ما بين خطاب عنصرى متشدد يربط بين الإسلام والإرهاب، وغياب التواصل من جانب المؤسسات الدينية فى البلاد الإسلامية، يتعرض المسلمون فى الغرب لمشاكل كثيرة ويتحملون أخطاء الآخرين دائما، فالمراكز الإسلامية التابعة لبعض الدول العربية تسيطر عليها الاتجاهات المتشددة، وساد التعصب المذهبى والطائفى والذى أدى إلى اعتناق المبادئ ذات العنف الفكرى والمسلح. وانخرطت أعداد كثيرة من شباب هذه البلاد فى صفوف التنظيمات الإرهابية كالدواعش وغيرها. على الجانب الآخر تحين اليمين المتطرف الفرصة، وزادت حدة «الاسلاموفوبيا» عقب أحداث باريس، وتزايدت الممارسات العدائية ضد المسلمين فى كثير من الدول الغربية بعد تصاعد الخطابات العنصرية والتمييز ضد الجالية المسلمة فى أوروبا تحت وقع التأويل المغلوط لآيات القرآن الكريم، وانتشر سيناريو الخوف، الذى تُلوِّح به منذ فترة طويلة الحركات اليمينية المتطرفة فى الدول الغربية. علماء الدين من جانبهم أكدوا على ضرورة التصدى لهذه الظاهرة، من خلال المؤسسات الدينية فى البلاد الإسلامية، وذلك من خلال تصحيح المفاهيم وبيان عظمة الإسلام، وأنه دين السلام والتسامح. والتواصل مع الأقليات فى الغرب، لتصحيح المفاهيم وتوعية الشباب. وأوضح العلماء أن غياب التوعية والتواصل مع الأقليات الإسلامية فى الخارج، فى ظل انضمام عدد من الشباب للتنظيمات الإرهابية، يتطلب أن يكون هناك مركز علمى متخصص يعنى بفقه الأقليات، وذلك بهدف تصحيح الأفكار وبعض ممارسات الأقليات الإسلامية، التى تحدث نتيجة الفهم الخاطئ لتعاليم الدين. وأكد علماء الدين أن غالبية المراكز الإسلامية بالدول الغربية بحاجة ملحة وضرورية الى مرجعية فقهية وسطية صحيحة، حتى تستقيم الأمور هناك، كما أطلقت دار الإفتاء عدة حملات موجهة إلى أوروبا والغرب لتصحيح صورة الإسلام. إيفاد المتخصصين الدكتور عبد الفتاح العواري، عميد كلية أصول الدين بالقاهرة جامعة الأزهر، كان له تجربة ثرية مع المناهج الإسلامية فى الجامعات والمراكز الإسلامية فى أوروبا فى أثناء مشاركة وفد أزهرى كبير فى المؤتمر الدولى الذى نظمته جامعة استراسبورج بفرنسا، حول آليات تدريس العلوم الإسلامية فى المرحلة الجامعية، حيث رأى أن أغلب مراكز الثقافة الإسلامية فى أوروبا لا تتبع الأزهر، وبالتالى فإن مادتها الفقهية ومرجعيتها تكون متنوعة حسب بلد المنشأ والتمويل، وقلما تجد مركزا يتبع الأزهر فى المنهج والتعليم والدعوة والموعظة، كما ان مفكرين كثيرين فى الغرب حينما نقابلهم، ويقولون لنا دائما إن المراكز والجامعات الإسلامية فى الغرب بحاجة ماسة إلى مناهج الأزهر الوسطية. وإيصال منهج الأزهر - وهو الذى يمثل الفكر الوسطى المعتدل المستنير - إلى المراكز الثقافية الإسلامية فى الغرب، يكون من خلال إيفاد المتخصصين الدارسين للعلوم الشرعية المتقنين للغات تلك البلاد التى يذهبون إليها، وهذا ليس بالأمر الصعب، فمنذ عشرات السنين يوجد قسم فى كلية اللغات والترجمة للدراسات الإسلامية باللغات الأخرى مثل الفرنسية والإسبانية والإنجليزية والألمانية وغيرها، ويعنى هذا القسم بدراسة المواد الشرعية باللغات غير العربية. وأوضح أن هذه البلاد تحتاج إلى أعداد غفيرة من الدعاة الوسطيين أصحاب الفكر المعتدل. قوافل الأوقاف وزارة الأوقاف من جانبها وضعت خطة شاملة لتصحيح المفاهيم ومواجهة الفكر المتطرف، بإيفاد الأئمة المتميزين للخارج، بالإضافة لترجمة ونشر معانى القرآن الكريم باللغات الأجنبية المختلفة، وكذلك ترجمة خطبة الجمعة الموحدة لعدد من اللغات الأجنبية. ويؤكد الشيخ محمد عبد الرازق، رئيس القطاع الدينى بوزارة الأوقاف، أن الوزارة لديها خطة شاملة للتواصل مع الأقليات فى الخارج من ناحية، وتصحيح صورة الإسلام من ناحية أخري، والتأكيد على أن الإسلام هو دين السلام والتسامح، وذلك يتم من خلال ترجمة الكثير من مطبوعات المجلس الأعلى للشئون الإسلامية باللغات المختلفة، والتى تحمل الكثير من الردود على الشبهات، وتبين سماحة الإسلام، وتتناول قضايا تبرز عظمة الحضارة الإسلامية، وأن الإسلام طالب بحفظ النفس والمال والعقل. مشيرا إلى أن الوزارة تتوسع فى برامج التدريب، وتعمل على تأهيل الأئمة والدعاة، وذلك لنشر القيم والأخلاق والرد على الشبهات، ودراسة اللغات الأجنبية المختلفة، كما أن الوزارة تستعين بالأئمة الذين يجيدون اللغات الأجنبية، وذلك لترجمة الكتب التى تواجه الفكر المتطرف وتنشر عظمة الإسلام، وبالنسبة للإيفاد للخارج، فالوزارة تعمل بكل جهد لتأهيل الأئمة المتميزين، هذا بجانب إنشاء عدة صفحات على مواقع التواصل بلغات مختلفة, بلغت سبع عشرة لغةً لمواجهة التطرف ونشر الفكر الإسلامى الصحيح، ونشر ترجمة معانى القرآن الكريم بست لغات هي، الإنجليزية, والفرنسية، والألمانية, والأسبانية, والصينية, والكورية، وهناك أربع ترجمات أخرى فى إطار الإعداد النهائى للنشر. فقه الأقليات وفى سياق متصل يؤكد الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، أن فقهاء الشريعة الإسلامية وضعوا أحكاما فقهية تخص الأقليات الإسلامية، وخصوصا فى باب المعاملات، وذلك لمراعاة الأحوال والأعراف والعادات، موضحا أن هذه نظرة ثاقبة، تدل على صلاحية الشريعة الإسلامية لكل زمان ومكان، ويلاحظ أن اجتهادات الفقه التراثية راعت العرف، وجعلته من الأدلة الشرعية فقال الله تعالى خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ »، ولذلك لابد من إنشاء مركز علمى تابع للمؤسسات الدينية الرسمية، وهى مشيخة الأزهر أو وزارة الأوقاف أو دار الإفتاء، ويعنى هذا المركز بفقه الأقليات، لإيجاد الحلول للنوازل عندهم فى الأمور المختلفة. وحول دور المؤسسات الدينية والهيئات الإسلامية فى التواصل مع الأقليات، يرى أن المراكز الإسلامية التابعة لبعض الدول العربية تسيطر عليها الاتجاهات التعصبية، وصار السجال عنيفا بين الاتجاهات التى تسيطر على هذه المراكز، ولذلك لابد من ضبط هذه المراكز لتقوم بدورها المنشود، فى إرشاد الناس إلى الحق، بعيدا عن التعصب، مؤكدا أن التعصب المذهبى والطائفى أدى لاعتناق المبادئ ذات العنف الفكرى والمسلح، ولوحظ أن أعدادا كثيرة من شباب هذه البلاد انضم للتنظيمات القتالية كالدواعش وغيرها، وهذا يؤكد على ضرورة أن تقوم المؤسسات الدينية فى البلاد الإسلامية بدورها فى التواصل مع الأقليات فى الغرب، لتصحيح المفاهيم وتوعية الشباب. الإرهاب لا دين له من جانبه يرى الدكتور مختار مرزوق عبد الرحيم عميد كلية أصول الدين بأسيوط، أن ما يحدث للمسلمين فى الخارج، يتناقض مع ما ترفعه هذه الدول من أنها واحة للديمقراطية، فهذا الخطاب العنصرى دليل واضح على ما تتعرض له الأقليات الإسلامية فى الخارج، ورغم أن هذا العمل يعد تصعيدا، فى مقابل العمليات الإرهابية التى تحدث فى بلادهم، إلا أنه يجب أن يفرق الغرب بين العمليات الإرهابية التى تحدث فى بلادهم وهؤلاء ممن يعيشون فى بلادهم مسالمين. ويشير إلى أن غياب التواصل مع الأقليات الإسلامية أدى لوجود بعض الممارسات التى تحدث نتيجة فهم خاطئ لتعاليم الدين، ولذلك لابد من دور مهم للمؤسسات الدينية فى البلاد الإسلامية للتواصل مع المسلمين فى الخارج، ويرى أن الدول الإسلامية الكبرى تستطيع أن تساعد المسلمين فى الغرب بأمور كثيرة لمواجهة هذه الأزمات والتغلب عليها، وذلك ببيان أن كل ذلك مخالف لتعاليم القرآن والسنة النبوية الشريفة، ونشر صحيح الإسلام بعدد من اللغات عبر شبكات التواصل الاجتماعي، والبرامج الفضائية، وطباعة الكتب باللغات المختلفة.