يوما بعد يوم، تثبت الأيام صحة ما ذهبت إليه مصر، وطالبت به مرارا وتكرارا: إن الإرهاب لا دين له، ولا وطن، ولا يعرف أى حدود. إن الإرهاب يستهدف الجميع، لا فرق بين الشرق الأوسط أو أمريكا أو أوروبا أو آسيا أو استراليا. وإذا ظن البعض- فى الغرب المتقدم!- أن الإرهاب الأسود سوف ينحصر تأثيره الدموى على العرب والمسلمين وحدهم، دون سواهم، فإن ذلك البعض مخطيء تمام الخطأ فى قراءته تلك. وها هم الأبرياء فى فرنسا يدفعون للمرة الثانية خلال أشهر قليلة ثمن هذا الفهم القاصر المبتسر.. وها نحن نقرأ ونشاهد على الشاشات كيف أن تنظيم الدولة «داعش» قد هدد قبل أيام باستهداف موسكو للاستيلاء على الكرملين، والسيطرة على الأراضى الروسية، واسترقاق النساء والأطفال، ولسوف تكون الدماء أنهارا! إن القاريء لمثل هذه التهديدات، التى قد تبدو مبالغا فيها، سوف يدرك أن للإرهاب استراتيجية كونية عالمية، هدفها بث الرعب فى النفوس، وزعزعة ثقة المواطنين البسطاء فى حكوماتهم، وقياداتهم السياسية، تمهيدا لشل يد وتفكير هذه الحكومات، فتطيش أيديها، وترتكب الأخطاء الناجمة عن سوء التقدير.. وهنالك تخلو الساحة لهؤلاء الإرهابيين لتحقيق المزيد من المكاسب. كما أن الإرهاب ليس مجرد تحركات فردية لبعض الغاضبين أو الشباب المهووس المتطرف الغاضب، بل إن وراءه منظومة شاملة تمده بالسلاح والخطط والمعلومات المتناهية السرية. وإلا فليقل لنا قائل كيف نفذت المجموعات الإرهابية عملياتها المتزامنة تلك فى باريس بمنتهى الدقة والاحتراف؟ إن الغرب، ما لم يصارح نفسه بالحقائق، فإن المزيد من القراءات المختزلة سيؤدى حتما إلى مزيد من الخسائر من دماء الأبرياء الذين لا ذنب لهم. لقد تضمن البيان الذى أصدرته رئاسة الجمهورية فى مصر- لإدانة اعتداءات باريس الأثيمة- فقرة نظن أن الغرب ينبغى أن يتوقف عندها طويلا. قال البيان:» إن مثل هذه الأحداث الإرهابية لن تضعف عزيمة الدول والشعوب المحبة للسلام، بل ستزيدها إصرارا على مكافحة الإرهاب ودحره، حفاظا على كيانات دولها وصونا لمقدراتها، وهو الأمر الذى يتطلب تكاتف جهود المجتمع الدولى من خلال مقاربة شاملة فى مواجهة آفة الإرهاب، الذى يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار فى مختلف أنحاء العالم دون تفريق». هنا بيت القصيد؛ إن الإرهاب الذى لا يفرق بين أحد وأحد تنبغى مقاومته من خلال مقاربة شاملة.. نعم» شاملة». إن» عالمية» ظاهرة الإرهاب تقتضي» عالمية» مماثلة فى مواجهته. وإذا اعتقد بعض المحللين أن الإرهاب هو صنيعة الفكر المتطرف فى الشرق المسلم وحده، فإن هذا الاعتقاد الخاطيء يواجهه سؤال مهم: لماذا إذن يتدافع شبابكم يا أيها الغربيون المتحضرون للانضمام إلى داعش؟ إن ثمة مشكلة ما فى الثقافة الغربية، وعليهم هناك تدارسها.. وعدم الاكتفاء بغسل الأيدى بالادعاء بأن الإرهاب إسلامى أو عربى فقط! ولعل الكلام يستدعى بعضه، فتطرح أسئلة خبيثة نفسها هنا بمنتهى السفور: من ذا الذي- أصلا- صنع القاعدة، وداعش، وبيت المقدس، وغيرها من الأسماء التى ترتعد لذكرها القلوب والأبدان؟ من ذا الذى أمدها بالسلاح والمعلومات والتخطيط؟ ما الأهداف الخفية المخبّأة فى دوسيهات أجهزة الاستخبارات والمراكز البحثية العتيدة عندهم هناك؟ ثم: إلى متى سيجرى التعامل المزدوج المنافق مع قضايا الشعوب المستلبة المهانة؟ إن لكل فعل رد فعل، ومالم يسارع الغرب إلى النظر إلى نفسه فى المرايا، فسيظل الأبرياء عنده يدفعون ثمن جرائم لم يرتكبوها.