مولعة بذاكرة المكان, شغوفة باستدعاء خطوات مر عليها مئات السنين لتعيد لها الحياة من جديد, اعتقدت الفنانة اللبنانية لمياء زيادة- في البداية- أنها ستتوجه إلي كتابة قصة أسمهان أميرة الدروز والمطربة السورية اللبنانية التي توفت في عام1944 في سن ال.27 لكن خيالها الجامح قادها إلي كتابة رواية مصورة بعنوان آه يا ليل, يا عين عن نجوم لمعت اسماؤهم في منتصف القرن العشرين: أسمهان, أم كلثوم, عبد الوهاب, فريد الأطرش, سامية جمال, ليلي مراد, نور الهدي, صباح, فيروز, وغيرهم من مشاهير العصر الذهبي للسينما والغناء العربي من المطربين والممثلات والراقصين والملحنين. ..................................................................... تتناول في الرواية مجموعة قصص لكبار الفنانين في ظل المتغيرات الثقافية والحضارية التي جرت في عدة عواصم مثل القاهرة, الإسكندرية, بيروت, القدس, ودمشق. أحداث متلاحقة تدور في مجتمعات الشرق الأوسط علي مدار قرن مضي بكل تفاصيلها الحزينة والسعيدة. ما بين سقوط الإمبراطورية العثمانية, والحرب في فلسطين, وتأميم قناة السويس, ونكسة1967, نجحت في أن تسلط الضوء علي دور النساء وأثرهن الرائع في تألق الثقافة العربية الحديثة. جاء المساء باسطا ظله الممتد نحو الأفق, واشتعلت أضواء المقاهي وأنوار الأرصفة, وانتشرت أغنيات المساء وطاب اللقاء. علي مدار أكثر من400 لوحة فنية, تتعرف علي ملاهي القاهرة والكازينوهات, عازفي العود والراقصات, العشاق والكحول, الزهر وأوراق اللعب.. الغناء والموسيقي, التصفيق الحار والانتصارات والمجد.. تلتقي بعالم الملوك والأمراء, البشوات والبهوات.. حياة صاخبة مليئة بالرفاهية. في جولة مدهشة, تصحبك لمياء زيادة أيضا إلي دور السينما في بيروت, وقصور دمشق, وموانيء الإسكندرية, وشوارع القدس. تمر معها بالفنادق الكبري: سان جورج, الملك داود, وقصر الشرق, والمينا هاوس.. لوحات من الحبر والألوان المائية والباستيل تكشف ألوان وأضواء مجتمعات كانت تعج بجنسيات وديانات مختلفة, يجتمع فيها الشرق والغرب.. تفرز روايات لنجيب محفوظ و رباعية الإسكندرية للورانس داريل.. عالم متنوع يضم داليدا, كلود فرانسوا, الجنرال ديجول وعمر الشريف. نافذة علي الأمس جسد الكتاب نافذة تطل علي حياة الشخصية المطروحة للقاريء, وأخري علي الوطن. راحت لمياء زيادة تتطرق لشخصيات كان لها عظيم الأثر في نفوسنا, وتربطها بمدي تأثيرها علي المجتمع آنذاك. شأن الفنانة ليلي مراد, مطربة الأربعينيات ذات الأصول اليهودية, والتي اختيرت من قبل أم كلثوم في عام1953 كمطربة رسمية لثورة23 يوليو. هنا تذكرت المؤلفة أن يهود مصر لم يكونوا مثيري مشاكل قبل العدوان الثلاثي عام1956 لكنهم غادروا مصر بعده مباشرة. غير أن ليلي مراد التي أشهرت اسلامها لم تغادر الوطن حتي توفيت به في عام.1995 هناك أيضا فيروز المطربة اللبنانية الأسطورية, والتي يقدسها معظم الشعب اللبناني, فيما يكرهها آخرون لأسباب خاطئة, لم تسع الكاتبة إلي البحث عن هذه الأسباب وطرحها في كتابها. كذلك, تعرضت الرواية إلي شخصية الموسيقار فريد الأطرش الذي- وفقا للمؤلفة- كان موسيقارا موهوبا, لكنه لم يكن له فكر مؤثر كما هو واضح من لقاءاته التليفزيونية في السبعينيات. بينما يكشف الكتاب عن موسيقيين آخرين, مثل الموسيقار العظيم محمد القصبجي الذي رغم كونه كان أكثر المتعاونين مع أسمهان وإيمانا بها, كان يري أنها حالة استثنائية لا علاقة لها بأم كلثوم أو غيرها. و رغم انحيازه لكوكب الشرق, أخذت فجأة أم كلثوم ترفض ألحان القصبجي, وتفضل عليها أخري من تأليف السنباطي والموجي. وانتهي به الأمر إلي عزله عن رئاسة فرقتها الموسيقية, ثم تحول إلي مجرد عازف عندها ليحتفظ بمورد رزقه. مجتمعات الشرق في منتصف القرن الماضي كانت شاهدا علي تحرر المرأة التي كانت تنعم بحرية واسعة في أن يصبح لها معجبون ويتراكم عشاقها مثل أسمهان.. أو تتعدد زيجاتهن شأن صباح(10 أزواج) أو تحية كاريوكا(14 زوجا). آه يا ليل, يا عين كتاب بمثابة جسر يربط الماضي بالحاضر ويردم الهوة التي تفصلنا عن ذكرياتنا.. كالحياة تدور بين قدوم ورحيل.