في كتابه سياسات الإله قدم الباحث الأمريكي جيم واليس مقارنة مهمة بين نوعين من الحركات السياسية التي تتبني منطلقات دينية أو أخلاقية: الأولي حركات تنطلق من غايات أخلاقية أو دينية وتتحرك باستقلال في المجال السياسي, ورأي أنها تستطيع أن تجني نتائج أفضل من الحركات الدينية النوع الثاني التي تنشأ في قلب المؤسسات والهياكل السياسية, وتستمد منها آليات الحركة, وأساليب التعامل في المجال العام.. هذه المقارنة قد تصدق إلي حد ما بين السلفيين والإخوان المسلمين في مسلكهم من انتخابات الرئاسة. دخل السلفيون معترك السياسة عقب ثورة 25 يناير, لم يكونوا مشاركين في الثورة, وخرج البعض منهم علي شاشات التليفزيون, رافضا الخروج علي الحاكم, ومحذرا من الفتنة.. لم يكن كل السلفيين عند هذا الموقف, لكن الصمت الممزوج بالخوف كان دافعا للكمون والمشاهدة عن بعد. وعقب سقوط نظام مبارك, شكل السلفيون أحزابا, وكثير من تحركاتهم وتصريحاتهم كانت في مرمي نيران الإعلام نظرا لأنهم حديثو العهد بالعمل العام, ويطرحون أحيانا آراء وتأويلات دينية لا تتناسب مع الخبرة الحضارية التي بلغها المجتمع, فضلا عن أنها لا تتماشي مع رحابة الفقه المصري, لكنهم استطاعوا سريعا تحييد الأصوات السلفية التي تثير غبار النقد اللاذع, واشتبكوا سياسيا مع القوي والتيارات السياسية, لاسيما الإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية, واستطاعوا المنافسة, وتحقيق ما يزيد علي 20% من مقاعد مجلس الشعب. السلفيون يرون أنفسهم قوة سياسية وتصويتية, وأصحاب منهج ومشروع, يريدون التحرر من عباءة الإخوان, بكل ما تشكله بالنسبة لهم من هيمنة, ويكرسون وجودهم طرفا مستقلا, وليسوا في موضع الاضطرار للسير في ركاب قوي أخري. الرسالة واضحة, لا توجد جهة واحدة تحتكر الصوت الإسلامي, وقد أعطتهم مناسبة الانتخابات الرئاسية الفرصة, وكان موقفهم فيها من الوضوح, والبرجماتية المباشرة, مما أذهل كثيرا من المتابعين للشأن العام. لم يطرح السلفيون مرشحا للرئاسة, وذكر بعضهم أنهم لا يرون قدرة في أنفسهم علي تحمل أعباء هذه المرحلة منفردين, وعندما طرح في الأفق المرشح حازم أبوإسماعيل, لم يستطع أن يحصل علي تأييد صريح من القيادات السلفية, ولم تستجب القوي السلفية لضغوط قطاعات من الشباب السلفي الذين أظهروا إعجابا وافتنانا به, وأعلن السلفيون أنهم سوف ينتخبون مرشحا ذو مرجعية إسلامية, وأداروا مسألة اختيار مرشحهم بمهارة, جعلوا الكل من المرشحين الإسلاميين يفد إليهم, ويخطب ودهم, ويقبل الخضوع لاختباراتهم, بما فيها النفسية, وظل ثلاثتهم ينتظرون في لهفة النتيجة, جرت عملية الاختيار من خلال آلية التصويت, الكل صوت حسب اعتقاده, لم يعقد الاجتماع في قاعة مسجد أو قاعة مناسبات, ولكن في مكان عام, حداثي من ناحية الشكل, وجاء قرار دعم الدعوة السلفية للمرشح عبدالمنعم أبوالفتوح مفاجئا, ليس فقط لأن المرشح له آراء نقدية للسلفيين أنفسهم, ولكن لأنه أكثر انفتاحا, ووسطية من مرشح الإخوان محمد مرسي, الأقرب نظريا بالنسبة لهم, لاسيما أنه جاء مرشحا احتياطيا لمرشح كان من المتوقع أن يحصد الدعم السلفي, وهو خيرت الشاطر. علي الرغم من الانتقادات التي نوجهها للتيار السلفي, ومازلت علي انتقادات له, ينبغي أن نعترف بأن السلفيين أداروا عملية اختيار مرشحهم بديمقراطية, وعقلانية, لم يدخلوا طرفا في المعركة منذ البداية, وظلوا في حالة انتظار الخريطة النهائية للمرشحين, لم تخالف تصريحاتهم مجمل حركتهم في هذه المسألة. علي الجانب الآخر, جاء الإخوان أكثر اضطرابا وأقل اتساقا مع موقفهم المعلن منذ البداية, فقد أعلنوا منذ سقوط نظام مبارك أنهم لن يكون لهم مرشح في انتخابات الرئاسة, ثم أعلنوا أنهم لم ينتخبوا مرشحا ذا خلفية إسلامية, لكنهم فجأة, بعد معركة لإسقاط حكومة الجنزوري التي نالت تأييدهم في البداية, طرحوا مرشحا رئاسيا هو خيرت الشاطر, الذي ليس له وضع في حزب الحرية والعدالة, الذي تحول رئيسه محمد مرسي إلي مرشح احتياطي, الأمر الذي جسد أزمة حقيقية للإخوان وأظهرهم بمن يريد كرسي الرئاسة فقط, وهو ما يخالف حالة الزهد المبدئي التي أعلنوها في البداية,, كما أن الأزمة أكدت الاقتناع بأن الحزب الذي أسسته الجماعة مجرد أداة لا يمتلك في ذاته الحركة المستقلة, ولاتزال الجماعة الدينية هي مرجعية القرار بالنسبة له ورئيسه. التباين في الحركة بين السلفيين والإخوان المسلمين يفتح الباب للتفكير في التفرقة بين التيارين في ضوء مقولة جيم واليس, الأحزاب السلفية تشكل نموذجا لحركة تنطلق من منطلقات دينية, وتتحرك باستقلال نسبي في المجال العام, في حين أن حزب الإخوان يشكل أداة سياسية لحركة دينية, يفتقر في ذاته الي مقومات الحركة المستقلة, وهو ما جعل السلفيين يحرزون أهدافا متكررة في مرمي الحركة الإسلامية مقارنة بالإخوان. المزيد من مقالات سامح فوزي