إبراهيم عيسى: من يقارنون "طوفان الأقصى" بنصر حرب أكتوبر "مخابيل"    تراجع سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الأربعاء 15 مايو 2024    كامل الوزير: لم نبع أرصفة ميناء السخنة.. والمشغل العالمي يملك البنية الفوقية    حتى لا تقع فريسة للمحتالين.. 5 نصائح عند الشراء «أون لاين»    اليوم.. التضامن تبدأ صرف معاش تكافل وكرامة لشهر مايو    النكبة الفلسطيينة 76.. يوم العودة بوجه "الاستقلال" الصهيوني    شاهد لحظة استهداف حماس جنود وآليات إسرائيلية شرق رفح (فيديو)    مصطفى الفقي: طول ما الفيتو الأمريكي موجود إسرائيل في حماية    شهادة كوهين بقضية شراء الصمت: ترامب كان على علم دائم بما يجري    شهداء وجرحى في غارات إسرائيلية على قطاع غزة    قرب جبل طارق.. إسبانيا تحذر من "مواجهات مخيفة" مع حيتان الأوركا    وزير النقل يكشف عن طلب أنجيلا ميركل منه عام 2018    أستون فيلا يحجز بطاقة دوري أبطال أوروبا في الأمتار الأخيرة بفضل مانشستر سيتي    «أيامه معدودة».. شوبير يكشف مفاجأة بشأن مستقبل العشري مع الاتحاد السكندري    بعد حسم الدوري.. ريال مدريد يكتسح آلافيس بخماسية    نجم تونس السابق: هذا اللاعب سيكون ورقة الترجي الرابحة أمام الأهلي    رئيس هيئة استاد القاهرة: سعة الملعب 72 الف كرسي.. وجاهزون لنهائي الكونفدرالية    بورفؤاد يحصل على المركز الثاني في بطولة كأس مصر للشطرنج    بشرى سارة للجميع | عدد الاجازات في مصر وموعد عيد الأضحى المبارك 2024 في العالم العربي    جدول امتحانات الثانوية العامة 2024 thanwya في محافظة القاهرة    معتدل نهاراً والعظمى في القاهرة 30.. حالة الطقس اليوم    بطلقات نارية.. إصابة فتاة وسيدة في مشاجرة بسوهاج    أثناء عمله.. مصرع عامل صعقًا بالكهرباء في سوهاج    مواعيد الخطوط الثلاثة لمترو الأنفاق قبل ساعات من بدء التشغيل التجريبي للمحطات الجديدة    بشرى للموظفين.. تعرف على عدد أيام عطلة عيد الأضحى المبارك لعام 2024    تحرير 31 محضرًا تموينيًا خلال حملة مكبرة بشمال سيناء    بدأت باتهام بالتأخُر وانتهت بنفي من الطرف الآخر.. قصة أزمة شيرين عبدالوهاب وشركة إنتاج    حظك اليوم برج الجدي الأربعاء 15-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    حتى لا تستخدمها ضدك.. 3 تصرفات تجنبها مع الحماة النرجسية    شارك صحافة من وإلى المواطن    وزير الشئون الثقافية التونسي يتابع الاستعدادات الخاصة بالدورة 58 من مهرجان قرطاج الدولي    3 فعاليات لمناقشة أقاصيص طارق إمام في الدوحة    أسهل طريقة لعمل وصفة اللحمة الباردة مع الصوص البني    بعيدًا عن البرد والإنفلونزا.. سبب العطس وسيلان الأنف    وزير الرياضة: الدوري المصري هو الأقوى في القارة الإفريقية    رئيس اتحاد تنس الطاولة: نسعى لتمثيل مصر بالشكل اللائق في أولمبياد باريس    نقيب الأطباء: مشروع قانون المنشآت الصحية بشأن عقود الالتزام تحتاج مزيدا من الضمانات    تعليق يوسف الحسيني على إسقاط طفل فلسطيني لطائرة مسيرة بحجر    ريا أبي راشد بإطلالة ساحرة في مهرجان كان السينمائي    وسيم السيسي: لا يوجد دليل يثبت وجود سيدنا موسى أو يوسف في مصر    أحمد كريمة: العلماء هم من لهم حق الحديث في الأمور الدينية    قبل انطلاقها في مصر بساعات.. أهم 5 معلومات عن إم جي 4 الكهربائية    سفراء الاتحاد الأوروبي: تربطنا بمصر علقات قوية | صور    هل سيتم تحريك سعر الدواء؟.. الشعبة توضح    الإفتاء: الإسلام يدعو لاحترام أهل التخصص.. وهذا ما كان يفعله النبي مع الصحابة    وزير الصحة يزور مستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي.. ويشيد بالدمج بين الخدمات الطبية واستخدام التكنولوجيا المتطورة    وزارة الهجرة تشارك احتفال كاتدرائية العذراء سيدة فاتيما بمناسبة الذكرى 70 لتكريسها    أمين الفتوى: «اللى معاه فلوس المواصلات والأكل والشرب وجب عليه الحج»    إنفوجراف| 5 معلومات عن السيارات الكهربائية في مصر    وزير الأوقاف: نسعى لاستعادة خطابنا الديني ممن يحاول اختطافه    جامعة الزقازيق تتقدم 46 مركزا بالتصنيف العالمي CWUR لعام 2024    أمين الفتوى يوضح متى يجب على المسلم أداء فريضة الحج؟    تنظيم 10 ندوات لمناقشة المشكلات المجتمعية المرتبطة بالقضية السكانية في شمال سيناء    محافظ أسوان يكلف نائبته بالمتابعة الميدانية لمعدلات تنفيذ الصروح التعليمية    جامعة كفرالشيخ تتقدم 132 مركزا عالميا في التصنيف الأكاديمي CWUR    "العيد فرحة".. موعد عيد الأضحى 2024 المبارك وعدد أيام الاجازات الرسمية وفقًا لمجلس الوزراء    بالصور.. وزير الصحة يبحث مع "استرازنيكا" دعم مهارات الفرق الطبية وبرامج التطعيمات    مفتي الجمهورية يتوجه إلى البرتغال للمشاركة في منتدى كايسيد للحوار العالمى..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أوجاع قرية فيلم دعاء الكروان
نزلة الفيوم فخار الأجداد لا يزال صامدا

منذ أكثر من خمسين عاما كان المكان هنا قطعة من الجنة..شاهدنا ملامح منها في كلاسيكيات السينما المصرية, ومن أبرزها فيلمدعاء الكروان.. ورغم أنه ينتمي لجيل الأبيض والأسود, إلا أن جمال الطبيعة كان طاغيا.. أشجار نخيل كثيفة تعانق السماء, وتسبيح الكروان يملأ الفضاء, وتشعر كما لو أن نسمات الهواء تسللت إليك.. لتداعب وجهك..
هنا في قرية النزلة بالفيوم, وبعد أكثر من نصف قرن, غابت الروح التي كانت, فالقرية لم تسلم مما أصاب القرية المصرية عموما من سرطان الفوضي والعشوائية والقبح, وخاصة في الكتلة السكانية التي تزحف بضراوة علي الأرض الزراعية.. لكن ما أن خرجنا علي الأطراف, حتي تنفسنا الصعداء من جلال المنظر وروعته, إذ كنا قد وصلنا إلي المكان الذي نالت منه القرية اسمها, وهو عبارة عن واد عميق أو نزلة, تكسوها الخضرة بدرجاتها, وتحمل نفس الملامح التي ظهرت في فيلمي دعاء الكروان, والبوسطجي, تزينها أفران الفخار بشكلها التقليدي المعروف, وهو المعلم الذي لا يزال موجودا حتي يومنا هذا, وإن كانت مساحة المكان قد تقلصت كثيرا عما ظهرت في السينما..
كان علينا أن نهبط هذا المنحدر علي أقدامنا, فالطريق وعر, ولا يمكن لسيارة أن تهبطه.. هذا الوضع الجديد تسببت فيه الانهيارات المتتالية في التربة بفعل النشاط السكاني والبناء أعلي الوادي, بينما كان الهبوط والصعود أسهل في السابق. هكذا أخبرنا الحاج أحمد(63 عاما), والذي يتذكر حتي الآن أبطال فيلم دعاء الكروان أثناء التصوير, فيقول كنت شاب حلو كده مشيرا بيديه ليوضح طوله آنذاك, وينظر تحت أقدامنا بسعادة ويقول: فاتن حمامة كانت تمشي هنا مطرح ما احنا واقفين.. لكنه يتابع بأسي كان المكان واسع وبراح عن كده.. وكان فيه200 ورشة, أصبحوا مع الزمن خمسين!
بمجرد أن تقترب من قاع الوادي, حتي تفاجئك تلال من أواني الفخار, مختلفة الاشكال والأحجام, وكذلك الألوان, فتلك مازالت طرية بلون الطين, وضعت لتجف تحت أشعة الشمس, بينما خرجت تلك لتوها منالفرن بعد أن استوت فصارت قاسية كالحجر, وتلونت باللون الزهري المعروف..
نزلة الفيوم هي البقعة الأشهر علي أرض مصر في صناعة الفخار. تضم أمهر صناعه بالطرق اليدوية العتيقة, بعد أن ورثوها عن أبائهم وأجدادهم وصولا إلي المصريين القدماء..فكان لهم الفضل في الحفاظ عليها من الاندثار رغم مرور آلاف السنين..
جمال المكان هنا نابع من بساطته, فالورش المتجاورة عبارة عن تعريشات من الخوص وبعض الاقمشة المتهالكة, وأحيانا بعض الطوب اللبن, تتخللها أفران تسوية الفخار, المبنية هي الأخري من الطوب اللبن المعشق بأواني الفخار, ويتم تغذية تلك الأفران بأعواد البوص والذرة واستخدامها كوقود.
حالة الموقع المتواضعة التي تنبئ عن احتمالية تلاشيه, تشعرك بالحسرة علي مكان كان لسنوات ليست بالبعيدة, قبلة للسياحة الريفية, إلا الوضع علي مدي السنوات العشر الاخيرة, بدأ في التدهور.
هنا يأتي الكثير من الصحفيين والإعلاميين لتسليط الضوء علي أهمية المكان, ومع ذلك تصر هيئة تنشيط السياحة بالفيوم علي تجاهله! وعندما استقبلنا حسني الصغير تمييزا له عن عم حسني الكبير- سألناه: ألا تشعرون بالفتور تجاه تلك الزيارات المتكررة دون نتيجة؟!, فقال ببشاشة بالعكس نرحب بهم.. يمكن لما يصورونا تاني وتالت, المسائل تتحرك شوية..
صناعة الفخار في تلك البقعة هي مهنة الاطفال حتي الشيوخ.. وقفنا مشدوهين نراقب ذلك الولد النحيل الذي يتعامل بخفة ومهارة مع قطعة الطين التي سرعان ما شكلها إناء بيديه الصغيرتين مستعينا بقطعة خشب صغيرة, فتشعر لوهلة أنه بإمكانك القيام بالشيء نفسه, لكن: هيهات! فهو السهل الممتنع كما يصفه الحاج أحمد.. ويدلل علي كلامه فيقول: بعض الأجيال الصغيرة عندما بدأنا تعليمها الحرفة, لم تنجح, وبالمناسبة من لا يتعلم تلك الحرفة في صغره, فلن يتعلمها طول حياته, ولو جئنا بأي فلاح من القرية فلن يتمكن من تعلمها, ولابد لمن يمارسها أن ينشأ بيننا منذ نعومة أظفاره.
الطينة- كما يخبرنا الحاج أحمد- كانوا يجلبونها من الأراضي الزراعية المجاورة, لكن منذ أن تم منعهم من ذلك, يضطرون لشرائها, ثم نقلها عليالحمير, وهو ما يحملهم مزيدا من الأعباء المالية, في وقت فقدوا فيه الكثير من الدخل, بعد أن اقتصر توريد بضاعتهم علي الفلاحين سواء في الفيوم أو المحافظات المجاورة, بعكس ما كان يحدث في أيام العز, اذ كان يتم التصدير لدول أوروبا.. وهنا علت وجوههنا الدهشة فسألناه: ومن كان يتعامل مع الأجانب؟! فيجيب بفخر: نحن بأنفسنا, وكان والدي رحمه الله يجبد أكثر من لغة أجنبية!
ويتابع الحاج أحمد, الذي تشربت يداه بطينة الفخار فتشعر أنها تسري في عروقه: حتي الفلاحين استغنوا عن الفخار, وفضلوا الأواني البلاستيك, لخفتها وسهولة حملها, بينما يتميز الفخار بثقل وزنه وسهولة تعرضه للكسر, لكنه في النهاية هو الأفضل صحيا والأقدر علي حفظ المواد الغذائية لفترات طويلة دون أن تتعرض للتلف.
عم محمد من جيل الوسط- أخبرنا أن معظم من كانوا يعملون في الفخار, انتقل جزء منهم للعمل في كوم أوشيم في مدخل محافظة الفيوم, اذ يتم تصدير منتجاتهم للخارج, خاصة انهم يقومون بعمل ما يسميالدفاية والتي يقبل عليها الأجانب, بينما هجر آخرون المهنة تماما بحثا عن مصادر دخل أفضل تعينهم علي متطلبات المعيشة الصعبة..
في أثناء تجولنا بالمكان, لفت نظرنا لوحة إرشادية كبيرة, لكنها تهرأت بفعل العوامل الجوية. استطعنا بصعوبة أن نتبين ما جاء فيها من معلومات تاريخية وجغرافية عن الوادي, بالإضافة إلي إرشادات للسائح عن مواعيد فتح الموقع لاستقبال الزائرين, وأنه بإمكانه التجول فيه علي ظهر جمل, والحصول علي كتيب وكتالوج فخار الموقع, كما يمكنه الاستمتاع بالمنظر العام مع مشروب في استراحة الزوار, والحصول علي تذكار إن شاء!
بالطبع كان ذلك وقت أن كان الموقع مدرجا بالفعل علي الخريطة السياحية للفيوم, أما الآن فلا يمكن للزائر إلا ان يتنبأ بتلاشي هذا المكان, وهو ما كان ليحدث منذ سنوات, لولا تمسك أصحابه بحرفتهم. دافعهم في ذلك عشق وانتماء وارتباط راسخ بالمكان, لكن إلي متي يصمد هؤلاء أمام قسوة الحياة وتجاهل المسئولين وإلحاح لقمة العيش؟.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.