وزير الخارجية يؤكد أهمية مواصلة تفعيل دور الآلية الثلاثية بين مصر والجزائر وتونس لتوحيد المؤسسات الليبية    الزمالك يوجه الشكر لمدرب فريق الطائرة    18 يناير أولي جلسات محاكمة الزوج المتهم بإنهاء حياة زوجته بالمنوفية بعد 4 أشهر من الزواج    جهاز تنمية المشروعات يمد معرض تراثنا حتي السبت 20 ديسمبر    رئيس قطاع الفنون التشكيلية يتابع أعمال تطوير "متحف بيت الأمة"    لافروف مشيدا بمصر: زيادة التبادل التجاري وتعاون استراتيجي في قناة السويس    محافظ المنيا يعلن افتتاح 4 مساجد في 4 مراكز ضمن خطة وزارة الأوقاف لتطوير بيوت الله    أمم إفريقيا - استبعاد حسام عوار من منتخب الجزائر.. واستدعاء لاعب أنجيه    إنبي ينتظر عرض الاتحاد السكندري لضم ثنائي الفريق    القومي للمرأة يشارك في فعاليات معرض فود أفريكا    الداخلية عن بوست لشخص يدعي تعرضه للضرب:«خلاف على مكان بيع الخضار»| فيديو    تحرش لفظي بإعلامية يتسبب في وقوع حادث تصادم بالطريق الصحراوي في الجيزة    في ختام 2025، الإسماعيلية تحتفي بكوكب الشرق بحفل في المسرح الروماني    فظللت أستغفر الله منها ثلاثين سنة.. موضوع خطبة الجمعة اليوم بمساجد الجمهورية    خالد عبد الغفار يشدد على ضرورة تقديم دعم عاجل ومستدام للنظام الصحي الفلسطيني    750 عبوة غذائية للأسر الأكثر احتياجًا ضمن قافلة الخير بالعامرية أول في الإسكندرية    10 يناير موعد الإعلان عن نتيجة انتخابات مجلس النواب 2025    الأردن يرحب بإلغاء عقوبات "قيصر" ويؤكد دعمه لجهود إعادة البناء في سوريا    وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي ووزيرة التنمية المحلية ومحافظ سوهاج يتفقدون ممشى كورنيش النيل    الداخلية توضح حقيقة السير عكس الاتجاه بطريق قنا - الأقصر الغربي    المهندس أشرف الجزايرلي: 12 مليار دولار صادرات أغذية متوقعة بنهاية 2025    لقاء أدبي بفرع ثقافة الإسماعيلية حول أسس كتابة القصة القصيرة    وائل كفوري يمر بلحظات رعب بعد عطل مفاجى في طائرته    وزير الصحة يلتقي الأطباء وأطقم التمريض المصريين العاملين في ليبيا    «الإفتاء» تستطلع هلال شهر رجب.. في هذا الموعد    جوارديولا يعلن غياب 4 لاعبين عن السيتي أمام وست هام    الصحة: تنفيذ برنامج تدريبي لرفع كفاءة فرق مكافحة العدوى بمستشفيات ومراكز الصحة النفسية    لمربي الثروة الحيوانية والداجنة .. 20 توصية لمواجهة التقلبات الجوية الباردة    توصيات ندوة أكاديمية الشرطة حول الدور التكاملي لمؤسسات الدولة في مواجهة الأزمات والكوارث    جامعة عين شمس تواصل دعم الصناعة الوطنية من خلال معرض الشركات المصرية    عماد أبو غازي: «أرشيف الظل» ضرورة بحثية فرضتها قيود الوثائق الرسمية.. واستضافة الشيخ إمام في آداب القاهرة 1968 غيرت مساره الجماهيري    حماس: محادثات ميامي لن تفضي لوقف خروقات إسرائيل للهدنة    بوتين لزيلينسكي: ما دمت على عتبة الباب لماذا لا تدخل؟ الرئيس الروسي يسخر من نظيره الأوكراني    يبدأ رسميًا 21 ديسمبر.. الأرصاد تكشف ملامح شتاء 2025 في مصر    "تموين المنوفية" يضبط 70 ألف بيضة فاسدة قبل طرحها بالأسواق في السادات    انطلاق مبادرة لياقة بدنية في مراكز شباب دمياط    ندوة تناقش 3 تجارب سينمائية ضمن مهرجان القاهرة الدولي للفيلم القصير    النتائج المبدئية للحصر العددي لأصوات الناخبين في جولة الإعادة بدوائر كفر الشيخ الأربعة    فضل قراءة سورة الكهف.....لا تتركها يوم الجمعه وستنعم بالبركات    في الجمعة المباركة.. تعرف على الأدعية المستحبة وساعات الاستجابه    سلام: العلاقة بين مصر ولبنان تشمل تفاعلا في المسار واتفاقا في الرؤى    نواف سلام: العلاقة بين مصر ولبنان أكثر من تبادل مصالح إنها تكامل في الرؤية وتفاعل في المسار وتاريخ مشترك    ضبط 20 متهمًا أثاروا الشغب بعد إعلان نتيجة الانتخابات بالإسماعيلية    رئيس هيئة الرعاية الصحية يشهد ختام مشروع منحة FEXTE الفرنسية    "الوزراء": الحكومة تمنح تيسيرات لزيادة عدد الغرف الفندقية وتحويل بعض المنشآت السكنية    وزيرة التخطيط تختتم الحوار المجتمعي حول «السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية»    وفاة طبيب متأثراً بإصابته إثر طلق ناري أثناء مشاركته بقافلة طبية في قنا    تعرف على مسرحيات مبادرة "100 ليلة عرض" في الإسكندرية    الزمالك في معسكر مغلق اليوم استعداداً للقاء حرس الحدود    اليوم.. الأهلي يواجه الجزيرة في دوري سيدات اليد    أطعمة تقوي المناعة.. كيف يساعد الغذاء الجسم على مواجهة الإنفلونزا؟    الدفاع الروسية: قواتنا سيطرت على 4 بلدات أوكرانية خلال الأيام الماضية    الداخلية تضبط 20 شخصا من أنصار مرشحين بسبب التشاجر فى الإسماعيلية    جامعة السوربون تكرم الدكتور الخشت بعد محاضرة تعيد فتح سؤال العقل والعلم    أستاذ لغويات: اللغة العربية تمثل جوهر الهوية الحضارية والثقافية للأمة    أبو الغيط يرحب بانتخاب برهم صالح مفوضًا ساميًا لشؤون اللاجئين بالأمم المتحدة    المنتخب يخوض أولى تدريباته بمدينة أكادير المغربية استعدادا لأمم إفريقيا    هل يجوز للمرأة صلاة الجمعة في المسجد.. توضيح الفقهاء اليوم الجمعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أمريكا الأولي في حوادث الطائرات..
فهل يستوعب شايلوك درس التاريخ؟!
نشر في الأهرام اليومي يوم 12 - 11 - 2015

الرحمة لا يلتزم بها الناس إلزاما.. هي كالمطر الرقيق يهطل من السماء.. الرحمة لها بركة مزدوجة.. علي من يمنحها ومن يتلقاها.. هي أسمي من الصولجان والتاج.. تعلو فوقهما لأنها إحدي صفات الرب العظمي.. مقرها في القلوب.. العظمة الحقة تتمثل في الجمع بين العدالة والرحمة.. تفكر جيدا يا شايلوك لأنه مهما كانت عدالة الحجة التي نقدمها.. بالعدالة فقط لن يكون بوسعنا جميعا الخلاص!.
.........................................................................
كانت هذه هي كلمات بورشيا أفضل شخصية نسائية في مسرحيات شكسبير في رائعته( تاجر البندقية).. تلك المسرحية التي دأب اليهود علي محاربتها ورفض عرضها سنين طويلة بحجة معاداتها للسامية.. لأنها ولدت من رحم الاضطهاد والعنصرية وكتبها شكسبير في العصر الإليزابيثي عصر الحروب المتواصلة ضد أسبانيا في بلادها أو ضد مستعمراتها في أمريكا الشمالية والجنوبية عصر القلق والاضطراب.. عصر سيطرة الكنيسة وتوالي نكبات اليهود والتنكيل بهم في روسيا وفرمان طردهم من إنجلترا وأسبانيا والنمسا وتعاظم الأمر حين أقدم طبيب الملكة إليزابيث اليهودي لوبيز علي دس السم في طعامها.. وانتهي الأمر بإعدامه.. وتأليف كريستوفر مارلو لرواية يهودي مالطا فيما كتب شكسبير تاجر البندقية مستلهما من الأحداث التاريخية خطوطا عريضة كعادته لعرض أفكاره الإنسانية الخالدة التي تتجادل مع واقع يتجدد في كل عصر.. من هنا عاش أدبه وانتعشت سيرته في أرجاء الكرة الأرضية بما لم يتحقق لمؤلف في التاريخ من قبل.. تدور رواية تاجر البندقية حول قصة صديقين أنطونيو( التاجر الثري) وصديقه باسانيو الذي فاز بقلب الفتاة التي سحقت قلوب الخطاب.. فبجانب جمالها وثرائها.. كانت تعمد إلي حيلة أشبه بالألعاب قبل أن يقع نصيب باسانيو في النيل من ودها وخطبتها بعد أن اجتاز الاختبار.. وبمتطلبات العروس ومكانتها تتعاظم حاجته للمال الذي يذهب ليقترضه من صديق عمره( أنطونيو) فيذهب الأخير معه لشايلوك اليهودي المرابي الشهير في البندقية لكي يقرض أنطونيو المال ريثما تأتي سفنه المحملة بالبضائع من أعالي البحار.. ومن خلال الحوار يضع شكسبير يدنا علي الشخصية اليهودية التي كابدت عناء الاضطهاد وكراهية الناس.. بعد طلب أنطونيو للدين يرد عليه شايلوك بهذا الحوار البارع جدا في مضمونه ومراميه: سيد أنطونيو هل تتذكر كم مرة عايرتني بسبب ما أتقاضاه من الربا ووصفتني بالكلب ونعتني بالكفر وبصقت علي قبعتي دونما سبب إلا لأنني استثمر أموالي والآن جئت تقترض ثلاثة آلاف دوكة ذهبية.. وهل يملك الكلب مالا ؟ هل مقدرا أن أقول لك تقديرا مني لمعاملتك الطيبة.. سأقرضك هذا المبلغ من المال ؟
بكل رعونة يجيبه أنطونيو: أنا علي أتم الاستعداد لتكرار هذه النعوت والصفات وأن أبصق عليك.. أنا أطلب القرض منك كعدو.. أن نكث بعهده تجاهك.. يحق لك أن تطلب عقابه.. ولم يخطر ببال أنطونيو وهو يتحدث بهذه الطلاقة ما سيترتب علي توقيعه لصك غريب فريد لشايلوك.. يحق له بموجب هذا القرض أن يقتطع رطلا من جسم( أنطونيو) إذا تأخر في السداد.. وقضي الأمر وتأخرت السفن المحملة بالبضائع والضامنة لسلامة جسده كاملا غير منقوص.. وأعيتهم المسألة.. وجاء الحل علي يد امرأة.. أراد لها شكسبير أن تجمع بين العقل والمال والذكاء في مستحيلات لا تتكرر إلا نادرا.. تنكرت بورشيا في زي رجل بعد أن اطلعت جيدا علي قوانين مدينة البندقية وقررت الدفاع عن المتهم صديق حبيبها.. في حوار من أروع حوارات شكسبير بين بورشيا وشايلوك وبين الأخير وهيئة المحكمة.. ونجحت بورشيا في كسب القضية بعد أن واجهته بأمرين لا يعلمهما قائلة: ستتحقق لك العدالة الكاملة التي تطلبها والذي تقول إنه عار علي قوانينا إن لم تمنحه لك.. ستتحقق أحلامك ولكن ينبغي قبل أن تشحذ سكينك أن تعلم أن قوانين المدينة تحرم إهدار نقطة دم واحدة من أي مواطن مسيحي.. والنقطة الثانية أنك ينبغي أن تقتطع رطلا فقط من اللحم لا أزيد ولا أقل وفقا للصك.. هنا أسقط في يده وخسر قضيته التي طالب فيها بالعدالة فقط متغافلا عن الرحمة والقبول بسداد الدين بعد موعده وبفوائده كاملة وصودرت أمواله لتآمره علي قتل مواطن مسيحي.. مشهد يختزل صفات المعاندة والرغبة في الانتقام.. مناظرة بين العدالة والرحمة.
في أحداثنا الجارية ما يستدعي التأمل والمراجعة بين تلك الصفات أو المفاضلة بين التسامح والعدل.. أزمات توالت بعد ثورات الربيع العربي وهو أمر طبيعي يحدث بين المراحل المفصلية في حياة الشعوب.. تتحول الأزمات إلي كوارث إذا لم يتم حلها بطرق سليمة وسريعة.. أو عشوائية ومرتجلة.. لن نبالغ إذا قلنا إننا نعيش عصر الأزمات والكوارث الطبيعية وغير الطبيعية في أروع تجلياته.. ففي الوقت الذي تتدرج فيه الأزمة من مرحلة الإنكار والارتباك وعدم التصديق في البداية وتأجيل ظهورها مرورا بمرحلة الاعتراف بها والتقليل من شأنها ومحاصرتها في نطاق محدود أو العمل علي تفريغها من مضمونها إذا كانت من صنع الأعداء والتصدي لها بالحيلة وضرب التحالفات بأخري مضادة بها.. تبدأ مرحلة الإنذار المبكر الذي يستدعي وضع البدائل وإدارتها بروح الحماس والتكاتف في مواجهة أخطارها.. شئ من هذا حدث في ازمة الطائرة الروسية التي ذهب ضحيتها أكثر من مائتي شخص وصعدت مؤشراتها إلي قمة الأحداث العالمية المترتب عليها نتائج عالمية متشابكة ومعقدة أطرافها من دول ودواعش وبالرغم من أن أمريكا تأتي في مقدمة دول العالم في حوادث الطيران منذ عام1945 حتي عام2015(788 حادثا) تليها روسيا360 حادثا.. إلا أن إدارة هذه الأزمة العالمية وأزماتنا المحلية تستدعي مقارنات تندرج في وسائل التصدي الناجعة والتي كان دور الجيش فيها محوريا في طرق حلها ومعالجتها بأقل الخسائر وأقربها أزمة الأمطار والسيول.. امتلكت هذه المؤسسة دوما منهجا علميا في إدارة الأزمات واتبعت الأساليب السليمة في معالجتها.. فيما ارتضينا لمشاكلنا أسلوب الإدارة بالأزمات.. للأسف الشديد.. فالمدير يظل أسيرا للمشاكل المزمنة المتوالدة عن سوء التخطيط وعدم حساب العواقب كما غفل عنها شايلوك حين ارتكن لعامل وأغفل آخر من عوامل الحياة القويمة التي يحيا بموجبها الجميع.. المدير في بلادنا لا يختار بين البدائل ولكن غالبا ما تفرض عليه الظروف ردود أفعاله.. وبدلا من أن يدير الأزمات.. يصبح مدارا بالأزمات أنطونيو آخر استهان بقدرته علي الالتزام والقدرة علي التخطيط والسداد.. جعل مصيره مقرونا بأهوال البحار والمحيطات وتأخر سفن البضائع..
بشرتنا كونداليزا رايس بالفوضي الخلاقة.. والقدرة علي تفكيك الأنظمة والشعوب وإدارتها بالأزمات بنجاح وإعادة تشكيلها من جديد حين تصل إلي حافة الانهيار.. مصطلح يوحي بفتور الأفكار الرصينة في الفكر السياسي.. اعتماد كامل علي إدارة الأزمات التي يشعلونها بالتزامن في أكثر من دولة في العالم.. فهل تنجح إدارة الفوضي أو الأزمات ؟ الإجابة تنبأ بها برجينسكي مستشار الأمن القومي في عهد كارتر في كتابه أمريكا بين عصرين الذي وضعه في عام1970 تنبأ بانهيار الاتحاد السوفيتي وقد حدث وتنبأ بأن البراجماتية التي تحكم السياسة الأمريكية وتتعامل بأسبقية الواقع وتحريكه والتلاعب بمؤشراته قبل التفكير بتبني سياسة رشيدة تضمن لها المحافظة علي مصالحها مصيرها نكبة كبري للولايات المتحدة.. وجاء هنتجتون من بعده مراهنا علي فجوة الاستقرار التي سيعاني منها الأفراد في الشعوب وستفرض علي الأنظمة الاصلاح السياسي واستبدال قواعد اللعبة واللاعبين.. ولكن الإدارة بالأزمات تدحرجت ككرة الثلج ولن يستطيع أحد أن يوقفها.. انقلب السحر علي الساحر.. وتمت خصخصة الإرهاب إلي جماعات صغيرة إن جاز التعبير التعبئة الإعلامية التي قامت بها ألمانيا الغربية لاختراق ألمانيا الشرقية وخلخلة الوضع الاقتصادي والاستقرار الأمني وإشعال الصراعات الطائفية والعرقية وإشعال الحروب والفتن.. هي المصير المحتوم.. للإدارة بالأزمات.. خدر المشاكل الذي يقتات من الكسل وفتور الهمة.. الإدارة بالأزمات لها جمهور ومشجعون لكنهم بلا رحمة مثل شايلوك عند وقوع الخطأ.. احترسوا وحاذروا من الأساليب والوسائل ربما تحققت أحلامكم ولكن بوسائل ومسكنات خاطئة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.