الناس الأشد فقراً هم الأكثر تضرراً من الفساد لأن ما يدفعونه من رشاوى يبلغ الضعف مقارنةً بالأثرياء،ويزيد إساءة استغلال السلطة الفقر ويحرم الناس من احتياجاتهم الأساسية.تحذير أطلقته منظمة الشفافية الدولية من عواقب الفساد فى دول إفريقيا جنوب الصحراء ضمن دراسة كشفت عن أن 75 مليون إفريقى فى 28 دولة اضطروا لدفع رشاوى لفئات فى مقدمتهم أفراد الشرطة ورجال الأعمال ومسئولون حكوميون وقضاة وبرلمانيون وكبار مسئولين فى مكاتب رؤساء الدول!. الدراسة نُشرت نتائجها قبل أيام ولم تشمل للأسف دول إفريقيا العربية،فلسنا مجتمعاً من الملائكة والأفارقة زُمرة من الشياطين،ومن أبرز نتائجها أن تقديم الرشاوى لم يحدث فقط للحصول على احتياجات أساسية للمواطن وإنما أيضاً للهروب من العقاب فى أقسام الشرطة والمحاكم. وأفادت بأن 35% من نحو 43 ألف إفريقى تم سؤالهم أعربوا عن مخاوفهم من عواقب الإبلاغ عن فساد وأن واحداً فقط من كل عشرة دفعوا رشاوى أبلغوا عنها.لذلك طالبت بالتركيز على حماية الذين يبلغون عن الفساد وبالعمل على زيادة وعى الناس بكيفية الإبلاغ والجهات التى يمكن إبلاغها.وقال المشاركون فيها إن أكثر الدول الإفريقية فساداً ليبيريا والكاميرون ونيجيريا وسيراليون فى غرب إفريقيا بنسبة 69% و48% و41% على التوالى ثم أوغندا وكينيا فى الشرق بنسبة 38% و37% وزيمبابوى وزامبيا فى الجنوب بنسبة 22% و17% بينما أقلها فساداً بوتسوانا وموريشيوس بنسبة 1% فقط وجزر الرأس الأخضر بنسبة 2%. ولم يسلم حتى رجال الدين من الاتهام حيث قال 15% إنهم فاسدون وكذلك زعماء القبائل التقليديون بنسبة 21%. نتائج الدراسة تعيد تذكير الحكومات الإفريقية بضرورة التحرك لمواجهة هذا الخطر الذى يزيد الأعباء على كاهل المواطن البسيط ويتسبب فى نهب جزء كبير من ثروات الشعوب وتهريبها ووضعها فى حسابات الفاسدين بالخارج وإثارة سخط الرأى العام فتندلع الاضطرابات والصراعات العرقية. كما أن الفساد مع عوامل أخرى مثل الحروب الأهلية يجعل الدولة غير مهيأة لتلقى استثمارات خارجية لتحديث الاقتصاد ورفع مستوى المعيشة ويدفع رأس المال الوطنى للهروب إلى مناطق استثمار خارجية أكثر أمناً ونزاهة مما يحرم الاقتصاد الوطنى من الاستفادة منها فى تحديث البنية التحتية. وسبق أن حذر تقرير لمنظمة مكافحة الفقر فى سبتمبر 2014 من أن الفساد يعوق الاستثمار ويقلل معدل النمو الاقتصادى ويزيد تكلفة الأعمال ويحرم الحكومات من موارد ضرورية للاستثمار فى الرعاية الصحية والأمن الغذائى والبنية التحتية ويمكن أن يؤدى إلى قلاقل بينما لو تم استئصاله فى دول إفريقيا جنوب الصحراء لأُضيف 10 ملايين طفل للتعليم سنوياً وتوافر 500 ألف مدرس جديد للتعليم الابتدائى والعلاج لنحو 11 مليون مريض بالإيدز زيادة على الذين يحصلون عليه حالياً. وانتهى خبراء فى دراسات أخرى إلى أن الدول التى يقل لديها حجم الفساد تنخفض فيها تكاليف الإنتاج بنسبة 20% وأن الفساد يزيد انتشار الجريمة المنظمة وتجارة المخدرات وتهريب الأموال وغسلها والتحويلات المالية غير المشروعة لتمويل الإرهاب. حجم الفساد فى إفريقيا يكاد لا يُصدَّق من فرط ضخامته.فبينما يموت مئات الآلاف جوعاً سنوياً ويعانى عشرات الملايين نقص الغذاء ويعيش معظم أبناء القارة على أقل من دولارين للفرد يومياً ولاتتوافر الأموال اللازمة لعلاج الملايين من الأمراض أعلن البنك الدولى وبرنامج الأممالمتحدة للتنمية ومنظمة الشفافية أن إفريقيا هى أعلى مناطق العالم فساداً وأن دولها فشلت فى حل هذه المشكلة. تؤكد ذلك إحصائيات سابقة من بينها أن 683 مليار دولار تم تهريبها من إفريقيا فى الفترة من 1970 إلى 2010 تكفى لسداد كامل ديونها الخارجية من بينها 100 مليار من نيجيريا التى يكلفها الفساد 12 مليار دولار سنوياً فى قطاع البترول وحده.وكشف تقرير لمنظمات مجتمع مدنى إفريقية وبريطانية العام الماضى أن مسئولين أفارقة نهبوا وهرَّبوا 35 مليار دولار من صفقات فاسدة وضرائب تتهرب من دفعها الشركات العاملة فى إفريقيا. كما ذكرت تقارير أن المسئولين الفاسدين فى جنوب إفريقيا نهبوا نحو 50 مليار دولار منذ سقوط نظام حكم الأقلية البيضاء وتولِّى الأفارقة السود الحكم عام 1994،وتم نهب وتهريب ستة مليارات دولار من الكونغو-كينشاسا بين عامى 1970 و2008. والسؤال الذى يتبادر إلى الأذهان:أليس فى إفريقيا حاكم نزيه يحاول تخليص شعبه من براثن الفاسدين؟. الجواب:نعم حاول بعضهم ومازال لكن النتيجة كانت الفشل بسبب تغلغل الفساد فى كل أجهزة الدولة بما فيها القضاء والجيش أو الانقلاب على الحاكم انتقاماً من جانب قادة عسكريين فاسدين أوبتدبير وتمويل شركات تضررت من قراراته. ففى نيجيريا يصارع محمد بخارى الفاسدين حالياً واكتشف اختلاس مليارى دولار كانت مخصصة لشراء أسلحة ومعدات حديثة للقضاء على بوكو حرام،وأقال رئيس تنزانيا الجديد جون ماجوفولى إدارة ميناء دار السلام الحيوى بعد اكتشاف خروج 2500 حاوية بضائع دون دفع جمارك،وفصلت حكومة غانا 20 قاضياً ثبت بالفيديو تلقيهم رشاوى. لكن من السابق لأوانه معرفة ما إذا كانوا سينجحون أم ييأسون أويُطاح بهم. لمزيد من مقالات عطيه عيسوى