أفضل ما نودع به عاما، ونستقبل به آخر، هو الخوف من الله تعالى، ومراقبته في كل صغيرة وكبيرة، لذا جدد حياتك بخشية الله، وابدأ عامك بمخافة الله، تهنأ، وتسعد. ولبيان أهمية "الخوف من الله"؛ لابد من معرفة معناه، فالخوف والوجل والخشية والرهبة، كلها ألفاظ متقاربة لكنها غير مترادفة. فالخوف هو: اضطراب القلب وحركته نتيجة تذكر المُخوِّف.(ابن القيم)، أو هو عبارة عن تألم القلب، بسبب توقع مكروه مستقبلا. والخشية: أخصُّ من الخوف، وهي للعلماء بالله. (أبو حامد الغزالي). والرهبة هي الإمعان في الهروب من المكروه، وهي ضد الرغبة التي هي سفر القلب في طلب المرغوب فيه، وبين الرهب والهرب تناسب في اللفظ والمعنى يجمعهما الاشتقاق الأوسط، بحسب "ابن القيم". أما الوجل، فهو خوف مقارن للتعظيم، والإجلال، وأكثر ما يكون مع المحبة، والمعرفة. وفي الخشية من الله تعالى قال سبحانه: "إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ". (فاطر:28). فهو خوف مقرون بمعرفته سبحانه. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ أَتْقَاكُمْ وَأَعْلَمَكُمْ بِاللَّهِ أَنَا". (البخاري). وهنا يتجدد السؤال: هل نعيش الخوف من الله تعالى، واقعا في أقوالنا، وأعمالنا، أم نبقى على ما نحن عليه، من موت القلوب، وغياب الضمائر، وعدم الارتداع, لدى كثيرين، في العام الجديد؟ لقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي، ولجوفه أزيز، كأزيز المرجل من البكاء.. فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم - مُسْتَجْمِعاً قَطُّ ضَاحِكاً حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ، إنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ". (اللهاة: اللحمة المشرفة على الحلق). وكان أبو بكر، رضي الله عنه، يمسك لسانه، ويقول: "هَذَا الذي أَوْرَدَنِي الْمَوَارِدَ". وكان عمر ، رضي الله عنه، يسمع الآية فيمرض فيُعاد أياما، وكان في وجهه خطان أسودان من البكاء. وكان مجرى البكاء في خد ابن عباس - رضي الله عنه - كالشِراك البالي. وقال علي: "وَاللَّهِ، لَقَدْ رَأَيْتُ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا أَرَى الْيَوْمَ شَيْئًا يُشْبِهُهُمْ، لَقَدْ كَانُوا يُصْبِحُونَ صُفْرًا شُعْثًا غُبْرًا، بَيْنَ أَعْيُنِهِمْ كَأَمْثَالِ رُكَبِ الْمَعْزِ، قَدْ بَاتُوا لِلَّهِ سُجَّدًا وَقِيَامًا يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَيُرَوِّحُونَ بَيْنَ جِبَاهِهِمْ وَأَقْدَامِهِمْ، فَإِذَا أَصْبَحُوا وَذَكَرُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، مَادُوا كَمَا تَمِيدُ الشَّجَرُ فِي يَوْمِ الرِّيحِ، وَهَمِلَتْ أَعْيُنُهُمْ حَتَّى تُبَلَّ ثِيَابُهُمْ، وَاللَّهِ لَكَأَنَّ الْقَوْمَ بَاتُوا غَافِلِينَ". (يقصد أهل زمانه). أما عن خوف التابعين من الله عز وجل، فقد كان "علي بن الحسين" إذا توضأ اصفرَّ وتغيَّر، فيُقال: مالك؟ فيقول: أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم؟ وبكى "عمر بن عبد العزيز"، فبكت فاطمة، فبكى أهل الدار.. لا يدري هؤلاء ما أبكى هؤلاء، فلما تجلى عنهم العبر، قالت له فاطمة (زوجته): بأبي أنت يا أمير المؤمنين، ممَ بكيت؟ قال: ذكرت يا فاطمة منصرف القوم من بين يدي الله عز وجل، فريق في الجنة، وفريق في السعير، قال: "ثم صرخ، وغشي عليه". وهذه تذكرة من أحد الدعاة: "ليس يعلم أحد إلا الله: كم من الليالي كنا نقضيها نستعرض حال الأمة، وما وصلت إليه في مختلف مظاهر حياتها، ونحلل العلل والأدواء، ونفكر في العلاج، وحسم الداء، ويفيض بنا التأثر لما وصلنا إليه إلى حد البكاء". نعم.. لك أن تتخيل شكل الحياة، وهي مزينة بالخوف - حقا - من الله.. أدعو الله أن نكون ممن يخشون ربهم، لا سيما مع العام الجديد. قال تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ". (الملك: 12). [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد