ليس صحيحا ما يتوهمه البعض من أن نقد ما صنعته السنوات الخمس الأخيرة من خراب ودمار وإرهاب أصاب الأمة العربية وأرهق جسدها بأنه نوع من الحنين إلى الماضى لأنه لو كان الماضى مقبولا ومنصفا لما انتهت أمورنا إلى ما انتهت إليه الآن. إن نقد النفس والذات أبعد ما يكون عن نقد دعوات التغيير والإصلاح التى لازلنا بحاجة إليها ولكن دون انغماس فى رومانسيات ثورية ظاهرها الرغبة والسعى فى التغيير نحو الأفضل دون تقدير للعواقب والنتائج التى يمكن أن تدفع الناس للكفر بأفكار الثورة والتعبير. وإذا كان الإنسان هو الهدف والمتبقى من أى إصلاح مرتجى فإن الأمر لا يحتمل مثل تلك المغامرات الرومانسية باسم الثورة وزخمها الذى يدغدغ المشاعر حتى لو جاءت نشوة الزهو والفخار على حساب الأمن والاستقرار وتجاهل الواقع المأساوى الذى تخلفه دائما سلوكيات الطفولة والمراهقة الثورية التى يغيب عنها أنه لا فائدة ولا مغزى من أى عمل ثورى يؤدى إلى قتل البشر وتدمير الحجر وتغييب الحس الإنسانى لمجرد إشباع رغبة الثأر والانتقام من الماضى بأكمله ودون تمييز! قد يكون الإصلاح والتغيير هدفا وغاية لا يملك أحد أن يجادل فى نقاء الهدف وسمو الغاية ولكن الثورة ليست هى الوسيلة الوحيدة للإصلاح والتغيير مثلما أنها ليست غاية فى حد ذاتها إلا عندما تكون خيارا أخيرا ووحيدا للوقاية من انفجار اجتماعى شامل وانهيار اقتصادى مريع. إن الثورة أى ثورة لا قيمة لها إذا لم تكن مدخلا للحياة فلماذا يرفع البعض رايات الانتحار والهلاك بدلا من الاستمساك بالحق المشروع فى الدعوة للإصلاح تحت رايات السلمية والاعتدال وتجنب المصائر المريعة التى آلت إليها أحوال أمن وشعوب خلطت بين الثورة والاحتراب الأهلى وداست على مقومات الوحدة الوطنية بالعنف والطائفية والمذهبية والعرقية. ويسرح المرء ببصره يمنة ويسرة على امتداد الأرض العربية فيقشعر البدن من مشاهد الجثث والدماء وتكاد الأذن أن تصاب بالصمم من زئير المدافع وقصف الطائرات بينما القلب ينقبض ألما وحزنا على ملايين اللاجئين الهائمين على وجوههم فى البر والبحر بحثا عن مأوى وعن ملاذ... ثم يقولون إنها الثورة... بئس ما يقولون وبئس ما يفعلون وهم عن الوعى غائبون أو مغيبون! خير الكلام: لكل ما يؤذى وإن قلّ ألم.. ما أطول الليل على من لم ينم ! [email protected] لمزيد من مقالات مرسى عطا الله