هل يمكن لمصرى عاقل أن يكره ليلى مراد، ذات الصوت الحريرى، لمجرد أنها ولدت يهودية الديانة؟ مستحيل! على كل حال، وقبل أن تتوجه بالنقد إلى دونالد ترامب، مرشح الرئاسة الأمريكية، على تصريحاته البغيضة التى أدلى بها مؤخرا ضد المسلمين، خلال حملته الانتخابية، عليك أولا- كى تكون أمينا مع نفسك- أن تسأل نفسك هذا السؤال ثم تجيب بمنتهى الصراحة: هل أنت تكره أى إنسان يهودى على وجه الأرض لمجرد انتمائه للديانة اليهودية، أم أنك فى الواقع تكره الإسرائيليين الصهاينة الذين اغتصبوا أرض فلسطين، وشردوا أشقاءك الفلسطينيين فى مشارق الأرض ومغاربها؟ لو كانت إجابتك: نعم أكره كل يهودى (بمن فى ذلك ليلى مراد!) لأنه يؤمن بالديانة اليهودية فأنت آنئذ لا تختلف كثيرا عن ترامب، بل إن كليكما فى الحقيقة تقفان- أيديولوجيا- فى قارب واحد. أما إذا كانت إجابتك هى: لا.. لست أكره اليهود على إطلاقهم، بل أكره كل من ظلم فلسطينيا واغتصب حقه.. فأنت حينئذ يكون معك الحق كله فى انتقاد ترامب، وكل من حذا حذوه، أو لفّ لفه. فماذا قال ترامب واستوجب عليه اللعنة؟ قال إن على الأمريكيين أن يقوموا على المسلمين الأمريكيين( لاحظ.. الأمريكيين!) فيطردونهم من الولاياتالمتحدة، وأيضا أن يحظروا دخول أى مسلم من البلاد الأخرى إلى أمريكا. فكيف كان رد اليهود أنفسهم على ما قاله ترامب؟ لقد خرج( اليهودى) مارك زوكربيرج، مؤسس موقع فيس بوك الشهير، وشن حملة شعواء على ترامب، ووبخه بأقسى كلمات التوبيخ( المبطن!) تعالوا نقرأ ما قاله زوكربيرج بالحرف نظرا لأهميته. قال: أضم صوتى إلى كل الأصوات الداعمة للمسلمين فى مجتمعنا( يعنى الأمريكى!)، ولا يمكننى تخيل مقدار الخوف الذى يعيشه المسلمون الآن بسبب الاضطهاد الذى يتعرضون له الآن نتيجة أفعال ارتكبها غيرهم. وأضاف زوكربيرج- فى بيانه الذى نشره عبر صفحته على «الفيس»: لقد علمنى أبى وأمى أننا يجب أن نتصدى للهجمات على جميع الطوائف. وحتى إذا كان الهجوم ليس موجها إليك اليوم، فإنك لا تضمن أنه سوف يتوجه إليك أنت غدا، لأن الهجوم على حرية أى أحد يضر الجميع. لقد تعمدنا أن ننقل كلمات زوكربيرج هنا كاملة كى نخلص منها إلى عدة نتائج. أولا: أننا يجب ألا نكره أى إنسان لمجرد اختلافه معنا فى الديانة، لأن الدين فى نهاية المطاف هو لله رب العالمين، «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة»، كما تعلمنا من قرآننا الكريم. ويترتب على ذلك أن المنتمى لأى دين غير دينك، إذا لم يؤذك، واحترم حياتك، وعرضك، وأرضك، ومالك، فليس منطقيا أبدا أن تكرهه هكذا كراهية مجانية. إنك ساعتئذ تكون أحمق مثل ترامب تماما. طيب.. هب أن شخصا آخر- يزعم أنه ينتمى لدينك- بينما هو إرهابى سادى مؤذ ومتعصب، يسفك الدم، ويذبح الناس جهارا نهارا.. هل أحبه هكذا حبا مجانيا، لمجرد أنه يدّعى انتماءه للإسلام؟ كيف والإسلام هو دين السلام والحب وإعمار الكون؟ ألا نحيّى- نحن المسلمين- الناس فنقول السلام عليكم؟ وثانيا: فإن بعض الانتهازيين المرتزقة، الذين يستخفون بعقول البسطاء الطيبين من الناس، بحثا عن مكاسب خاصة بهم، يستخدمون ورقة الدين لركوب عقول هؤلاء العوام الطيبين. وهنا فإن المطلوب من العقلاء ذوى الوعى والحكمة والتدين الحق، أن يقفوا بالمرصاد لهؤلاء البغاة، فيكشفوا زيفهم، ولعبتهم الرخيصة. وثالثا: إن أى دعوة للكراهية والعنف والتخريب- أيا كان داعيها- ينبغى الوقوف فى وجهها بمنتهى الحزم والصرامة، لدحضها وتفنيدها.. وإلا فإن هؤلاء المتعصبين- فى أى دين ومن أى ملّة- سيكونون قد حققوا غايتهم الذميمة. على أى حال، فإنه بالنسبة لترامب، نحسب أن تصريحه الممقوت هذا قد أدى إلى خسارته الانتخابات قبل أن تبدأ؛ ليس فقط لأنه ظلم المسلمين وأهانهم، لكن- وأساسا- لأن المجتمع الأمريكى يتكون أصلا من جميع أجناس الأرض، ويضم كل الديانات، بل وحتى غير المتدينين بأى دين.. وبالتالى فإن دعوة ترامب البلهاء تلك تضرب الأساس الأخلاقى لقيام أمريكا- التى يريد أن يحكمها- فى صميم الصميم.. وهاهى الإدانات تسقط فوق رأسه من كل حدب وصوب. .. ويبقى الدور على دعاة الكراهية عندنا.. فهل قمنا نحن إزاءهم باللازم؟ لمزيد من مقالات سمير الشحات