الشباب ظاهرة اجتماعية تشير إلى مرحلة من العمر تعقب مرحلة المراهقة، وتبدو خلالها علامات النضج الاجتماعى، والنفسى، والبيولوجى واضحة.. ويعد الشباب من أكثر الشرائح الاجتماعية تفاعلا مع التغير الحادث فى المجتمع. وتميل معظم المجتمعات إلى تحديد بداية مرحلة الشباب ونهايتها، وفقا لعدد من المعايير.. وقد نلجأ كما كان الأمر كذلك فى المجتمعات التقليدية إلى طقوس معينة يتعين على الإنسان المرور خلالها كى يكتسب المكانة الاجتماعية التى يتمتع بها الشباب. إن الشباب، بوصفهم يشكلون الغالبية العظمى من أعضاء المجتمع المصرى، هم الأساس الذى ينبنى عليه التقدم فى كل مجالات الحياة، فهم أكثر فئات المجتمع حيوية، وقدرة، ونشاطا، وإصرارا على العمل والعطاء، ولديهم الإحساس بالجديد، وحب التجديد، والرغبة الأكيدة فى التغيير، مما يجعلهم أكثر قدرة على مواجهة مشكلات المستقبل، وهذا فى حد ذاته مطلب أساسى للتطوير، والتغيير. على أن أهم ما يسهم به الشباب فى مسيرة التنمية والتحديث، هو ما يتمتعون؛ من قدرة على الإبداع والابتكار، فالشباب يتطلع باستمرار إلى تبنى ما هو جديد، ومن ثم فهم من أهم مصادر التغير الاجتماعى فى المجتمع.. ومن ثم ينبغى دراسة اهتماماتهم، وأنماط سلوكهم إذا أردنا تطوير نظام سلوكهم إذا أردنا تطوير نظام العمل والإنتاج فى المجتمع ككل. وإطار المفاهيم الذى تتبناه الدراسات الموضوعية للشباب المصرى يستعين بمجموعة من الأدوات التصورية التى تناسب طبيعة هذه المرحلة العمرية، ولعل أهم هذه المفاهيم: المسئولية، المشاركة فى الإنتاج، الحاجة إلى التغيير، التعبير عن الذات، والابتكار والتجديد. إذ خلال هذه المفهومات نستطيع تشخيص مرحلة الشباب، وفهم خصائصها، والتعرف على الجوانب الإيجابية من سلوك الشباب.. فمعظم الدراسات التى تناولت الأنماط السلوكية للشباب، كانت تركز على النواحى السلبية المعتمة تركيزا واضحا، ويتبدى ذلك بجلاء فى إطار المفاهيم الذى استعانت به تلك الدراسات مثل: مفهومات التمرد، العصيان، التوتر، القلق، التحرر، الاستقلال، والاغتراب. والواقع أننا لا نكاد نجد ميدانا تضافرت فيه جهود العلوم الاجتماعية، لدراسة ظاهرة بعينها، مثلما حدث فى ميدان الشباب، فلقد اهتمت علوم النفس، والاجتماع، والإنثروبولوجيا بهذه المرحلة اهتماما بالغا. وهناك اهتمام معاصر بفروع الدراسات الإنسانية، والعلوم الاجتماعية، لدراسة موضوع الشباب، واتجاهاتهم، وأدوارهم، وقيمهم. ويكاد هذا الاهتمام يكون «عالميا»، إذ أصبح مفهوم الشباب يحظى بالعناية دراسة، وتحليلا، وتفسيرا، فى المجتمعات المتقدمة والنامية على السواء، على الرغم من اختلاف الإطار الذى يعالج منه قضايا الشباب وتباين الأدوار، وتنوع المشكلات بتنوع السياق الاجتماعى والسياسى والاقتصادى الذى ندرس منه الظواهر المتصلة بالشباب. ولعل السبب الأساسى لمثل هذا الاهتمام العالمى بقضايا الشباب، يرجع إلى ما يمثله الشباب من قوة للمجتمع ككل، فهو يعد متميزا إذا ما نظرنا إليه فى ضوء بنية المجتمع. كما أننا إذا نظرنا إلى الشباب «كفئة عمرية» سوف نلاحظ على الفور أنها أكثر الفئات العمرية التى يكاد بناؤها النفسى والثقافى يكون مكتملا على نحو يمكنها من التكيف والتوافق والتفاعل والاندماج والمشاركة بأقصى الطاقات التى يمكن أن تسهم فى تحقيق أهداف المجتمع وتطلعاته وإنجازها. هذا فضلا عما يتصف به الشباب من «مرونة» إلى درجة يمكن أن تكون عونا أساسيا فى عمليات التكيف مع المواقف التى تواجههم من جهة، ودعامة قوية يعتمد عليها المجتمع فى رسم سياسات استثمار جمهور الشباب من أجل التنمية والبناء من جهة أخرى. والواقع أن المكانة المعاصرة التى يشغلها الشباب فى المجتمعات كافة؛ يمكن النظر إليها على أنها نتاج للتغيرات الاجتماعية والسياسية والديموجرافية، والتعليمية، والتربوية التى شهدها القرن الماضى، وبواكير القرن الحالى.. وقد أثرت المكانة التى يمثلها الشباب فى بناء المجتمع المعاصر، كما انعكست على بناء المجتمع، وعلى طبيعة العلاقات بين الأجيال، ونوعية هذه العلاقات ومداها.. كما أن معدل التغير فى المجتمع وإيقاعه، إنما يتأثر مباشرا بأوضاع الشباب فى المجتمع وأدوارهم، ووظائفهم المتعددة فى مختلف القطاعات. ولعل ذلك يفسر اهتمام كل من الأكاديميين ورجال السياسة على السواء، بدراسة الشباب، وتحليل العلاقة بين الشباب كظاهرة والمجتمع، وذلك من أكثر من زاوية. فهناك اهتمام بالظواهر العديدة المشاهدة فى المجتمع المعاصر، والمرتبطة بالشباب، واتجاهاتهم، وقيمهم وثقافاتهم(Youth Culture) وسلوكياتهم السائدة بينهم، إلى جانب الثقافات الانعزالية، والسلوك الانحرافى. ومن الظواهر الجديرة بالانتباه فى هذا الصدد، ظاهرة الرفض (Rejection) التى تتبدى فى رفض الشباب للمعايير، والسلطة، والتوجيه الذى يمارسه الكبار بل إن هذا الرفض أصبح يمثل موقفا عاما وموحدا يظهر بصورة سافرة فى مواقف عديدة، ومجتمعات مختلفة. وتعد أزمة الهوية (Identity Crisis) التى تنشأ من عدم قدرة الشباب على فهم ذواتهم «الجديدة» وتقبلها، والتعامل معها، وهى أزمة يتوقف على حلها استمرار نضوج الشخص بشكل سرى، من أهم أزمة بدايات الشباب. وتكمن أهمية الشباب فى كونهم الفئة الأكثر رغبة فى التجديد والتطلع إلى الحديث، ولذلك يمثلون مصدرا أساسيا من مصادر التغيير فى المجتمع. ولابد أن يؤخذ فى الاعتبار كيفية استيعاب هذه الرغبة فى التغيير والتجديد دون إحداث تناقضات أو صراعات حادة. ويميل الشباب فى مختلف المجتمعات إلى تطوير نسق ثقافى خاص بهم ويعبر عن مصالحهم واحتياجاتهم، ورغبتهم فى التجديد والتعبير، ولا ينبغى للمجتمع أن يقف موقف العداء من هذا النسق الثقافى. وهنا تبرز مهمة ضرورة دعم التكامل الثقافى العام دونما تفرقة بين ثقافات الشباب والثقافات السائدة فى المجتمع، ويتأتى ذلك من خلال تدعيم منظومة القيم والأخلاق الحامية للمجتمع من التفكك بين أفراده والضامنة لعدم ظهور ثقافة مضادة للشباب التى تعكس أزمات ناجمة عن انهيار التكامل الاجتماعى بسبب التغيرات الاجتماعية والتكنولوجية فى المجتمع المعاصر. ومن المهم أن نعرف أن انهيار التكامل الاجتماعى، وتفكك المجتمع، يحدث ما لم يلتفت المجتمع إلى أن من واجبه استيعاب تحركات الشباب باعتبارها نقطة انطلاق لتغيير السائد تغييرا جذريا. فثورة الشباب التى تبدو واضحة فى كثير من المجتمعات هى علامة ومؤشر على انهيار الثقافة السائدة، لذلك يجب أن نضع فى اعتبارنا ونحن نسعى إلى إقامة هيكل ثقافى مناسب أهداف الشباب، واحتياجاتهم، ووضوح المستقبل أمامهم، وإذكاء مشاعر الانتماء لديهم. لمزيد من مقالات د. سامية الساعاتى