الحديث عن أسلوب إدارة المحميات الطبيعية عن طريق انشاء شركة متخصصة فى «الاستغلال الاقتصادى للمحميات الطبيعية» هو حديث الساعة بين المسئولين والمهتمين وعشاق الطبيعة والبيئة المصرية هذه الأيام، ما بين مؤيد ومعارض . بين هؤلاء وأولئك تطايرت الشائعات التى تؤكد أن مجلس الوزراء تراجع أو سحب قراره بالموافقة على تأسيس هذه الشركة، لكن وزير البيئة الدكتور خالد فهمى ينفى فى هذا الحوار، مع صفحة «البيئة»، أن يكون هناك أى قرار من مجلس الوزراء بذلك، موضحا الصورة الكاملة لملابساته، ومجيبا عن جميع الأسئلة. فى البداية قال الدكتور خالد فهمى: لسنا مختلفين عن العالم، ولابد من مواكبة ركب التطور، فكل الدول المتقدمة بل والتى تستثمر محمياتها بشكل جيد تتبع أسلوب إدارة محمياتها اقتصادياً بأسلوب الشركات المتخصصة ذاته، لأنها قادرة على الإدارة والتسويق السياحى والصون والحماية والتنمية والاستغلال الاقتصادى الأمثل، وحتى الدول القريبة منا التى حققت النجاحات نفسها تعتمد على ذلك مثل الإمارات وجنوب إفريقيا وموزمبيق، وغيرها، ومن هنا لابد من الاعتماد على الكوادر المصرية بتدريبها على المستوى العالمى نفسه. وأضاف الوزير: اعتمادنا على الشركة المتخصصة لا يعنى أننا نخصخص المحميات أو ندمرها لأنه يتم وفق ضوابط واشتراطات بيئة صارمة، ونبحث عن أسلوب إدارة حقيقية للمحميات الطبيعية تتيح فرصة الاستغلال الأمثل لها اقتصادياً عن طريق الجذب السياحى الذى يحقق الاستدامة والتنمية الحقيقية التى تحول دون حدوث أى تدمير أو سلبيات أو انتهاكات لأى عنصر من عناصر المحميات. و ما يقال عن إلغاء قرار مجلس الوزراء بإلغاء قرار إنشاء الشركة، أمر مغاير للحقيقة، بل العكس إذ إن مجلس الوزراء ينتظر أن تقدم وزارة البيئة دراسة الجدوى الخاصة بإنشاء تلك الشركة. اشتراطات صارمة وعن تفاصيل انشاء الشركة قال الوزير: عندما عرضت على مجلس الوزراء مواصفات وميزات وروائع عدد من المحميات الطبيعية مثل وادى الجمال ووادى الريان ووادى الحيتان وغيرها بالتفصيل، لكى يتم طرح الرؤى المثالية للاستفادة منها اقتصادياً عن طريق السياحة البيئية، قوبل ذلك بإعجاب شديد من مجلس الوزراء، وكان التوجه العام داخل المجلس ضرورة وضع تلك المواقع والمواقع المماثلة على خريطة السياحة البيئية، ومن هنا جاءت فكرة إعداد دراسة الجدوى البيئية للشركة المعنية بالاستغلال الاقتصادى لتلك المحميات بضوابط واشتراطات بيئية تحول دون المساس بأى من عناصرها أو حدوث أى تعديات عليها. لا خصخصة وفى إجابته عن سؤال حول رؤية البعض بأن ذلك بيع للمحميات أو يمنح الفرصة لتدميرها أجاب الدكتور خالد فهمى: على العكس، فإن الهدف من الشركة هو المحافظة عليها وتنمية محمياتنا الطبيعية وتراثنا، وليس إهدارها،فالمحافظة عليها تتطلب أسلوب إدارة من نوع خاص سواء إدارة علمية أو لوجستية متخصصة، وإذا كنا قد أنشأنا وافتتحنا - منذ أيام - متحف وادى الحيتان فى قلب هذا الموقع الفريد والوحيد بين المواقع المصرية فى قائمة التراث الطبيعى العالمى لليونسكو.. فإن لم تكن له خطة إدارة من خلال شركة متخصصة فهذا المتحف ستراه بعد عامين، وقد غطته الأتربة كأقرانه مثل متحفى «وادى الجمال» و«الصحرا البيضاء». وأضاف أن تلك الشركة تضمن الصون والحماية والتنمية والتسويق السياحى العالمى من خلال إدارة متكاملة لها أسسها وقواعدها، وهذا لا يعنى مطلقاً - كما يدعى البعض - خصخصة أو بيع أو استثمار مدمر، لأن المحميات ديوان عام لا يمكن أن تباع أو ترهن. أما عن سر الترويج فهذا لأن هذه المشروعات تتعارض مع مصالح البعض ممن يستغلون المحميات أو المستفيدين منها بشكل غير مشروع أو المعتدين عليها أو من يسهل الاعتداء عليها نظير مقابل ، أو ممن تم إزالة المخالفات التى يقومون بها أو تتم ملاحقتها مثل المخالفات التى تمت داخل محمية وادى دجلة من مستغلى الرخام، وكذلك الحال بالنسبة للغابة المتحجرة من مستغلى الرمال، إذ قاموا من قبل بالدخول للمحمية بعد تحطيمهم أجزاء من السور الذى تمت إقامته، وتكرر الشىء نفسه بعد إقامة بوابة، وبعد قبض شباب المحمية على بعض الأفراد منهم قاموا بإطلاق الأعيرة النارية عليهم، ثم تم ضبط 26 سيارة تحمل الرمال، وأصبح الأمر مسلسلا لاينتهى. ومن هنا بات حل وجود جهة أخرى تتولى ادارة وتنمية المحمية دون المساس بحدودها وعناصرها أمرا حتميا. متحف وادى الجمال وأضاف الوزير: لدينا أفكار كثيرة وبناءة على مستوى الاستغلال الاقتصادى للمحميات من خلال السياحة البيئية، مثل سياحة مشاهدة الطيور، والسياحة العلمية لمحميات الحفريات كالغابة المتحجرة ووادى الحيتان والديناصورات وغيرها، ولكن ضمان الاستدامة هو المهم حتى لا نفاجأ بأننا نقيم منشآت غاية فى الأهمية، ولا نستفيد منها، وهنا تبرز أهمية وجود شركات متخصصة فى هذا المجال. فقد أقمنا المقاصد السياحية لوادى الجمال بفكر جديد يتمثل فى كيفية ربط الساحل بالجزء البرى، وأنشأنا خطا سياحيا يبدأ من جزيرة وادى الجمال مروراً برأس حنكوراب ثم سوكيت المعبد الإيطالى، وهذا يمنح السائح فرصة أكثر من عرض سياحى حسب مدة إقامته التى يبغيها، والعرض فى مجمله مغر للغاية ومبهر فى الوقت ذاته، وربطنا كل ذلك ببرنامج لمشاهدة الطيور، وطبعاً كل ذلك تم تنفيذه. كما تم بناء مركز للزوار بوادى الجمال، وبناء متحف لتراث قبائل العبابدة، وللأسف لم يتم استغلاله لعدم وجود إدارة متخصصة، بل وقفت اللوائح والتعليمات حجر عثرة، ومن هنا كان لابد من التفكير فى نمط آخر مختلف يمكن من خلاله استغلال تلك المواقع كافة الاستغلال الأمثل اقتصادياً من خلال سياحة مستدامة دون المساس بتوازنها وعناصرها أو التعدى عليها. ولابد من أن يكون للسكان المحليين دور حيوى للمحافظة على المحمية، وهذا يتأتى من خلال ارتباط حياتهم اليومية وسبل تعايشهم بأنشطة المحمية. إهدار للمال ولكن هناك أماكن تكلفت الملايين، وما زالت الملايين تنفق عليها وهى مغلقة، ولا تتم الاستفادة منها مثل حديقة السلام بشرم الشيخ التى قيل إنها تكلفت 35 مليون جنيه، وتجاوز البعض المبلغ إلى أكثر من ذلك بوصول تكلفتها ومصاريفها حتى الآن لأكثر من 50 مليون جنيه، بل ويتم الصرف عليها حتى الآن دون فائدة؟ يقر وزير البيئة هنا بأن ذلك صحيح، فيقول: «أرض هذه الحديقة خصصت من المحافظة لكى تقوم الوزارة بإنشاء حديقة كرمز للسلام على أرض سيناء، ونحن لا نستطيع إدارتها.. ونصرف عليها سنوياً مبالغ كبيرة للصيانة والترميم، وفى العام الماضى فقط تم صرف 2،5 مليون جنيه، ويجب وضعها على الخريطة السياحية، ونتفاوض حالياً مع إحدى الشركات المتخصصة لإدارتها بنفس الاشتراطات البيئية. قانون السلامة الأحيائية ولكن ماذا عن القوانين المنظمة لذلك؟ ومتى يصدر قانون السلامة الأحيائية الذى طال انتظاره؟ أجاب الدكتور فهمى: »هناك القانون رقم 127 لسنة 2015، الذى صدر فى منتصف ديسمبر الماضي، وهو قانون سيحل الكثير من المشكلات فى الإدارة خاصة فى قطاع المحميات، وكذلك إدارة الأماكن مثل حديقة السلام التى ليست محمية طبيعية، وهو يسمح لأشخاص القانون العام بإنشاء شركات تقوم بمثل تلك الإدارات، وعموما وحتى فى الآثار يكون مسموحا بتلك الشركات لإدارة المواقع السياحية، فهل المواقع السياحية أقل من المحميات؟ واختتم الوزير حواره بالقول: «أما بالنسبة لقانون السلامة الأحيائية فقد تم التوافق عليه بين وزارتى البيئة والسياحة، ومجلس الوزراء، ثم تم تقديمه لمجلس الدولة، وفى انتظار عرضه على مجلس النواب لإقراره».