نحن جمعية لرعاية الأيتام نقوم بكفالة الأبناء داخل الجمعية حتى سن (21 عامًا) من جميع أوجه الرعاية (تغذية، ملبس، تعليم)، ونرجو من سيادتكم التكرم بإفادتنا بالآتي: فى أى سنٍّ يمكن أن تتوقف الكفالة المالية للأبناء؟ وهل يدخل فى كفالة اليتيم: كفالة مجهول النسب؟ وهل يمكن أن تتحول الكفالة إلى زكاة مال أو صدقة جارية للصرف على الأبناء؟ مع ملاحظة أن الكفالات تقوم بالصرف على الأبناء جميعا؟ أجابت دار الإفتاء المصرية، قائلة: إن كفالة اليتيم هى رعايته وتعهده بما يصلحه فى نفسه وماله، والكفالة على نوعين: ماليةٌ، وأدبية، وهى بنوعيها من أنواع التبرع، وفى الكفالة المتعارَف عليها بين مؤسسات المجتمع المدنى - والتى تقوم بها دُور الأيتام عمومًا - يبذل الكافل للمكفول المالَ والمنفعةَ معًا. فهى مُتَحَقِّقَةٌ شرعًا ويترتب عليها الثواب بحصول أَحَدِ نوعيها أو كليهما -الماليّ منها، والأدبي. وهى من أجَلّ الأعمال وأعظمها ثوابًا عند الله تعالى ورسولِه صلى الله عليه وآله وسلم؛ والشريعة قصدت بكفالة اليتيم رعايتَه فى جميع شئون حياته ومعيشته مأكلا ومشربًا وملبسًا ومسكنًا وتأديبًا وتعليمًا وتثقيفًا وزواجًا، وغير ذلك من ضروريات الحياة وحاجياتها، كما يصنع الوالدان بولدهما سواءً بسواءٍ، حتى يصل إلى مرحلة الاستقلال التامة نفسيًّا واجتماعيًّا وماليًّا بحيث يكون قادرًا على بناء أسرته قائمًا بشئونه مُنفِقًا على نفسه وعلى من يعول. وتحديد المرحلة أو السنّ التى يتم فيها استقلالُ اليتيم بنفسه رعايةً وكفايةً هو أمرٌ يخضع لحالته وقدراته الذاتية واستعداده النفسي، كما يخضع للعرف والنظام المجتمعى وطبيعة العصر الذى يحيا فيه، وهذا كما عليه المحققون من الفقهاء فى حد العطاء فى الزكاة، فيجوز إعطاءُ الإنسان من الزكاة حتى تُخرِجه من حدّ الحاجة إلى حدّ الغنى بل ويُعطى عند جماعةٍ مِن الفقهاء ما يُغنيه عمرَه كلَّه بتقدير العمر الغالب لأمثاله، وهذا يقتضى أنّ كفالة الأيتام تشمل توفيرَ فُرَصِ العمل لهم، فإن كان استعدادُ اليتيم متوائمًا مع الجانب الحِرفى أُنفِقَ عليه حتى يتقن الحرفة التى يمكنه أن يتمهَّر فيها، ثم أُعطِيَ من الآلات فى حرفته ما يكفيه لتمام نفقته، وإن كان صاحب عِلْمٍ أُعطيَ من المال ما يُغنِيه ويُفَرِّغه لهذا العلم من كُتُب وأُجرة تعلُّم ومعلِّم وغيرها، ومن ذلك مِنَح التفرغ التى تُعطَى لِمَن أراد الحصول على مؤهل علمى معين يناسب كفاءته العلمية وقدرته العقلية، أو حتى لمن يحتاج إلى هذا المؤهل العلمى للانسلاك فى وظيفة تُدِر عليه دخلاً يكفيه ومَن يعوله، حيث اقتضت طبيعة العصر وابتناء الوظائف وفرص العمل فيه على المؤهلات العلمية أن صار المؤهل بالنسبة له كالآلة بالنسبة للحِرَفى علاوة على ما يكتسبه فى ذلك من علم يفيده ويفيد أمته. وكذلك اليتيمة تَظَلُّ فى الكفالة حتى تتزوَّج، ويُنفَق عليها فى توفير جهازها وإحضار مستلزمات زواجها، وكذلك ذوو الاحتياجات الخاصة مِن الأيتام؛ يبقون فى الكفالة ما بقيَ احتياجُهم لغيرهم. ومجهولو النَّسَب لهم أحكام اليتامي، وكفالتهم تُعَدُّ مِن كفالة اليتيم، بل هم أَوْلَى بالعناية؛ فإنّ العِلَّةَ فى فضيلة كفالة اليتيم حِرْمانُه من أبيه، وهذه العلة مُتَحَقِّقَة فى مجهول النسب بصورة أشد تأثيرًا فى النفس وفى أمور الحياة التى تحتاج إلى مزيدٍ من العناية؛ لكون اليتيم معلومَ الأب، لم يلحقه عارٌ بموت أبيه، كما أنَّ له عائلةً ينتمى إليها، وأقاربَ قد يصلونه فى يوم من الأيام، أما هذا فجهالة نسبه قد تجعله عُرضةً لنبذ المجتمع، مع كونه لا أب له ولا أقارب يُنتَظر وصلُهم له أو سؤالُهم عنه، وليست له عائلة ينتمى إليها، ولذا كانت العناية به أوجب من اليتيم معروف النسب. ويجوز أن تكون كفالة اليتيم من أموال الزكاة، ويجوز الإنفاق على المكفولين مِن التبرعات والصدقات أيضًا؛ فإن الصدقة أمرها أوسع من الزكاة، حيث تجوز للفقير وغيره والمسلم وغيره؛ وكفالة اليتيم فى أصلها نوعٌ من أنواع التبرعات والصدقات. أما الصدقة الجارية فتكون فيما يجرى نفعُه وأجرُه ويدوم، وهذا إنما يُتَصَوَّر فيما لا يُستَهلَك مِن أعيان الصدقات، أى فيما تبقى عينُه لتدر نفعًا وفائدة لمن أُعطِيَتْ له أو وُقِفَتْ عليه.