لبنان الذي طالما تغني بمنتجاته من التفاح والعنب والموالح والخضراوات، يصدرها لكل بقاع الأرض من الخليج وحتي أستراليا، أصبح يئن تحت وطأة توقف التصدير وخسارة المليارات نتيجة إغلاق الحدود التي تعبر منها شاحنات الفواكه إلي سوريا فالأردن ثم دول الخليج ذات الأسواق الاستهلاكية الكبيرة. ومما زاد الطين بله أن القمامة تراكمت في مدن لبنان منذ يوليو الماضي بعد توقف الشركة التي تجمعها عن العمل بعد انتهاء مدة عقدها مع الحكومة، وبعد مداولات ولجان واجتماعات تقرر تصدير النفايات للخارج بتكلفة تقترب من 200 دولار للطن الواحد. وبدلا من تصدير الفواكه اللبنانية، أصبح حديث الشارع هو تصدير النفايات، بعد استمرار الأزمة السورية التي تضرب تصدير المنتجات الزراعية اللبنانية في مقتل، فمنذ اندلاع الأحداث الدامية في سوريا توقف تصدير المنتجات اللبنانية برا عبر سوريا إلي الخليج، مما ألحق خسارة فادحة بالمزارعين اللبنانيين، في ظل عدم القدرة علي تصريف منتجاتهم، وعدم قدرة الدولة علي تعويض خسائرهم، فتهاوت أسعار بعض المنتجات الزراعية، وترك الكثير من المزارعين محاصيلهم علي أشجارها دون جمعها الذي يكلف أكثر من ثمن البيع، فتساقطت الثمار خاصة الموالح علي الأرض تحت الأشجار. ومع الفشل في البحث عن مخرج للمنتجات المصدرة إلي دول الخليج، تزداد خسائر لبنان الاقتصادية نتيجة ما يحدث في سوريا، بالإضافة إلي ضرب المواسم السياحية اللبنانية في مقتل بعد تحذير دول الخليج رعاياها من السفر إلي لبنان خوفا علي حياتهم، خاصة بعد عدة عمليات إرهابية طالت أماكن لبنانية في طرابلس وعرسال والضاحية الجنوبية ببيروت. وتُشكل الزراعة في لبنان ثالث أهم القطاعات الاقتصادية في البلاد بعد قطاع الخدمات والصناعة، ويُساهم هذا القطاع بقرابة 7% من الناتج المحلي الإجمالي، ويؤمن دخلا لحوالي 15% من السكان، وتشمل المحاصيل الرئيسيّة: الحبوب، القمح والشعير بشكل أساسي، الفاكهة والخضار، الزيتون، العنب، والتبغ، يُضاف إليها عدد من رؤوس الماعز والغنم التي تُربي في المزارع وعند بعض الرعاة. وتُعتبر الخضر والثمار والفواكه من أبرز صادرات المنتجات الزراعية، اذ بلغت قيمتها عام 2005 حوالي 68 مليار ليرة لبنانية، ويصدر لبنان برا إلي الأسواق العربية الخضار والفواكه والمواد الغذائية والمعلبات وآلات ومعدات كهربائية ومواد أولية للصناعات الكيماوية. وبلغت صادرات لبنان عام 2014، وفق إحصاءات رسمية، أكثر من 920 مليون دولار إلي دول مجلس التعاون الخليجي وقرابة 256 مليون دولار إلي العراق، وتحتل السعودية والإمارات والعراق قائمة الدول المستوردة من لبنان. وبعد إغلاق الحدود مع سوريا يتعرض 35% من الصادرات اللبنانية اليوم للخطر، وأصبح قطاع التصدير البري هو القطاع الثاني المتضرر بعد السياحة في لبنان بسبب الحرب السورية المستمرة منذ أربع سنوات. ووفق إحصاءات وزارة الزراعة اللبنانية، فإن هذا القطاع يؤمن نحو 6% من الدخل الوطني ويشغل ما بين 20 و30% من اليد العاملة ويمثل نحو 17% من قيمة الصادرات. وعودة إلي النفايات التي سيصدرها لبنان فإن مشكلتها بدأت مطلع يوليو الماضي بتكدس أكوام القمامة بالشوارع والميادين وسط عجز الحكومة عن إيجاد حل جذري للمشكلة بعد انتهاء عقد الشركة المكلفة بجمع القمامة، وذلك يعود إلي إغلاق مطامر النفايات وعدم البحث جديا عن مطامر بديلة لحرق النفايات أو تدويرها، الأمر الذي دفع وزير البيئة محمد المشنوق لعقد جلسة مناقصات للشركات الراغبة في جمع القمامة، وبعد إرساء المناقصات علي أربع شركات تتبع رجال أعمال مقربين من سياسيين لبنانيين، اعترض من لم يأخذوا جزءا من تورتة القمامة، فعادت المشكلة إلي نقطة الصفر، وسط تحركات شعبية كبيرة في تظاهرات حاشدة بقلب العاصمة بيروت تحت مسمي "طلعت ريحتكم"، وهو الأمر الذي جعل حكومة رئيس الوزراء تمام سلام تكلف وزير الزراعة أكرم شهيب بالبحث عن حل وبعد شهور من المناقشة تم اعتماد مبدأ ترحيل النفايات للخارج لمدة 18 شهرا حتي يتفق الجميع علي حل يرضي جميع الأطراف ومؤيديهم من المواطنين حسب مناطق لبنان المختلفة، والطريف أن لبنان الذي كان يصدر التفاح والموالح والخضراوات ويجني ملايين الدولارات من بيعها في الخليج وسوريا والأردن سيصدر النفايات ويدفع حوالي 200 دولار مقابل جمع الطن قبل التصدير، فإلي متي يتم تصدير القمامة وبقاء الفواكه والخضراوات في حقولها باحثة عن مخرج عبر الحدود المغلقة مع سوريا وتوقف التصدير لأسواق الخليج التي كانت تستهلك أغلب المنتجات الزراعية اللبنانية قبل حدوث الأزمة السورية؟.