدكتوراة من جامعة السوربون ولعب دورا مهما فى قسم اللغات الشرقية بجامعة القاهرة.
هذا الرجل يحسب له اجتهاده فى تقديمه الثقافة الفارسية كمصرى شديد الانتماء لهويته، ولهذا يقول فى مقدمة كتابه «حكايات فارسية»: ليست هذه القصص ترجمة فى الواقع، فنحن لم نتقيد بالنص الفارسى، لأننا آثرنا أن نخرج هذه القصص إلى الأمة العربية بشكل أقرب ما يكون إلى نفوس أهلها.
وفى مقدمة كتابه المترجم «سفرنامة» عن نص للرحالة الشهير ناصر خسرو يقول أستاذه د. عبد الوهاب عزام رائد الدراسات الشرقية «انى لأمل أن يتصل السعى ويستمر الدأب حتى تكون مصر مصدرا لأحسن ما فى الأداب الشرقية، وموردا لطلاب هذه الأداب من أقطار العالم كله.»
كان يحيى الخشاب بهذا التجويد والدأب أستاذا يتذكر له تلامذته كتبه: «تنسر وتاريخ الكرد وكردستان وإسلام الفرس وإيران فى عهد الساسانيين و شرفنامة» بالإضافة إلى مراجعته لكتب عن تاريخ العالم القديم ، وترجمات لأعمال راسين وإدجار آلان بو، وهو مع كل هذا لا يعرفه الا من تعلم على يديه أو عمل معه فى الإدارة الثقافية بجامعة الدول العربية التى كانت تعنى وقتها التعرف على ما يحدث عند جيران العرب من ترك وعجم مهما كانت علاقتنا بهم تسوء أو تتحسن.
الطرازى والصفصافى وزيدان:
قصة أخرى يشير إليها خبر نعى صغير لأستاذ جامعى رفيع الثقافة والعطاء رحل فى أول أيام رمضان الماضى بعد أن حصل قبلها بيومين فقط على الجائزة التقديرية لجامعة عين شمس.
هذا الأستاذ وللعجب هو نفسه د. الصفصافى أحمد المرسى القطورى أول معيد مصرى للغة التركية فى جامعة عين شمس، ومؤسس كثير من أقسام هذه اللغة فى الجامعات المصرية.
وهو من كتب وقدم كثير المؤلفات والترجمات، وكان دافعه كما قال لى أحد الباحثين نوعا من الاصرار الشخصى لتعلم اللغة التركية التى لم تسجل بدايتها معه نجاحا كبيرا.
ومع هذا فهو من قدم «إطلالة على ثقافة الترك وحضارتهم القديمة، أذربيجان بلاد النار والنور، قواعد اللغة العثمانية والتركية ومعجم الصفصافى ، ورحلة حجازية، اسطنبول عبق التاريخ وروعة الحضارة» وغيرها.
اللغة التركية لا تعنى تراث تركيا وحدها، فلابد من قراءة ما كتبه أهل آسيا الوسطى فى أذربيجان وتركمانستان.
فهى بلاد شغوفة بثقافة وأهل مصر مهما اختلفت السياسات، والدليل سماعه أم كلثوم تشدو فى أحد مقاهى اسطنبول فى الستينيات، وما قاله صاحب المقهى من أنه معجب بفنها لأن صوت مصر يسعده.
نقول ولا تنتهى قصص الساهرين، فلدينا قصة نصرالله مبشر الطرازى القادم من آسيا الوسطى وترجمته ومراجعته بنود وثائق عثمانية أثبتت أن طابا مصرية وفهرسته ل23 ألف مخطوط فى دار الكتب المصرية، وعبد النعيم حسنين الذى قدم للشاعر الكبير نظامى وكتب عن العراق فى العصر السلجوقى وإبراهيم الدسوقى شتا وترجمته المثنوى لمولانا جلال الدين الرومى.
لم ننته بعد، فكثيرة هى قصص الساهرين والمجيدين ، ولا أجد ختاما أفضل مما كتبه الشاعر الكبير أبو تمام
مضت سنون بالوصال وبالهنا
فكأنها من قصرها أيام
ثم انثنت أيام هجر بعدها
فكأنها من طولها أعوام
ثم انقضت تلك السنون وأهلها
فكأنها وكأنهم أحلام
فهذا شاعر لم تجد د. عفاف السيد زيدان أفضل منه فى كتابها الممتع «مصرية فى بلاد الأفغان» ليصف حال أفغانستان الأخرى الجميلة والمستقرة التى عايشتها فى نهاية الستينيات.
وربما تدل أيضا على حال الساهرين وحدهم الذين أختاروا أن يقرأوا فى هذه الأداب التى تمنى الراحل الكبير عبد الوهاب عزام أن تكون مصر موردا لأحسن ما جاء فى آدابها و ثقافاتها.
ولكن ليسوا هؤلاء هم كل من نعرف... فلدينا فى بر مصر أكثر من قصة وإنسان كل فى مجاله، قدم ولم يحصد واجب الشكر والامتنان...ولنا عودة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.