إذا كان عام 1900 هو بداية البحث في مكونات الذرة بعد أن كان الرأي العلمي الشائع يزعم أن الذرة ليست قابلة للقسمة إلي أقل منها فإن عام1951 هو بداية البحث في أصغر مكون للحياة وهو ما أطلق عليه مصطلح DNA وهذا اللفظ هو اختصار لاسم حامض نووي نتعرف منه علي هوية أي إنسان. والسؤال اذن: ما هو هذا الحامض؟ إن جسم الانسان به تريليونات من الخلايا, وكل خلية لها نواة, والنواة بها مخزون مملوء بأدق أسرار صاحبها. أما المادة الوراثية الكامنة في نواة الخلية فهي توجد علي شكل خيوط رفيعة متناثرة ويطلق عليها البصمة الجينية أوDNA. وقد أفضي تحليل الDNA إلي أن الخصائص البيولوجية مردودة إلي خاصية العناصر الكامنة في الكروموزومات, وهذه تتكون فيها جينات متراصة بجوار بعضها وبما يشبه العقد أو المسبحة. وكل جين مسئول عن صفة وراثية محددة, ولهذا يقال إن الجينات تحمل صفات كل إنسان من المهد إلي اللحد, ويطلق عليها مصطلح ملفات المعلومات واذا سجلت المعلومات الوراثية علي شريط لبلغ طوله ما يعادل المسافة بين الأرض والقمر ذهابا وإيابا. هذه, في ايجاز, هوية الDNA. إلا أن المسألة, في رأيي, ليست في بيان الهوية إنما في القصة التي ينبغي أن تروي لتحكي لنا كيف انتهي العلماء إلي اكتشاف الDNA وما مغزي هذا الاكتشاف. كان الممهد له كتاب للعالم الفزيائي النمساوي إرون شرودنجر (1887-1961) الحائز علي جائزة نوبل. الكتاب عنوانه ما الحياة؟ (1944) وصاحبه يقف عند مفترق الطرق في تاريخ العلم عندما كانت الفزياء هي القابلة (الداية) التي قامت بتوليد البيولوجيا الجزيئية التي أسهمت في الكشف عن سر الحياة. ومن يومها والرأي العلمي السائد هو أن ميكانيكا الكوانتم التي أسسها ماكس بلانك في عام 1900 يمكن أن تكون معينا لنا في فهم الأساس الفيزيقي للخلية الحية. وقد تأثر بهذا الكتاب عالمان أحدهما انجليزي هو فرنسيس كريك (1916-2004) والآخر أمريكي هو جيمس واطسون, والثاني التقي الأول في عام 1951 في معمل كافندش بجامعة كمبردج. وقد تميز هذان العالمان بأنهما من أهل الفكر وسرد الحكايات وليس من أهل اجراء التجارب لأن الفكر, في اعتقادهما, يأتي قبل التجربة. كما تميزا بأنهما من القلة التي تعرف أن الجينات مكونة من الDNA. ومن هنا كانا الوحيدين اللذين انشغلا بالبحث في بنية الDNA من أجل اكتشاف سر الحياة. وقد أعلنا عن اكتشافهما لبنيته في 7 مارس. 1953 وبعد ستة أسابيع من هذا الاعلان نشر بحثهما في مجلة الطبيعة. وتأسيسا علي هذا البحث بدأ التساؤل عن سر الحياة فصدر كتاب للعالم الرياضي الأمريكي نوربرت وينر (1894-1964) في عام 1954 عنوانه الاستخدام الانساني للكائن البشري جاء فيه أن المنظومة الحية ليست جملة أعضاء ووظائف أعضاء إنما هي رسالة, ورسالتها تكمن في أنها ضد التفكك, أي ضد الموت. والاتزان هو العملية التي بفضلها تقاوم المنظومة الموت. بيد أن هذا الاتزان لا يتم بمعزل عن البيئة. فثمة علاقة جدلية بين المنظومة الحية والبيئة, ولهذا فعلي المنظومة التفاهم مع البيئة, وهذا التفاهم لا يستلزم المعرفة فحسب بل يستلزم وحدة المعرفة فتتداخل علوم الحياة مع علوم البيئة. وأي اختلال في هذا التفاهم من شأنه أن يفضي إلي المرض, وذلك لأن المرض يعني أن الانسان ليس علي ما يرام, ومن ثم فالصحة تعني أن الانسان علي ما يرام, وهو لن يكون علي ما يرام إلا في اطار وحدة المعرفة. ودليلنا علي ذلك مرض السرطان. فالسرطان ليس ثمرة بكتريا أو فيروس إنما هو ثمرة اختلال الاتزان إذ تكون لدينا خلية ثرية بالطاقة الحيوية وخلية فقيرة من هذه الطاقة فتأكل الأولي الثانية بأسلوب وحشي فيختل الاتزان بلا مقاومة. والرأي عندي أن المقاومة كامنة في وحدة المعرفة, فاذا دامت هذه الوحدة دامت معها الحياة. المزيد من مقالات مراد وهبة