الإسلام هو دين الفطرة الذى جاء صالحاً لكل زمان ومكان، فهو عقيدةٍ وشريعة وتهذيبٍ وسُلوك وحقٍّ وجمال يعالج شئونَ الحياة كلَّها, ومن أجلِ هذا لم يكن الإسلام ليتغاضَى عن نوازعِ النّفس البشريّة، فأقر ما تتطلَّبُه الفطرةُ البشريّة من سرورٍ وفرَح وجمال، وأحاط ذلك بسياجٍ من أدَب وفن إسلامى رفيع يبلُغ بالمتعةِ كمالَها وبالمرَحِ غايتَه وفق ضوابط أخلاقية محكمة. والجمال فى الأشياء من نعم الله تعالى علينا, ولقد ذكرنا سبحانه ببعض سبحات الجمال فى مخلوقاته الكونية التى سخرها لنا, قال تعالي: «انظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ». سورة الأنعام:99. وفى خلق السماء بما فيها من نجوم وكواكب, قال سبحانه: «وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِى السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ» سورة الحجر:16. وأمر الله سبحانه المسلم أن يكون جميلا ولا سيما يزداد جماله فى مواطن العبادة, قال تعالى: «يَا بَنِى آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ . سورة الأعراف:31. وقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْجَمَالَ، وَلَكِنَّ الْكِبْرَ مَنْ بَطَرَ الْحَقَّ ، وَغَمَصَ النَّاسَ». والجمال فى الإسلام يشمل جميع مناحى الحياة، وكان من عظمة الحضارة الإسلامية وتكاملها أنها لم تغفل الإبداع الجمالى الذى يشكل بعدا أساسيا فى الحضارة الإنسانية، واستلهم المسلمون النظرة الجمالية من آيات القرآن وأحاديث النبي. هذا ما أكده المشاركون فى الندوة التى نظمها مركز دراسات الحضارة بمكتبة الإسكندرية بعنوان »القيم الجمالية فى الحضارة الإسلامية« فى إطار جهود المكتبة لتجديد الخطاب الدينى والفكر الاسلامي، لإظهار القيم الجمالية السمحة للدين الإسلامى الحنيف. وناقشت الندوة عدة محاور جاء فى مقدمتها «علاقة السياسة بسماحة الإسلام»، و«فلسفة الجمال فى الحضارة الإسلامية»، و«جماليات الفن الإسلامي». و«الفلسفة والأدب فى العصور الوسطى الإسلامية». المآذن .. رموز وجمال جمالية التشكيل البصرى للمدينة الإسلامية تطبيقًا على عنصر المئذنة كرمز للإسلام والحضارة الإسلامية، كان عنوان الدراسة التى عرضها الدكتور كمال عناني، أستاذ العمارة الإسلامية، ورئيس قسم التاريخ، جامعة الإسكندرية، وتشرح الدراسة سمات وخصائص مفهوم الجمال فى الحضارة الإسلامية ومظاهر تحقيقها على المآذن كدراسة حالة. وتقوم منهجية البحث فى التركيز على تفسير العلاقة بين الإنسان وفن العمارة ودورها فى تنمية السلوك الجمالى تطبيقًا على إحدى عناصر العمارة الإسلامية وهى المئذنة وما تعكسه من إحساس بالشموخ باعتبارها كتلة جمالية تتعايش مع الفراغ الذى يحيط بها. وتطرقت الدراسة إلى أوجه الاختلاف والتمايز بين مآذن كل قطر من خلال بعض النماذج المختارة التى توضح أهميتها كظاهرة معمارية استخدمها المسلمون فى كل مكان فأصبحت طابعًا مميزًا لعمارتهم الدينية من الهند إلى الأندلس. أما الدكتورة حنان عبدالفتاح مطاوع، أستاذ الفنون الإسلامية بكلية الآداب، جامعة الإسكندرية، فقد عرضت القيم الجمالية فى الألوان ودلالتها فى الحضارة الإسلامية مع التطبيق على نماذج من المخطوطات العربية المصورة التى تبرز مدى براعة الفنان المسلم فى استخدام الألوان كعنصر جمالى ذى دلالة رمزية بصبغة إسلامية تعكس ثقافة مجتمعه. الفنون الأندلسية وفى دراسة حول فنون العمارة الأندلسية وأثرها فى الحضارة الأوروبية والتى جاءت تحت عنوان: «التواصل الفنى بين مملكة غرناطة وقشتالة» أكد الدكتور حسام أحمد مختار العبادى كلية الآداب، قسم التاريخ والآثار بجامعة الإسكندرية، ان مفهوم جمالية الفن القشتالى خضع لتأثيرات ثقافية ناتجة من التعايش المجتمعى مع مملكة غرناطة المتزامنة مع الإرهاصات الأولى للنهضة الحضارية القشتالية. وأن التأثير الناتج عن وجود مصدر فنى قوى متمثلًا فى مدينة غرناطة وريثة الحضارة الأندلسية التى كانت مصدر اهتمام ألفونسو العاشر، ليس فقط فى مجال العلوم المختلفة، بل أيضًا بمجالات الفنون والعمارة، ولم يكن هذا الاهتمام مقصورًا على ألفونسو العاشر فقط بل شمل أيضا ملوكا آخرين من ملوك قشتالة، مثل الملك دون بيدرو «القاسي» (1334-1369م) الذى بعث إلى السلطان محمد الخامس أحد ملوك بنى الأحمر بغرناطة يطلب منه البناءين والعرفاء لزخرفة قصره وبنائه على الطراز الغرناطي. ونستطيع أن نشاهد فى قصر أشبيلية عبارات باللغة العربية على نسق العبارات التى تزين قصور الحمراء، فنجد عبارة «ولا غالب إلا الله» و«العز الدائم لدون بترو حفظه الله»، إذً كان التأثر قد وصل إلى مداه فى العمارة، وأيضًا نجد هذا التأثر واضحًا على الفنون كما نرى فى عصا الكاردينال سيزنيرو (1436-1517م) التى عليها كتابة عربية غير مقروءة وكذلك فى بعض التحف الخشبية والخزفية كدلالة على التأثر بجمالية فنون مملكة غرناطة. ومن ثم لا يستبعد أن يصل هذا التأثير نفسه إلى صور المخطوطات، وخاصة فى أناشيد السيدة لأن الفن وحدة لا تتجزأ إذا تأثر منه فرع شد إليه الفروع الأخري. الخزف الإسلامى والفنون السريالية «جماليات الخزف الإسلامى وتأثيره على الفنون السريالية فى العصر الحديث» كانت دراسة هامة للدكتورة رضوى عبدالخالق أحمد، مفتشة آثار بقلعة قايتباى بالاسكندرية، ومن أهم المحاور التى سعت إليها الدراسة تأثير الخزفيات الإسلامية على الفنون السريالية فى العصر الحديث، مؤكدة أن بابلو بيكاسو أكثر الفنانين السرياليين تأثرا بفن الخزف الإسلامي، كما أن فن »المايولكا« الإيطالى نسبة إلى مدينة مالقة الإسبانية،وفتقول الباحثة ان الفترة الممتدة منذ القرن الثامن إلى القرن الثانى عشر الهجرى شهدت العديد من التأثيرات الفنية للخزف الأندلسى بكل ما يحمله من مؤثرات مشرقية على الخزفيات الأوروبية فى العصور الوسطى وعصر النهضة الأوروبية وبخاصة الخزف الإيطالى أو ما يعرف بالمايولكا الايطالية. وتشير الدكتورة رضوى عبدالخالق إلى أن لفظ «المايولكا» يطلق على الخزفيات التى أنتجت فى إيطاليا خلال عصر النهضة، وقد ربط بعض مؤرخى الفنون بين لفظ »المايولكا« ومدينة مالقة الإسبانية التى ذاعت شهرتها بإنتاج خزفيات ذات بريق معدنى رائع. وقد رجح هؤلاء أن لفظ »مايولكا« قد اشتُقَّ من اسم مدينة مالقة. وتؤكد رضوى عبدالخالق أن تأثير الخزف الإسلامى على الخزف الأوروبى امتد ليشمل فرعا آخر من فروع الفنون ألا وهو الفن السريالي. ويعتبر بابلو بيكاسو أحد أهم الفنانين ومؤسس الحركة التكعيبية الفنية هو حركة الوصل بين رسوم الخزف الإسلامى من جهة وبين الفنون السريالية من جهة أخري، فبالدراسة المتأنية لتراث بيكاسو الفنى والمتمثل فى لوحاته ومنحوتاته وبشكل خاص فى أوانيه الخزفية نجد تشابها ملحوظا يصل إلى حد التطابق فى بعض الأحيان بين تلك اللوحات والأوانى الخزفية وبين الخزف الإسلامى عامة وخزف الأندلس خاصة ليس ذلك من حيث المواضيع الزخرفية وتفاصيلها الدقيقة بل أيضا من حيث شكل الآنية. العمارة الإسلامية فى الهند ومن الأندلس إلى شبه القارة الهندية عرض الدكتور محمد على عبدالحفيظ، أستاذ العمارة الإسلامية، بجامعة الأزهر الجوانب الجمالية فى العمارة الإسلامية وزخرفة المبانى بأنواع شتى من الزخارف، والتى تطورت مع الزمن، ومن بين أنواع الفنون الزخرفية التى استعملها المسلمون المغول فى بلاد الهند فى زخرفة مبانيهم نوع من فن التطعيم على الرخام اصطلح على تسميته باسم «البيترا ديورا». حيث استخدمت فى زخرفة بعض المبانى الملكية المغولية بالهند طريقة جديدة فى الزخرفة تتمثل فى تطعيم المبانى بالأحجار الكريمة ونصف الكريمة وتعرف هذه الطريقة باسم «البيترا ديورا» Pietra Dura، كما تسمى أيضًا فى المصطلح المحلى الهندى باسم «منبت كاري»، وهذا الأسلوب من أغلى الأساليب؛ حيث يتم تلبيس أنواع من الأحجار الكريمة ونصف الكريمة والرخام المتعدد الألوان فى داخل الزخارف النباتية والهندسية والكتابات المحفورة على الرخام أو الحجر، وأهم الأحجار المستخدمة هى الرخام الأسود المعروف باسم «سنك موسي» والرخام المرقش والسماقى والغورى المستورد من أفغانستان، والعقيق وحجر الدم والفيروز والزبرجد، والكريستال وغيرها. ويعد ضريح اعتماد الدولة فى أجرا الذى أنشأته الملكة نور جهان لوالدها بين سنتى 1621-1627م مرحلة فاصلة فى تطور هذا الفن فى عصر المغول بالهند، وقد انتشرت هذه الطريقة بصفة خاصة فى عهد الإمبراطور شاه جهان (1628-1658م)، وأروع نماذجها توجد فى ضريح تاج محل بمدينة أجرا الذى بناه السلطان شاه جهان لزوجته المحبوبة أرجمند بانو بيجم، وتذكر المصادر التاريخية المعاصرة أن العمال المهرة الذين نفذوا أعمال التطعيم بالأحجار الكريمة استجلبوا من إيران، بالإضافة إلى بعض الصناع المحليين، وأن خامات الأحجار الكريمة تم استيرادها من بقاع شتى من العالم. ومن نماذج هذا الفن فى عصر شاهجهان أيضًا ديوان عامى وشيش محل وموتى مسجد فى قلعة أجرا، وفى لاهور استخدمت هذه الطريقة فى تنفيذ الكتابات على تركيبة مدفن السلطان جهانكير الذى بناه السلطان شاهجهان لوالده وتركيبة مدفن آصف خان والد ممتاز محل والذى أمر ببنائه أيضًا السلطان شاه جهان. المرأة بعيون الفقهاء وحول جمال المرأة يقول الدكتور محمد فهمى إمبابي، أستاذ الحضارة الإسلامية بكلية الآداب، جامعة طنطا، فى دراسة جاءت تحت عنوان: «المرأة الجميلة بعيون الفقهاء.. ابن عبد ربه نموذجا»: سعى عدد من الفقهاء فى البحث فى هذا الموضوع والكتابة فيه لتوضيح من هى المرأة الجميلة وذلك اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم الذى تحدث عن المرأة بشكل متكامل فى أحاديث عدة، منها (خير النساء من تسرك إذا أبصرت، وتطيعك إذا أمرت، وتحفظ غيبتك فى نفسها ومالك). ومن الفقهاء الذين شغلهم أمر المرأة وصنفوا فيه بعضًا من مصنفاتهم القيمة الفقيه ابن قيم الجوزية فى كتابه «أخبار النساء»، وابن عساكر فى «أعلام النساء»، والأصفهانى فى موسوعته «الأغاني»، والنويرى فى »نهاية الأرب«، وهناك مؤلفات السيوطى المتعددة فى هذا المجال. ومن الفقهاء الذين اهتموا بالكتابة عن المرأة (ابن عبد ربه) صاحب الموسوعة الشهيرة «العقد الفريد» حيث تناول المرأة فى مواضع متعددة، فمثلًا فى الجزء الأول تحدث عن «الوافدات على معاوية» وفى الجزء الثانى «من يضرب به المثل من النساء»، وفى الجزء السادس «قولهم فى التشبيب، وقولهم فى النحول، وقولهم فى التوديع»، وفى الجزء السابع «قولهم فى المناكح، وفى النساء وصفاتهن، وصفة المرأة السوء وعلامة الحب والبغض، وصفة الحسن، والمنجبات من النساء، ومن أخبار النساء»، وفى الجزء الثامن »فى المفاكهات، وما يكتب على العصائب وغيرها والمضحكات. ويضيف الدكتور فهمى إمبابي: هكذا نجده يتحدث عن المرأة بإسهاب وبتفصيل محاولًا رسم صورة واضحة للمرأة الجميلة خَلقًا وخُلقًا حسب تصوره. وقد اخترت المرأة الجميلة عند ابن عبد ربه لتكون محورًا لبحثى عن الجمال عند فقهاء المسلمين، فى محاولة لتوضيح الصورة التى ارتسمت لهم فى أذهان البعض بأنهم ضد جمال المرأة وزينتها، ووجدت أن خير مثال لذلك هو ابن عبد ربه صاحب «العقد الفريد».