اذا أردت أن تعرف سر قوة الإخوان, عليك أن تبحث عنهم في مقاعد المعارضة وليس علي كراسي السلطة, التي عندما طلبوها تقرر عزلهم بعد استنفار الشعب ضدهم وهم يستحقون ما جري لهم. فإن ما فعله المشير أمس عندما تجاهل دعوة حزب الاغلبية في الاجتماع الطارئ الذي دعا اليه كل الاحزاب السياسية ماهو إلا بداية في طريق عودتهم إلي مقاعد المعارضة من جديد.. ان لم تكن هناك تداعيات أخري تعيدهم مرة أخري إلي عصر المحظورة ماذا جري وماذا حدث وكيف وصلت الأمور إلي الدرجة التي يطبق فيها العزل علي الاخوان دون المساس بمن يستحق العزل وهو أحمد شفيق.. وفيما يلي الحكاية من البداية: لأول مرة يوجه الكتاتني وعلي الهواء مباشرة إنذارا شديد اللهجة الي الدكتور الجنزوري, بأن يتقدم باستقالته خلال48 ساعة وإلا.. قوة الإنذار تكمن في أنه ليس موجها الي الدكتور الجنزوري فقط.. وإنما كان مصوبا وفي نفس الوقت الي المجلس العسكري المسئول دستوريا عن تعيين وإقالة الحكومة, اذا كانت مرفوضة من الأغلبية في البرلمان المنتخب, في يوم الأحد, فوجئت الأغلبية بالغياب التام للحكومة برغم أن البرلمان أبلغها بأن جدول الأعمال يتضمن7 استجوابات مقدمة من النواب ضد رئيس الوزراء والوزراء, الذين كان يتعين حضورهم الجلسة للدفاع عن أنفسهم بعد أن قرر البرلمان سحب الثقة من الحكومة.. انتهت مهلة الإنذار ولم يفعل الجنزوري شيئا, بل تحدي البرلمان هو ووزيرته الحديدية فايزة أبوالنجا, التي ردت علي الكتاتني حينما كشف أن الحكومة لم تقدم حتي الآن الموازنة العامة للدولة قائلة: إن الإعلان العسكري لم يلزمنا بوقت نقدم فيه الموازنة للبرلمان, وقد ظهرت الوزيرة أمام الرأي العام وكأنها لا يهمها تسيير شئون الدولة وتدبير احتياجات الشعب في الموازنة الجديدة.. المهم هو الانتصار علي البرلمان.. كان الكل يرصد الكتاتني هل يتراجع عن الإنذار ويستجيب لدعوات لم الشمل وهي دعوات غير بريئة, بعد أن انكشف أصحابها عندما أعلنوا رفضهم لاتهام الجنزوري بالخيانة وكانوا قد وصلوا للتو الي الجلسة بعد أن احتفي بهم الجنزوري في مكتبه.. وبعد أن استمع الكتاتني الي رأي أقطاب الاخوان الي جانب نائب الكرامة الناصري سعد عبود, الذي طلب من الجنزوري أن يستقيل ويقتدي برئيس وزراء مصر في العشرينيات عدلي يكن, الذي قدم استقالته بعد تصفيق البرلمان ضده, قال الكتاتني من منطلق مسئوليتي في الحفاظ علي كرامة المجلس وكرامة أعضائه, فأنا أقترح تعليق جلسات مجلس الشعب لمدة7 أيام بعد أن غابت الحكومة التي تستقوي بالمجلس العسكري ولم تستجب حتي للتعديل الوزاري. وكان المستشار الخضيري رئيس اللجنة الدستورية بالبرلمان قد فجر قنبلة من العيار الثقيل, عندما أعلن رفض اللجنة الدستورية للوثيقة التي اتفق فيها المشير مع الأحزاب السياسية حول معايير تأسيسية الدستور.. وقال الخضيري وهو قاض مستقل, إن الوثيقة محاولة للافتئات علي دور البرلمان كما أنها تتجاهل المادة60 من الإعلان الدستوري التي خصت البرلمان بغرفتيه شعب وشوري بإعداد معايير اختيار الجمعية التأسيسية ووصفها بعض النواب بأنها اهانة كبري, والأخطر أنهم قالوا إنها لن تكون ملزمة للبرلمان الذي كان ينعي حظه وهو يتنقل من حفرة قانونية الي بؤرة دستورية, وهو يشهد مصرع قانون العزل الذي عجز عن عزل شفيق في ظل دراما دستورية جرت وقائعها داخل كواليس اللجنة الدستورية المشرفة علي الانتخابات علي النحو التالي: نحن لن نسأل لماذا؟ نحن فقط نرصد قصة عودة شفيق الي السباق بداية من الفترة التي لم يكن قد صدر فيها القرار بعودته.. فإن اللجنة العليا للانتخابات قررت استبعاد شفيق بل وقامت بشطب اسمه من كشوف المرشحين المعتمدين المعلنة أسماؤهم في صحيفتين قوميتين طبقا للقانون, وعلي الرغم من أن اللجنة رفضت كل التظلمات المقدمة من المرشحين المستبعدين, وبرغم صدور تصريحات من بعض أعضائها بأنه لا رجعة عن استبعاد شفيق لعدم وجود جديد في مركزه القانوني, إلا أن اللجنة قررت إعادة شفيق لسباق الرئاسة من جديد, بعد يوم واحد من قرارها باستبعاده, ليصبح شفيق هو المرشح الثالث عشر في كشوف المرشحين, والرابع في سلسلة الرؤساء العسكريين الذين حكموا مصر منذ ثورة23 يوليو وحتي ثورة25 يناير, إذن نحن لم نكن نبالغ عندما قلنا إن اللجنة تمتلك اختصاصات شبه إلهية, فقد ثبت أن اللجنة تحيي وتميت, هي التي أصدرت القرار المفاجئ بموت سليمان وهي التي أصدرت القرار المفاجئ بإعادة أكسير الحياة الي شفيق, برغم أنهما من صلب واحد ومرجعية واحدة, وينطبق عليهما قانون واحد وهو قانون العزل المسجل باسم عصام سلطان, الذي لم يكتف بالقول بأنها فضيحة وانما مارس حقه في تقديم دعوي قضائية ضد فاروق سلطان.. ليكون سلطان في مواجهة سلطان.. في أول تجربة عملية تخوضها اللجنة الرئاسية قبل أن تقوم بتسمية الرئيس الجديد, تبين أن اللجنة تمتلك قوة قتل ثلاثية.. الأولي إدارية وهي تفحص الأوراق, والثانية قضائية وهي لا تصدر إلا أحكاما نهائيا, والثالثة سياسية لأنها أعطت الأولوية لإجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها, لكن علي حساب التقاليد والأعراف الدستورية التي كانت تفرض علي اللجنة ألا توافق علي قبول تظلم شفيق إلا بعد الحكم بعدم دستورية قانون عزله, إلا أن اللجنة استبقت الحكم وقامت بتنصيب نفسها علي اعتبار أنها محكمة علي حد توصيف المستشار زكريا عبدالعزيز والفقيه الدستوري نور فرحات وآخرين حينما أحالت وهي ليست جهة اختصاص, قانون العزل الي المحكمة الدستورية التي لديها فسحة من الوقت تصل الي45 يوما للبت في القانون, لتكون الانتخابات قد انتهت وتم انتخاب الرئيس الجديد, وأنا اختلف في الرأي مع بعض رجال القانون الذين يشككون في بطلان الانتخابات الرئاسية بافتراض أنها ستجري في موعدها بسبب ما جري مع شفيق اعتمادا علي أن المحكمة الدستورية يمكن أن تحكم بدستورية قانون العزل, أو إعادته مرة أخري الي اللجنة.. فالحقيقة علي الورق وعلي أرض الواقع, أنه من شبه المستحيل أن تصدر المحكمة الدستورية حكما يتعارض مع قرار اللجنة الدستورية, خاصة أن رئيسهما واحد.. صحيح أنه يمكن ألا يرأس الرئيس جلسة المحكمة علي اعتبار أنه الرئيس للجنة.. إلا أننا لا نملك في النهاية إلا أن نقول.. إن للبيت الدستوري ربا يحميه. المزيد من مقالات محمود معوض