لا يسلم إيمان عبد إلا إذا تصدَّى بالوسائل المشروعة لأي انتقاص من دين الله تعالى، سواء بالبلاغ أو الدعوة أو الإبانة، أو غيرها من الوسائل المشروعة، والمكافئة. وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا ينتصر، ولا ينتقم لنفسه، لكنه لا يتوانى لحظة في الدفاع عن دين الله، ودعوته؛ فيغضب لهما، وينتصر لهما. وفي هذا الصدد ورد في كتاب "رياض الصالحين" للإمام النووي باب كامل بعنوان: "الغضب إذ انتهكت حرمات الشرع والانتصار لدين الله تعالى"، تصدَّره قوله تعالى: "وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ".(الحج:30)، وقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ".(محمد:7). كما قال الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ". (المائدة:54). وفي الحديث عَنْ السيدة عَائِشَةَ، رضي الله تعالى عنها، قَالَتْ: "مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ وَلَا امْرَأَةً وَلَا خَادِمًا إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ تعالى". (رواه مسلم) وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: "كأنِّي أنظر إلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يحكي نبيًّا مِن الأنبياء، صلوات الله وسلامه عليهم، ضربه قومه فأدموه، فهو يمسح الدَّم عن وجهه، ويقول: "ربِّ اغفر لقومي فإنَّهم لا يعلمون". (متفق عليه، ورواه البخاري). وقدَّم أَبُو بَكْر - رضي الله عنه - نموذجا عمليا في ذلك، فقال: "وَاللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ.. وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا". (متفق عليه). وفي تفسير ذلك قال أَبُو بَكْر أيضا: "وَاللَّهِ لَا أُفَرِّقُ بَيْنَ شَيْءٍ جَمَعَهُ اللَّهُ عزوجل وَلَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَيْهِ". أما عمر - رضي الله عنه - فقد كان الشيطان يخاف أن يأمره بمعصية. وقد استشهد - كما روى البخاري - وكان يقرأ سورة يوسف أو النحل في الركعة الأولى حتى يجتمع الناس فما هو إلا أن كبر حتى قال: "قَتَلَنِي أَوْ أَكَلَنِي الْكَلْبُ حِينَ طَعَنَهُ". وتناول عمر يد عبد الرحمن بن عوف فقدَّمه فصلى بهم صلاة ضعيفة، وجاءه شاب يعوده قائلا: "وليتَ فعدلتَ"، قال: "وددت أنّ ذلك كفاف، لا عليّ، ولا لي". فلمّا أدبر إذا إزاره يمسّ الأرض، قال: "ردوا عليّ الغلام، قال: ابن أخي ارفع ثوبك، إنّه أبقى لثوبك، وأتقى لربّك". وقال مطمئنا على الصلاة من بعده: "أما إنه لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة". وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إن الله يغار، وغَيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرَّم الله عليه". (متفق عليه). فما أحوجنا إلى الغَيرة على دين الله تعالى، والتصدي لعمليات الانتقاص منه، تلك التي شاعت في الآونة الأخيرة، حتى تبجَّح أصحابها، وعلت عقيرتهم بأن لهم حقا في ذلك، باسم "حرية الرأي"، ولن يرعوي أولئك السفهاء المغرضون، إلا بأن يجدوا رأيا عاما لافظا لهم، فيرعوون أمامه، ويلزمون حدود الدين في وجوده، دون أن يتمكنوا من استباحة حرمته. قال الإمام مالك - رحمه الله - : "لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها". وقال الفاروق عمر - رضي الله عنه -: "من طلب العزة بغير الإسلام أذلَّه الله"[email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد