تعالوا نخرج ولو ليوم واحد.. ولو لساعة زمان واحدة.. من دائرة العقل وتحكماته والحكمة وشروطها السبعة وفي مقدمتها المنطق والتروي والاتزان والتبصر والصبر علي الشدائد والمكائد والبعد عن ألاعيب البشر وغدر الصحاب ولؤم الأحباب.. والهروب إلي خارج الأرض من كيد النساء الذي لا مهرب منه أبدا ولا فكاك... حتي لو ذهبنا إلي آخر الدنيا.. وحتي لو صعدنا إلي السماء السابعة كما يقول وكما يروي الحكاؤون والرواة وعازفوا الربابة في كل زمان وفي كل عصر وأوان.. فالكيد فيهن غالب.. والطبع يغلب التطبع وهو معك أينما سرت.. وأينما حللت.. دائما في ركابك.. يسبق خطاك.. ويعد عليك أنفاسك.. ولسوف يلحق بك حتي لو كنت علي بعد خطوة واحدة بقدميك من باب الجنة.. ليقول لحراسها: أوصدوا الأبواب في وجهه.. فمازال لديه حساب عسير لم يدفعه وعقوق لم يسدده.. وذنوب لا تغتفر.. في حق علانة بنت فلان.. وفي حق علانه بنت الحسيب النسيب.. ومازال الدنس يلطخ ثوبه في حق طابور طويل من بنات حواء.. عليه أن يدفع دينه لهن من دمه.. من روحه.. من دفتر سعادته معهن علي الأرض! ولكن لا تسبقوا الأحداث.. فالجنة التي نطرق بابها الآن.. ليست أبدا جنة رضوان التي عرضها السماوات والأرض والتي أعدها بديع السماوات والأرض للمتقين الصابرين الراكعين الساجدين الحامدين الشاكرين ربهم! في كل ساعة وفي كل ليل وفي كل نهار.. ولكنها جنة أخري لم نسمع بها ولم يسمع بها ربما حاشا لله أنبياء الله أنفسهم.. ورسله الذين أرسلهم عبر الأزمان.. بالهدي والهداية وبكتاب منه.. في كل عصر نبي وفي كل عصر رسول.. وفي كل عصر كتاب معلوم من لدنه ليكون آية للعالمين.. الصالحين منهم والصالحات.. الصابرين منهم والصابرات.. والركع السجود منهم والراكعات.. حتي الضالين من البشر والضالات.. لهم ولهن آيات وحساب وثواب وعقاب في كتاب معلوم ويوم معلوم.. لا يعلم مجيئه ولا ساعته إلا صانع الكون نفسه.. وخالق الأرض وما عليها.. من كل المخلوقات الصالح منها والطالح.. ليجمع صانع الكون وربه الأعلي الخيرين والخيرات والخبيثين والخبيثات.. كل واحد وكتابه معلق في رقبته.. إلي يوم يبعثون.. ان شرا يره.. وان خيرا برضه يره! .................. .................. ولأن يوم يبعثون هذا.. لا يعلمه إلا بديع الكون كله ورب الخلق أجمعين.. ولأن يوم الحساب مازال في علم الغيب.. لا يعلمه إلا رب الكون كله وصانعه وبارؤه.. وخالق السماوات والأرض وكل الكواكب من حولنا داخل مجرتنا الشمسية والمجرات التي لا نعلمها والتي لا يعرف سرها وعمرها ومكانها إلا هو.. فقد طلبت من الدكتور فاروق الباز عالم الفضائيات المصري والصديق الشخصي لرفيق الطريق والدرب وصاحب الجلالة الكاتب الكبير أنيس منصور والذي فرد شراعه وغادر وغاب في رحلة بلا عودة.. وشقيق صديقي الراحل الدكتور أسامة الباز العلامة البارزة في السياسة الخارجية المصرية وترمومتر العلاقات الدبلوماسية عبر حقبة طويلة من عمر الدبلوماسية المصرية في المحافل الدولية.. أن يرشح لنا كوكبا علي قد حالنا كده.. وأن يكون صغير السن قصير القامة.. قريبا منا بقدر الإمكان.. حتي يمكننا أن نعبر السماوات السبعة كما يسميها في زمن ألف ليلة سندباد ذلك الزمن الجميل وهذا هو اسمه.. التي «زهت فيه الدنيا وزهزهت».. واخذت زخرفها وتزينت وتعطرت وتمخطرت وعاشت أجمل ليالي العمر أيقونة ألف ليلة وليلة.. إلي الفضاء الخارجي بعيدا عن شرور الإنسان.. لنهبط علي كوكب صغير صغير هذه المرة.. اسمه: بلوتو! نحن الآن ننتظر الإذن لنا بالسفر إلي كوكب بلوتو وهو اسم الإله بلوتو إله العالم السفلي في حضارة الرومان.. في رحلة طويلة طويلة طولها خمسة عشر عاما بحالها.. سوف يحملنا إليها مكوك فضائي هايل اسمه المسبار الآلي «نيوهو رايزنر» من أجل أن نعمل حاجة ونشوف حاجة ونقدم حاجة للأرض التي سوف نراها من فوق كوكب بلوتو.. تماما مثلما نري القمر ونحن علي الأرض.. في العالم الخارجي نسيت أن أقول لكم إن الإنسان يتخلص من أمراض الأرض وعذابات الأرض وقوانين الأرض بحلوها ومرها.. ونبقي خالصين لوجه الله وللحق والعدل والخير والجمال كله.. ولعالم ليس فيه ذرة شر واحدة ولا كذبة واحدة ولا دم يسيل من أجل لقمة عيش أوجبن، وقطعة أرض أو إمرأة تأخذها غدرا واغتصابا.. ولا أثر للشر والغدر والقتل والخيانة.. فلا يوجد عدوا أو شر أو نقطة دم واحدة في كوكب لم يسكنه الإنسان.. أصل البلاء علي الأرض وأصل الخير أيضا.. وصانع القبح وصانع الجمال في نفس التوقيت ونفس المكان! المفاجأة الحقيقية التي كانت سوف تذهلنا لو ذهبنا حقا.. لأن السنة علي كوكب بلوتو العجيب الذي من المفروض أن نقف فوقه اذا ذهبنا ونحن نلبس بدل رجال الفضاء والبدلة الواحدة منها تتكلف 12 مليون دولار حتة واحدة.. كما أن السنة علي كوكب بلوتو تساوي 248 سنة علي الأرض.. يعني لو مكثنا فوق بلوتو سنة واحدة.. سنعود إلي الأرض إذا عدنا وكتب الله لنا عمرا جديدا وعمرنا قد أضيفت إليه 248 سنة! يعني عمر السنيورة هيباتا وزميلها تاناكان.. سوف يصبح 248 سنة+ عمر كل واحد منهما.. واحسب بقي عمرنا كلنا حيبقي كام لو سافرنا؟ .............. .............. نسيت أن أقول لكم إن الرحلة التي قام بها المسبار استغرقت بالفعل عامين كاملين من السفر عبر فضاء بلا نهاية.. حتي اقترب المسبار من كوكب «بلوتو» والتقط صورا مذهلة للكوكب القزم العجيب.. وكأنه قزم من أقزام ألف ليلة وليلة في قصة: «القزم والأميرة نورهان».. والتي تحكي قصة قزم اسمه نعسان أحب شمس الشموس بنت السلطان.. ولما تزوجت هي من تحب.. وهو بالطبع ليس القزم نعسان.. الذى خطف الأميرة وهرب بها إلي الغابة.. ولكنها هربت منه بمساعدة القرد سعفان.. فهجر الدنيا ومن عليها وعاش وحيدا في الغابة! وبلوتو الآن للعلم علي بعد 5 بلايين و914 كيلو مترا من الشمس.. وهو يدور حول نفسه كل نحو 20 ساعة يعني أسرع من دوران الأرض حول الشمس ب أربع ساعات فقط.. والشهر الواحد علي بلوتو تساوي 32 شهرا علي الأرض.. قلت لرفاقي علي الأرض الجميلة الطيبة العامرة بالخير والجمال والهواء النقي: تصوروا أنه لا يوجد أوكسجين علي كوكب بلوتو هذا.. بل مجرد غاز النيتروجين السام.. وإذا نزلنا فوق كوكب بلوتو لابد لنا أن نلبس مظلة أوكسجين طول الوقت قالت هيباتا: الحمد لله اننا لم نصعد! قال رفيق دربنا المهندس سمير متري خبير المحطات النووية: تطلعوا ايه بس علي هذا الكوكب العجيب.. درجة الحرارة فوقه 235 درجة تحت الصفر تصوروا؟ ويقول هنا بروفيسور آلان ستيرن المشرف علي الرحلة إلي كوكب بلوتو التي استغرقت تسع سنوات بحالها حتي وصل المسبار إلي أقرب نقطة من الكوكب العجيب وحتي تصل إلي الأرض فى أول صعود للكوكب القزم الذي اسمه بلوتو: ! قلنا كلنا في صوت واحد: ياخبر! قال: إن المسبار الذي سافر لمدة 9 سنوات بحالها وتكلف نحو 720 مليار دولار وانطلق من قاعدة كيب كاتافرال في يناير 2006 وقطع مسافة نحو 5 مليارات كيلو متر حتي أصبح عند أقرب نقطة من كوكب بلوتو يعني علي مسافة 12550 كيلو مترا من سطحه وراح يرسل إلينا أول صور وأول التقارير العلمية عن هذا الكوكب القزم! وعلمنا منه أن له قمرين يدوران في فلكه.. وهو كوكب جليدي متجمد ولا أثر للحياة فوقه! سألنا: وهل ممكن العيش فوقه؟ قال: لا طبعا فلا وجود للأوكسجين ودرجة الحرارة فوقه تحت الصفر بمئات الدرجات! سألنا: كم تساوي السنة علي هذا الكوكب الغامض؟ قال: يدور بلوتو حول الشمس مرة كل 248 سنة! قالت هيباتا: ياه.. يعني السنة فوق هذا الكوكب تساوي 248 سنة مما نعد نحن ونحسب علي الأرض! ............... ................ قلت لهيباتا الراهبة الجميلة: كم عمرك يا عزيزتي؟ قالت: يعني لك أنت في السر يعني ثلاثة وثلاثين! قلت: الذي أعرفه أن راهبات المعبد لا يشبن أبدا ولا يهرمن لأنهن تعشن فوق جبال جليدية طول العام.. ولا أثر لتلوث أو ميكروبات.. لكنك لو ذهبت يا عزيزتي إلي كوكب بلوتو اضربي «33 سنة X 248 سنة وهو طول السنة فوق بلوتو يبقي عمرك علي هذا الكوكب العجيب سوف يصبح رقما مذهلا! تسألني بلهفة: كام يعني؟ ينقذني سمير متري الآلة الحاسبة البشرية بقوله: يبقي يا ست البنات 8184 سنة! قالت ضاحكة: يعني ضعف عمر الحضارة المصرية نفسها! قلت: وضعف عمر مومياء الملك توت عنخ آمون نفسه وعمرها في البر الغربي في الأقصر نحو 3600 سنة لا أكثر! ................. .................. لم تنته الحكاية بعد.. فقد اتفقنا كلنا كده بربطة المعلم أن نصرف نظر عن رحلة كوكب بلوتو هذا الغارق في البرودة منذ الأزل.. وقررنا أن نشد الرحال إلي جزيرة أوكيناوه في اليابان التي يعيش فوقها كل من تعدي عمره المائة عام.. كده أفضل.. بدلا من الشحططة وركوب الصواريخ إلي الكواكب البعيدة في فضاء بلا نهاية.. وفي رحلة ربما بلا عودة.. ولكن ذلك حديث آخر!{ Email:[email protected] لمزيد من مقالات عزت السعدنى