انطلقت، أمس، فعاليات مؤتمر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية الخامس والعشرين والذى يعقد بمدينة الأقصر، تحت عنوان « رؤية الأئمة والعلماء حول تجديد الخطاب الدينى وتفكيك الفكر المتطرف» تحت رعاية رئيس الجمهورية. بحضور الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، والدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف ووزراء الثقافة والآثار، ومحمد بدر محافظ الأقصر، والدكتور شوقى علام مفتى الجمهورية، والدكتور أسامة الأزهرى ومستشار رئاسة الجمهورية، والمئات من الأئمة والدعاة وعلماء الأزهر. ورئيس جامعة القاهرة جابر نصار وعلماء ومفتين ل45 دولة عربية وأوروبية وأفريقية وإسلامية. ويأتى المؤتمر ضمن فعاليات مواجهة التطرف وتنشيط السياحة بالأقصر، حيث تتضمن فعاليات المؤتمر ورش عمل وجلسات استماع للائمة حول رؤيتهم لتجديد الخطاب الديني، وجولات سياحية بالأقصرعلى مدى يومين.
وفى كلمته بالجلسة الافتتاحية للمؤتمر قال الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، إنه آن الأوان أن نتجه بمؤتمراتنا هذه إلى وجهة علمية، مقترحا أن نلجأ إلى اجتهاد جماعي، يدعى إليه كبار علماء المسلمين، ممن يحملون هموم الأمة، لينظروا فى القضايا العالقة، مثل قضية الإرهاب والتكفير والهجرة، وتحديد مفهوم دار الإسلام، والخروج على المجتمع، واستباحة دماء المواطنين بالقتل، ومعاملات البنوك، وقضايا المرأة وتوليها القضاء، وقضايا الزى والنقاب وحق المرأة فى الميراث، والاختلاط فى العمل، ونقل الأعضاء وتهنئة غير المسلمين بأعيادهم، ومسائل الحج وبخاصة رمى الجمرات، وقضايا أخري، شريطة ألا يفتى فى هذه القضايا بفتاوى مجملة ونصوص لا تنزل للواقع ولا تحسم القضية، موضحا أن هذا الاقتراح ليس بديلا عن المجامع الفقهية ودور الفتوي، بل هو عمل مكمل لهذه المؤسسات التى لا يخفى دورها الفعال فى الحفاظ على شريعة الإسلام. وأكد الطيب أن حضارة المسلمين مرتبطة بالإسلام، وهذه الحضارة توجد حين يوجد الإسلام وتتلاشى حين يغيب، فقد ثبت تاريخيا أن المسلمين حين تحضروا، كانوا يسندون ظهورهم على نصوص القرآن الكريم والسنة، وتراجعوا حين حيل بينهم وبين مصادر القوة فى هذا الدين، وما كان عليه أمر المسلمين قديما، حين كانوا يتعاملون مع الدين نصوصا وروحا ومقاصد، واليوم يقف البعض عند ظواهر بعض النصوص، ولابد من توسيع الفهم والنزول للواقع والتعامل مع المشكلات بفتاوى شجاعة دون تردد. وشدد الطيب على أن العلماء أولى الناس بالمسئولية، عما يحدث للمسلمين اليوم، وما حدث لهذه الأمة، ما كان ليحدث لو أن علماءها كانوا على يقظة لما يدبر لها، وعلينا أن نعلم أن سر بقاء الأمة رغم الضربات القاتلة، ليس مرده إلى أرباب العلم، لكن مرده إلى الله القوى العزيز الذى تعهد بحفظ القرآن الكريم، وإذا كان العلماء ورثة الأنبياء، فينبغى أن نعى أن هذه الوراثة، ليست مقصورة على العلم، بل تشمل وراثة رسالتهم عليهم الصلاة والسلام، فى الإصلاح والتغيير والتعب من أجل سعادة الأمة. واكد شيخ الأزهر أن الفتوى التى كانت تواكب مستجدات القرن الماضي، قد لا تصلح لمستجدات اليوم، ورغم ذلك نحكم على مشكلات اليوم بفتاوى القرون الخوالي، وحكمنا فيها أقوالا، لو بعث أصحابها لقالوا غير الذى قالوه، فأين التجديد وأين المجددون؟، وليت الأمر اقتصر على غياب المجددين، ولكن ابتلينا بمن يفهم النصوص، على حسب الهوى ويوظف الدين لارتكاب الجرائم، وحسبنا داعش وأخواتها وفتاواها، التى تستخدم الشباب لينخرطوا فى التنظيم أو ليفجروا أنفسهم طلبا للجنة فى زعمهم، وشدد الطيب على أن التجديد وضرورته للمسلمين فى كل مكان وزمان، لم يعد أمرا قابلا للأخذ والرد، بعدما ثبت أنه حقيقة شديدة الوضوح. وأدان فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر ، تفجيرات العاصمة الفرنسية باريس ، وقال إن الأزهر يرفض هذا العبث بأرواح البشر، وأنه آن الأوان لأن يتوحد العالم كله ويتعاون من أجل التصدى لهذا الوحش المسعور – وهو الإرهاب – الذى طالما دعت مصر لمواجهته ودفعت من دماء جيشها وشعبها ثمنا مؤلما فى إطار حربها ضد قوى الشر والقتل والتطرف . وشدد شيخ الأزهر فى كلمته أمام وزراء أوقاف ومفتين وعلماء من 70 بلدا من بلدان العالم، أن المؤتمر يهدف إلى محاربة المتطرفين دينيًا الخارجين عن سماحة الإسلام، مؤكدًا دور مصر المهم فى محاربة الإرهاب العابر للحدود وتضحية أبناء القوات المسلحة بأرواحهم فداء للوطن وحماية المدنيين من الهجمات الإرهابية المغرضة على البلاد. وفى كلمته أكد الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف رئيس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، أن الإرهاب لا دين له ولا وطن، وأدان التفجيرات الإرهابية التى وقعت فى باريس أمس الأول، مشيرا إلى أن المؤتمر سوف يسهم فى وضع حلول لاجتثاث الإرهاب من جذوره، مؤكدا أن قضية تجديد الخطاب الديني، قضيتنا الأولي، فهى قضية حياة لمن يريد أن يبنى وطنا على حضارة سمحة، لأن ما أصاب الخطاب الدينى على أيدى الجهلة والمستأجرين وغير المؤهلين من المحسوبين عليه، من الخلل فى الفهم تحتاج لجهود لإصلاحه وإزالته، وأضاف أن قضية تجديد الخطاب الديني، ترتبط بتفكيك الفكر المتطرف، وكشف ضلاله وفساده، لنحصن شبابنا ومجتمعاتنا من شر هؤلاء جميعا، وهذا ما سوف تركز عليه محاور المؤتمر. وأوضح أنه تم اختيار مدينة الأقصر لتأكيد تعايش الإسلام مع الحضارات والمعتقدات المختلفة، حيث تتعانق المساجد والمعابد والمعالم الحضارية والأثرية، وهو ما اردنا أن نرسل من خلاله موقف الإسلام من جميع الحضارات، كرد عملى على الجماعات الإرهابية وبخاصة فى سوريا والعراق من نهب ممنهج للآثار، وطمس معالمها، مع أن الصحابة لم يهدموا أثرا أو يطمسوا معالمه، ولم يحطموا تمثالا واحدا سوى الأصنام التى كانت تعبد فى مكة، بينما لم يعرضوا للمعالم الأثرية فى البلاد التى فتحوها لانتفاء العلة التى بها تحطيم الأصنام. معلنا أن مؤتمر الأوقاف بالأقصر، يرسل رسالة واضحة للعالم بان مصر آمنة.وقال: أطمئن الجميع اننا فى مصر القلب النابض للعالمين العربى والإسلامى لن نركع ولن نستسلم لقوى الشر ولن تزيدنا المحن إلا قوة وصلابة، ولن نتراجع قيد انملة فى مواجهة الإرهاب والدفاع عن امتنا، وقضايانا العادلة وعلى رأسها حق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته وفق حدود 67 معتمدين على الله تعالي. رئيس الفيدرالية الإسلامية بفرنسا: أجهزة استخباراتية تدعم الإرهاب أدان الدكتور محمد البشاري، أمين عام المؤتمر الإسلامى الأوروبى بباريس، ورئيس الفيدرالية العامة للمسلمين بفرنسا، التفجيرات التى وقعت بالعاصمة الفرنسية باريس ، وقال فى تصريحات على هامش مشاركته فى المؤتمر إن ماجرى فى باريس، وما يجرى فى مناطق مختلفة من العالم الغربى والإسلامى والعربي، من أعمال عنف وقتل تقوم بها جماعات إرهابية هو دليل على وجود اختراقات من أجهزة استخبارات دول أخري، تريد زعزعة استقرار تلك البلدان التى تكتوى بنار الإرهاب الأسود ، وبخاصة زعزعة استقرار البلدان العربية . وأوضح أن مثل تلك المحاولات الإستخباراتية الساعية لزعزعة استقرار بعض بلدان العالم والمنطقة العربية، وبخاصة مصر، هى محاولة لضرب الزعامة العربية. وقال إن انعقاد مؤتمر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بمصر فى دورته رقم 25 على أرض مدينة الأقصر بهدف بحث تجديد الخطاب الدينى وتفكيك الفكر المتطرف، هو دليل على أن علماء وفقهاء الإسلام متمسكون بأنه لا يوجد تعارض بين الفكر الاسلامى وبين الحضارات الأخري، وأن أعمال التخريب والهدم للآثار هو جرم حضارى وإنساني، وأشار إلى أن انعقاد هذا المؤتمر برعاية الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسي، وحضور فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، هو دليل على تماسك وقوة مصر التى كانت ولاتزال بلد الأمن والأمان . ضيوف المؤتمر مصر قبلة العلم والعلماء أشاد وزراء الأوقاف والمفتون المشاركون فى أعمال المؤتمر بدور علماء الأزهر والأوقاف فى نشر الفكر الإسلامى الوسطى السمح، ودور مصر الرائد فى نشر هذا الفكر، وأنه قبلة العلم والعلماء والوسطية. وطالب عدد من وزراء الأوقاف العرب والأفارقة بتدريب الأئمة بوزارة الأوقاف المصرية والأزهر الشريف وتزويد دولهم بالعلماء والأئمة والبعثات الأزهرية وتكثيف أوجه التعاون الدينى وإمدادهم بمطبوعات المجلس الأعلى للشئون الإسلامية , ويشارك فى المؤتمر وزراء ومفتون من 24 دولة. أئمة الوجه القبلى يوجهون الشكر للرئيس وجه الأئمة والدعاة والمفتشون الجدد من محافظاتالأقصر وأسوان وقنا وسوهاج والبحر الأحمر، الشكر والتقدير للرئيس عبد الفتاح السيسى لرعايته المؤتمر على اهتمامه بقضاياهم وتحسين أحوالهم المادية، وأعلنوا وقوفهم صفا واحدا خلف قيادته الحكيمة ودعمهم له .
محافظ الأقصر يخصص شقة للأئمة المتميزين قرر محافظ الأقصر تخصيص شقة لاستضافة أئمة الأوقاف والعاملين المتميزين الذين تختارهم وزارة الأوقاف لزيارة الأقصر، وذلك فى إطار تنشيط السياحة الدينية والثقافية.
فى ساحة الطيب توجه وزير الأوقاف ومحافظ الأقصر على رأس وفد كبير من ضيوف المؤتمر الى ساحة “ الطيب” بالأقصر وأداء صلاة الجمعة بمسجد ساحة الطيب بمدينة القرنة، حيث استقبلهم فضيلة الإمام الأكبر، وعقب أداء صلاة الجمعة وعلى مائدة الغداء بمنزل فضيلة الإمام الأكبر دار النقاش حول جانب من قضايا العالم الإسلامى وبعض جوانب المؤتمر.
المناقشات وملامح البيان الختامى ناقش المؤتمر فى جلساته العامة أربعة محاور رئيسية حول تفكيك الفكر المتطرف وسبل التصدى للإرهاب والتطرف وتجديد الخطاب الدينى والعقبات التى تواجهه وسبل تذليلها ودور العلماء والمفكرين والإعلاميين والدعاة فى التصدى للإرهاب وتجديد الخطاب الدينى للخروج برؤية موحدة فى هذا الصدد ورفعها إلى متخذى القرار. واستعرض المؤتمر 21 بحثاً وجلسات استماع نوعية للإعلام والأئمة والمرأة ووزراء الأوقاف حول سبل تجديد الفكر الدينى وتفكيك الفكر التكفيرى والمتطرف، ومن أبرز ملامح البيان الختامى المنتظر صدوره، اليوم، فى ختام أعمال المؤتمر تأكيد على سماحة الإسلام وحضارته الراقية فى الحفاظ على الآثار والحضارات المختلفة، ودعم السياحة المصرية الخارجية والداخلية والرد على دعاوى التنظيمات الإرهابية بحرمة الآثار والسياحة والاعتداء على الحضارة الإسلامية. والتأكيد على أن الإفتاء الجماعى هو الحل الأمثل لمواجهة الفكر المتطرف والفتاوى الشاذة، وضرورة التعاون بين المؤسسات الفكرية والدينية والثقافية والتعليمية والعلمية والإعلامية لإعادة صياغة الفكر والعقل العربى المستنير.