هذه هى المرة الأولى - وأحلم أن تكون الأخيرة - التى أجد نفسى مرغماً على أن أكون بعيداً عن معرض القاهرة الدولى للكتاب. ورغم مشاركتى الدكتور هيثم الحاج علي، رئيس الهيئة، والدكتور محمود الضبع، نائب الرئيس، فى إعداد البرنامج الثقافى للمعرض وهذا يحدث منذ سنوات، والحضور والمتابعة كأنه اختبار عملى لما فكرنا فيه فى جلسات الإعداد. وقد تجسد فى الواقع. فى السنة الأولى التى أقيم فيها المعرض. فى أرض المعارض القديمة فى الجزيرة فى نفس المكان الذى توجد فيه الأوبرا والمجلس الأعلى للثقافة ومسرح الهناجر ومركز الإبداع والمركز القومى للترجمة وصندوق التنمية الثقافية الآن. كانت إقامة المعرض فكرة من الأشقاء العرب ليعبروا عن تضامنهم مع مصر الشقيقة الكبرى بعد تعرضها لعدوان السابع والستين. فى السنة الأولى وكانت السنة الأخيرة من ستينيات القرن الماضى، أقيم المعرض لأول مرة. كانت رئيسة الهيئة المصرية العامة للكتاب المرحومة الدكتورة سهير القلماوي. وكانت الأنشطة الثقافية المصاحبة للمعرض ندوة عن أدب الأطفال ودوره فى النهوض بأطفالنا. ثم معرض لآلات الطباعة التى كانت رائجة وسائدة فى ذلك الوقت. سنة 2020 يا ترى من يعيش ليتابع هذا الحدث على أرض الواقع؟ - سيكمل المعرض نصف قرن من عمره. استمر وما أكثر المتغيرات. تغيَّر الحكام وتبدلت الأوضاع ومع ذلك يبدو معرض القاهرة الدولى للكتاب ثابتا فى مواجهة كل ما جرى لبلادنا. فضلاً عن أنه أقدم معرض كتاب على مستوى العالم. لم يكن يسبقه سوى معرض فرانكفورت الدولى للكتاب. ومن حقنا أن نزهو على معرض فرانكفورت ونقول إن معرض فرانكفورت لعرض الكتب. لكن معرض القاهرة فيه أجنحة لعرض الكتب. وأجنحة لبيعها. بل واستحدث المرحوم الدكتور سمير سرحان عندما كان رئيساً للهيئة نشاطاً جديداً. حيث نقل سور الأزبكية من مكانه المطارد فى القاهرة لأن تكون له مساحة واسعة فى المعرض تشهد إقبالاً يتفوق كثيراً على أجنحة الكتب الجديدة. عند الإعداد للمعرض اقترحت وشاركنى الاقتراح محمد أبو الفضل بدران أن يكون صديق العمر جمال الغيطانى شخصية العام فى المعرض. وكان جمال لا يزال على قيد الحياة. ولم يكن قد رحل عن دنيانا هذا الرحيل المفجع والمفاجئ. جاء بعد مرض عانى منه فى سنوات عمره الأخيرة. جرى الإعداد للمعرض فى فترة سابقة على حكاية عضوية البرلمان. ولم أكن أتصور أبداً أنها ستشغل الإنسان حتى عن نفسه وحياته. لذلك أجد نفسى أمام واجبات ومشاركات فى المعرض كنت أتمنى القيام بها. ولا أعرف هل سأتمكن من هذا أم لا؟ ثمة مشاركات فى ندوات عن جمال الغيطاني. وكم هو مؤلم أن أكتب عنه بصيغة الغياب. وندوات عن نجيب محفوظ الذى يكمل عشر سنوات على رحيله هذا العام. من الأنشطة ندوة عن الدكتورة فاليريا كيربتشينكو، صاحبة الفضل علينا جميعاً، وأول من ترجم أدبنا إلى الروسية. فضلاً عن أنها والدة السفير الروسى فى القاهرة الآن الصديق سيرجى كيربتشينكو. بل وندوة فى المقهى الثقافى الذى يديره الشاعر والمثقف شعبان يوسف عن روايتي: قسمة الغرماء. كما أبلغتنى الشاعرة عزة رياض، التى ستشترك فى مناقشتها. أهمية المعرض أن معظم الناشرين يصدرون كتباً نراها لأول مرة فى أجنحة المعرض. يحتشدون طوال العام لأن يكون المعرض لحظة الحقيقة بالنسبة لهم. وعيدنا السنوى لكى نلتقى بالجديد. نأخذه إلى منازلنا، نودعه مكتباتنا لكى يصبح الزاد والزواد على مدى عام كامل. نتابع ونقرأ ونتأمل فى انتظار المعرض القادم. من طرائف المعرض أن وزارة التموين والتجارة أعلنت أنها بالتعاون مع وزارة الثقافة ومؤسسة بتانة. وكما كتبت أخبار الأدب فبتانة مشروع ثقافى يشمل دار نشر ومنفذاً لبيع الكتب عبر الإنترنت وموقعا لتوزيع الكتب مجاناً بعد الإجابة عن أسئلة ثقافية. قالت المؤسسة إن القارئ يدفع 5% من سعر الكتاب. وحملت لنا الصحف أن وزير التموين والتجارة الخارجية خالد حنفي. أعلن أن المبادرة تتضمن خصم 90% من قيمة أى كتاب خلال فترة المعرض لحاملى بطاقة التموين. وذلك عند الشراء من الجناح المقام تحت مسمي: مبادرة كتاب ورغيف. بالإضافة إلى منح عدد 1000 أسرة تحقق أعلى فارق نقاط سلع كل شهر. كتاباً مجاناً. ويستمر ذلك لمدة عام. قال وزير التموين إن هذه المبادرة تأتى تحقيقاً لمبدأ الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني. وبناء صورة ذهنية مشتركة بين الرغيف والكتاب بوصفهما مكونين أساسيين لأى تنمية مرتقبة. كذلك مكافأة المواطنين وتحفيزهم على تحقيق معدلات استهلاك حقيقية من الرغيف المدعوم ونشر الثقافة ورفع معدلات الإفادة من المنتج الثقافى المصري. فكرت أن أكتب تساؤلات خاصة بالمشروع. ولكن لأنه مجرد فكرة مطروحة لا بد من الانتظار لحين تنفيذها فى أرض الواقع إن كان سيعقب الكلام الإعلانى عنها إجراء فى المعرض. وسيكون ثمة جناح مخصص لها. لكن يبدو أن هذه المبادرة وأنا لا أحب كلمة مبادرة منذ مبادرة 1979 عندما سافر الرئيس السادات إلى القدسالمحتلة أقول عن المبادرة التموينية الثقافية إنها جرى الاتفاق عليها على عجل ودون دراسة متأنية. وأخشى أن يكون الهدف الثلاثى منها احتلال مساحات فى الصحف. عموماً نحتكم للتجربة ونتابعها بعد نهاية المعرض. من حيث المبدأ كل محاولة لأن يوجد الكتاب فى أى مكان حتى ولو فى دكان بقال التموين أمرٌ حميدٌ ويجب أن نشجع عليه حتى ننهى غربة الكتاب فى حياتنا اليومية التى طالت أكثر مما ينبغي. لكن السؤال: أى كتاب يمكن أن يقدم لمن يتعامل مع بطاقة التموين؟ كيف يتم اختياره؟ وما هى الموضوعات التى يتحدث عنها؟ وهل سيكون كتاباً يساعد المواطن الأمى على محو أميته؟ أم أنه ينتمى لفروع القراءة الرشيدة التى كانت تعلم الأطفال فى أزمنة جميلة مضت ولن تعود أبداً، غسل اليدين قبل الأكل وبعده. يقول لنا الفلاسفة إن الطريق إلى جهنم قد يكون مفروشاً بالنيات الحسنة. ولذلك كنت أتمنى أن ندرس ما نقدم عليه بعناية قبل أن نعلنه للناس. لمزيد من مقالات يوسف القعيد