مع الدخول في عمق الشتاء، وما شهدته مصر، خلال الأيام والأسابيع الماضية، من أمطار غزيرة، وسيول، واضطرابات في الأحوال المناخية، علاوة على نفوق الأسماك بكميات كبيرة في نهر النيل، والحوادث المتتابعة لتسرب الزيوت في نهر النيل، والبحر الأحمر، وغيرها من الأزمات.. يحذر الدكتور محمد عبد الرحمن فوزي، الخبير الدولي في التنمية المستدامة، والحد من مخاطر الكوارث،والرئيس السابق لقطاع إدارة الكوارث بمركز معلومات مجلس الوزراء، من بطء التحرك الرسمي لمواجهة هذه الأزمات، الأمر الذي يفاقم آثارها، ويزيد مخاطرها، في ظل عدم تحديد المسئول عن مواجهتها، نظرا لتداخل المسئوليات بين الجهات والوزارات المعنية. يدعو الدكتور فوزي - في البداية - إلى تفعيل الاستراتيجية الوطنية لمواجهة الكوارث والأزمات، التي نجحت مصر في وضعها، من خلال مجلس الوزراء، مشيرا إلى أنها ما زالت حبيسة الأدراج، ولم تر النور حتى الآن، كما لم تقم أي وزارة من الوزارات، أو مؤسسة من مؤسسات الدولة بوضع خطتها لتفعيلها، كأن جهدا لم يتم! وفي حوار لصفحة «شئون البيئة» مع الخبير الدولي أكد أن الدولة وضعت بالفعل خططا عدة للتعامل مع الكوارث والأزمات، ومن بينها الخطط القومية لمواجهة السيول والزلازل والجفاف والحرائق الكبرى، كما أصدرت دليلا للإجراءات العامة لإدارة الأزمات والكوارث، ودليلا آخر للإجراءات الواجب اتخاذها لإخلاء المراكز التجارية الكبرى في حالة الطوارئ. كما وضعت الدولة خططا أخرى كثيرة، وأعدت استراتيجية وطنية للتعامل مع الأزمات والكوارث والحد من أخطارها في ديسمبر 2010، وكذلك الاستراتيجية الوطنية للتكيف مع التغيرات المناخية والحد من مخاطر الكوارث الناجمة عنها في يونيو 2011. لكن معظم هذه الاستراتيجيات المهمة، بحسب الدكتور فوزي، لم يُفعل، لذلك يجب إعادة النظر في طرق وأساليب إدارة الكوارث والأزمات، وفق قوله. ويوضح أن الكوارث التي تتعرض لها مصر تتراوح بين طبيعية مثل: السيول والجفاف وانتشار الأوبئة والأمراض والانهيارات الأرضية وموجات المد البحري، أو كوارث من صنع الإنسان مثل الحرائق وحوادث النقل والمواصلات والتغيرات المناخية وانتشارالتلوث وتسرب المواد الخطرة وغيرها. حديث الإحصاءات وتشير الإحصاءات الى تعرض مصر إلى نحو عشرين كارثة طبيعية في الفترة من 1978 إلى 2008 نتج عنها نحو 1500 قتيل، وبلغ عدد المتضررين منها قرابة 260 ألف متضرر، فيما بلغت خسائرها المادية مليارا و342 مليون دولار. أما الكوارث من صنع الإنسان فتفوق ذلك بكثير، إذ قدرت خسائر حوادث الطرق وحدها بنحو 8 آلاف قتيل سنويا، علاوة على الخسائر الفادحة الناتجة من انتشار الأمراض والفيروسات وآثار تغير المناخ المعروفة. وكل هذا يقتضي - وفق الخبير البيئي - منهجا علميا دقيقا في التعامل مع الكوارث أيا كان نوعها في مراحل ما قبل وفى أثناء وما بعد حدوث الكارثة، وهو ما اهتمت الاستراتيجية الوطنية بتحقيقه على مستوى البناء المؤسسي والتشريعي، ونشر الوعي بين أطراف المجتمع كافة. إجراءات واجبة وهنا يؤكد الدكتور فوزي أنه اذا كان على مصر أن تهتم بتحقيق التنمية المستدامة لتحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي مع حماية البيئة فإن عليها أيضا أن تضع مواجهة الكوارث والأزمات الطبيعية والبشرية في أولوياتها إذ تؤدي هذه الكوارث إلى تقويض نتائج التنمية وإهدارها كما تؤدي إلى إعاقتها. ويحدد الإجراءات الواجب اتخاذها لمواجهة أي أزمة أو كارثة طبيعية أو تسبب عنها التصرف الخاطئ للإنسان، ونتج عنه آثار بيئية خطيرة، فيقول: على مستوى البناء المؤسسي لابد أن يتم فورا إنشاء مركز وطني للحد من مخاطر الكوارث والأزمات على أن يكون مستقلا تماما، وله شخصية اعتبارية وموازنة مستقلة، ويتبع مباشرة رئيس مجلس الوزراء، ولا يتبع أي وزارة أو هيئة حتى يمكنه التعامل بنجاح مع الوزارات وأجهزة المحافظات كافة، تمشيا مع متطلبات منظمات الأممالمتحدة المعنية، خاصة في مجالات الرصد والمتابعة المستمرة. ويشدد على ضرورة أن يتم استكمال المنظومة الوطنية للحد من مخاطر الكوارث والأزمات وإدارتها في جميع الوزارات والمحافظات مع التحديد الدقيق لاختصاصات هذه التقسيمات في جميع كيانات الجهاز الإداري للدولة بما يحقق اللامركزية والشفافية وسرعة الاستجابة، مشيرا إلى أن القرار الذي أصدره رئيس مجلس الوزراء رقم 1537 يحقق المهام والواجبات الأساسية لهذه الكيانات. كما يجب أن تنفذ الوزارات والمحافظات والهيئات التزامها بالاستراتيجية الوطنية، وأن تقدم خططها التفصيلية في مجال إدارة الأزمات والكوارث، والتدابير الواجب اتباعها بما في ذلك أنظمة الإنذار المبكر لمواجهة أي كارثة أو أزمة، والأمانة الفنية لمواجهة الأزمات بمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء. أما على المستوى التشريعي فلابد - بحسب الخبير البيئي - من تحديث التشريعات القائمة كي تواكب التطورات الوطنية والإقليمية، مع تحقيق التكامل التشريعي للتعامل مع الكوارث، والعمل على أن تكون التشريعات المحلية ملبية لمتطلبات الاتفاقيات الدولية والإقليمية التي انضمت مصر إليها.