جاءت المشاركة المصرية فى القمة الإفريقية وحضور السيد الرئيس لكل فاعلياتها لتؤشر بالفعل لمرحلة جديدة فى علاقات مصر الإفريقية، والمتتبع للمتغيرات التى ارتبطت بتلك المشاركة يدرك أننا أمام رؤية سياسية جادة تعيد للعلاقات المصرية الإفريقية مكانتها فى سلم أولويات السياسة الخارجية المصرية. وتبدو الظروف والتطورات الإقليمية مهيأة لانطلاق العلاقات المصرية الإفريقية لآفاق استراتيجية واعدة. المؤكد ان عودة دبلوماسية القمة للعلاقات المصرية الإفريقية اسهم فى اضافة زخم مهم لمسار العلاقات، فهى القمة الثالثة التى يشارك فيها السيد الرئيس، وإذا اضفنا للاهتمام الأصيل للخارجية المصرية بالملف الافريقى عبر السنين، إذا اضفنا له الدبلوماسية البرلمانية بعد انتخاب البرلمان الجديد وما ابداه من اهتمام بدعم أواصر الصداقة مع دول القارة الإفريقية بل والإعلان عن تشكيل لجنة خاصة معنية بافريقيا، لادركنا أننا نضع اقدامنا على مسار جاد يليق بما هو مأمول لهذه العلاقات المصيرية، فمصر حاضرة إفريقية بامتياز ومدخل القارة الشمالي، وصلة الربط بينها وبين عالمنا العربى وصلة القارة بالجار الأوروبى والأسيوى كذلك. ويلزم التنويه لشواهد عدة تجعلنا على ثقة فى حدوث تحول بالفعل فى مشهد العلاقات بين مصر وقارتها السمراء، فمع انضمام مصر نيابة عن دول الشمال لمجلس السلم والأمن الافريقي، بدأت مهام موازية كعضو منتخب على مقعد غير دائم بمجلس الأمن لمدة عامين مما سيجعل منها جسرا يعبر عن قضايا وهموم ونزاعات القارة على الساحة الدولية، علاوة على دورها الفاعل داخل مجلس السلم والأمن الافريقي، ومصر التى تسهم فى عمليات حفظ السلام فى ربوع القارة باتت مرشحة ايضا لقيادة القوة الافريقية فى شمال القارة، كما تستضيف القاهرة وزراء دفاع 27 دولة من دول الساحل والصحراء فى مارس القادم، ويمثل ملف الارهاب وتهديده لمستقبل القارة أحد أهم ركائز التحرك المصرى الافريقى المشترك فى المرحلة الحالية التى بات فيه الارهاب عابرا للحدود وتتواصل تنظيماته من شمال القارة لجنوبها مرورا بإقليم الساحل ووصولا حتى آسيا وأوروبا، كل هذا يستلزم أن تضع مصر كل خبراتها لحماية أمن وسلامة دول القارة والتى بات العديد منها مهددا من هنا الخطر الوجودي. وعكست القمة تقديرا لهذا الخطر وادراكا للحاجة لمصر بحكم مكانتها وقدراتها التنظيمية وما تملكه من خبرات ومعلومات فى مواجهة الارهاب بما يخدم أمن واستقرار القارة، وهو دور ستلعبه مصر بحكم مسئولياتها تجاه أمن واستقرار القارة ودولها. وبنفس الوعى بمخاطر الارهاب وضرورة مواجهتها كظاهرة بتضافر الجهود الاقليمية والدولية، تؤمن مصر ان التنمية والنهوض الاقتصادى هى أحد تحديات مواجهة الارهاب وهى ايضا ضرورة لبناء مجتمع افريقى سليم تتمتع فيه دوله باستقرارها الاقتصادي، فكانت المشاركة الافريقية السابقة فى مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادى مقدمة وكما وعد الرئيس السيسى لاستضافة اجتماعات اقتصادية دولية لصالح افريقيا وبالفعل ستستضيف القاهرة فى 21 22 فبراير الحالى بمدينة شرم الشيخ مؤتمر الاستثمار فى افريقيا بمشاركة رسمية مهمة ومن وفود اعمال وشركات ومؤسسات وبنوك افريقية ودولية. إذن مصر تدرك اهداف حركتها وابعادها مجددا فى القارة السمراء، تدرك تحدى الأمن وما يمثله الارهاب كمهدد للاستقرار، وكذلك تدرك الحاجة للتنمية للنهوض بمقدرات القارة واقتصاديات دولها، وهذان الركنان هما ركائز حركتنا فى المرحلة المقبلة، ولكن علينا ولضمان استمرارية التحرك واستقرار العلاقة ان نطور من أدوات الحركة تجاه القارة ولعل المبادرات الاقتصادية المهمة لدول مثل الهند والصين بل وكوريا وتركيا وروسيا تجاه القارة ما يدفعنا للتفكير فى تدارس الاعلان عن مؤتمر شرم الشيخ الافريقى الاستثمارى ؟؟ عن مبادرة مصرية اقتصادية تكون فى حدود نحو 500 مليون دولار توضع كخط ائتمانى لافريقيا تمول عمليات الشركات المصرية والصناعات المختلفة فى القارة مما سيفتح مجالا مهما وسوقا واعدة تتسابق عليها حاليا دول العالم المختلفة نحو افريقيا، ويدير هذا الصندوق أحد البنوك المصرية وعلى أسس تجارية على غرار بنك التصدير والاستيراد الهندى أو الصيني، ويضاف لهذه المبادرة التى تستفيد الشريك الافريقى وشركاتنا وصناعاتنا بنفس القدر يضاف لها تخصيص منح دراسية للطلبة الأفارقة فى الجامعة المصرية الخاصة والمملوكة للدولة على حد سواء وتلتزم كذلك جامعة بتقديم 20 منحة لخدمة المبادرة (تقدم الهند 1600 منحة دراسية)، لقد آن آوان ان تتحرك مصر تجاه قارتهات بقدر ما يتوقعه منها الكثير فلمصر دور ريادى بحق سياسيا وتنمويا واقتصاديا بحكم القدرات والتزاما بمسئولية الدور، ووعيا بما باتت إفريقيا فى حاجة إليه، فبدون مبادرة اقتصادية مصرية واضحة وعريضة ومؤثره تجاه افريقيا نكون قد تناسينا ان ماتحتاجه افريقيا هى المبادرة الاقتصادية ودعم خطط التنمية، وهى ستتيح لمن يعطى أن يحقق مكاسب بلا حدود وإلا لما تسابقت دول كبرى على الأسواق فى إفريقيا. بقى أن نشير إلى جوانب أخرى رئيسية فى استراتيجية تحركنا تجاه القارة وهى ضرورة أن يكون لكل وزارة خطة تحرك افريقية فى مجالات التخصص والتميز الذى تحظى به الوزارة المعنية كوزارات الصحة والزراعة والنقل والاسكان والبترول والكهرباء والرى والتعليم والتعليم العالى وبلا استثناء علينا كذلك احياء المبادرات المصرية الجادة التى طرحت فى أوقات سابقة وقطعت شوطا وتوقفت بسبب الظروف التى مرت بها البلاد، وعلى رأسها مبادرة انشاء محطة تليفزيون إفريقية تبث إرسالها من القاهرة، وهو المشروع الذى قطع اشواطا قبل توقفه، ومبادرة انشاء مركز طبى مصرى افريقى عالمى لمعالجة الأمراض المعدية والمتوطنة والايدز والمالاريا، ومركز للابحاث والعلوم، وغيرها من المبادرات الجادة التى كان مستهدفا من خلالها أن تكون مصر بحق واجهة العمل الإفريقى المشترك والجسر الذى يربط القارة بعالمنا العربي، والمدافع عن مصالحها وقضاياها دوليا. أنا على يقين ان القادة الافارقة يتابعون التحركات المصرية فى عهدها الجديد متطلعين لعلاقة تتفق مع تاريخ العلاقات ومكانة مصر، ولدينا كل الموارد والامكانات لتلبية هذه الاحتياجات، وأهم سلاح نملكه هو توافر الارادة السياسية لتحقيق ذلك. لمزيد من مقالات محمد حجازى