حال التأمين الصحي لا يخفي علي أحد، بسبب نقص الموارد، وقلة الإمكانات، وهو نفس حال مستشفيات وزارة الصحة، ونفس مستوي جودة الخدمة الصحية الحالية، وبدلا من أن ينشغل وزير الصحة الحالي د. أحمد عماد برفع مستوي الخدمة الصحية وتحسين أحوال التأمين الصحي وجعله نموذجا ناجحا أولا، ثم تعميمه ثانيا. يسعي الوزير إلي تعميم الفشل، فهو يريد تعميم التأمين الصحي بوضعه الحالي بدلا من انتشاله من مشكلاته، ودعمه بالموارد اللازمة وتطويره. هي مشكلة أولويات تقع فيها وزارة الصحة ووزيرها الحالي، وكان من الأفضل أن تضع الوزارة استراتيجية متكاملة للوضع الصحي المتفاقم، الذي ازداد سوءا وتأزما في الفترة الأخيرة، بدلا من أن يتفرغ الوزير لتعميم التأمين الصحي بوضعه الحالي. أزمات الوضع الصحي الحالي لا تتوقف بدءا من نقص أسرة الرعاية المركزة التي بات الحصول علي سرير منها يحتاج إلي معجزة من السماء، ومرورا بطوابير الانتظار في عمليات القلب والأورام والعظام، وحتي مشروع علاج الكبد من فيروس سي الذي كان يسير بمعدلات ممتازة أصابه الارتباك في الفترة الأخيرة بسبب معارك الوزير فيه، مما تسبب في طول قوائم الانتظار، وتعثر المشروع الذي كان من المشروعات العظيمة التي تولتها الدولة مؤخرا، وسخرت له كل الإمكانات اللازمة. تعميم التأمين الصحي أمل وحلم عظيم، لكن قبل التعميم لابد من رفع مستوي التأمين الصحي، وحل مشكلاته، وإعادة هيكلته من جديد، فالتأمين الصحي الحالي يعمل بمعزل عن باقي المنظومة الصحية، فله مستشفياته الخاصة به، ولا يتعامل مع المستشفيات الأخري إلا في أضيق نطاق، وبشروط قاسية، كما أن له صيدلياته الخاصة به، ولا يسمح للمرضي بصرف الأدوية من خارجها، وأيضا له الأطباء المعينون أو المتعاقدون معه، ولا يسمح بالتعامل مع باقي الأطباء، وبالتالي صنع التأمين الصحي «جيتو» منفصلا له يعمل فيه بعيدا عن باقي أطراف المنظومة الصحية. من يتابع الشأن الصحي الآن يصاب بصدمة من تردي الأوضاع الصحية، والمشكلات المتفاقمة في المستشفيات، وللأسف فإن الوزير مشغول بتعميم التأمين الصحي بوضعه الحالي ليزداد سوءا وترديا، ويترك الأزمات الصحية تتفاقم، والمرضي معذبون في البحث عن سرير رعاية أو سرير في حضانات الأطفال. لم نسمع تصريحا واحدا من سيادة الوزير عن حل مشكلة الرعاية المركزة، ولا عن حل مشكلة حضانات الأطفال، ولا عن قوائم انتظار مرضي القلب أو الأورام وغيرها من تلك المشكلات المحفوظة في قطاع الصحة عموما، وقطاع التأمين الصحي خصوصا. في تصوري أن قطاع الصحة هو من أهم القطاعات التي يجب الاهتمام بها، وتطويرها، وحل مشكلاتها في إطار متكامل بعيدا عن الجزر المنعزلة، وفي إطار رؤية متكاملة للنهوض بهذا القطاع، وإلي جوار ذلك، وبشكل متواز، تتم إعادة النظر في التأمين الصحي الحالي، وعدم إضافة جدد إليه إلا بعد الارتقاء به وتطويره ليصبح هو النموذج الأفضل في قطاع الخدمة الصحية، والبداية لابد أن يتحول التأمين الصحي إلي مشتر للخدمة يتعامل مع كل أنواع المستشفيات (عامة وتعليمية وخاصة)، ويتعامل مع كل الصيدليات، ويتعامل مع كل الأطباء، ويقدم خدمة مميزة للمستفيدين منه حاليا في مدي زمني معين، ثم بعد ذلك يتم توسيع مظلة التأمين الصحي ومدها إلي شرائح جديدة بعد الاطمئنان إلي جودة الخدمة الصحية المقدمة منه. ما يحدث الآن هو وضع العربة أمام الحصان، ومحاولة لتعميم الفشل، وإهدار المال العام في تجارب ربما تكون ناجحة، وربما تكون فاشلة، وبما أننا في وقت لا يحتمل التجارب، ولا يحتمل الفشل أو النجاح، علي الحكومة أن تعيد النظر في سياستها الصحية الحالية، وتضع استراتيجية متكاملة للنهوض بجودة الخدمة الصحية، وفي القلب منها التأمين الصحي، في إطار جدول زمني محدد، ثم بعد ذلك تبدأ المرحلة الثانية، وهي البدء في تعميم التأمين الصحي إجباريا للمحرومين من العلاج التأميني بجميع أنواعه، مثل المزارعين، وعمال اليومية، والسيدات وغيرهم من الفئات المحرومة، ثم اختياريا ممن لهم نظم تأمين صحي مختلفة تغطي لهم نفقات العلاج والدواء، أما التفكير الحالي لوزارة الصحة فهو تفكير يشبه شخصا يهرب من المشكلة ليقع في مشكلة أكبر منها دون أن يكون جادا في حل تلك المشكلة أو غيرها. لمزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة