موجات عنيفة من التوتر السياسي الشرس المصحوب بأفكار متباينة, ادخلت مصر في مرحلة حرجة من المخاض السياسي امتدت لأكثر من 15 شهرا. تشكلت ائتلافات وأحزاب وجماعات وتصدرت الجماعات النخبوية الساحة الاعلامية في مشهد اصبح مكررا يتحدثون ليل نهار عن الأهداف التي قامت من أجلها الثورة, وسبل تنفيذها, حتي ظهرت الفرقة في صفوف معظم القوي السياسية, وبات واضحا ان لكل تيار سياسي مسعاه وغاياته, ومع ذلك الكل يتحدث باسم الشعب, وان الشعب يريد وأصبحنا نشعر في بعض الأحايين بأن هناك أكثر من شعب في أكثر من بلد. لاخلاف علي أن الثورة قامت ضد الطغيان والفساد, ولتهدم بيوت الظلم وتبني عصرآ جديدا يشعر فيه كل مواطن بحريته, ويأخذ حقوقه ويؤدي واجباته, الكل سواسية أمام القانون دون تمييز. لكن الخلاف أصبح علي طريقة البناء, الدستور أولا أم الرئيس؟ التحريض علي نعم لتمرير الاستفتاء ثم نقد مواده لاحقآ. وهناك سلسلة من المواقف والقضايا التي تظهر مدي التناقض والارتباك. الانتخابات التشريعية أعطت التيارات الاسلامية فوزا مهما, أضحي حزب الحرية والعدالة حزب الاغلبية الذي أعلن من قبل عدم الدفع بمرشح رئاسي, لكنه خالف وعده وقدم مبررات للناس لم تكن كافية لاقناع معظمهم, كما أخذ كل فصيل سياسي مسلكا صوره للناس علي أنه لمصحلة الثورة. بداية ظهور ذلك الامر بجلاء كانت عند تشكيل الجمعية الوطنية للدستور عندما أختلف الجميع حول اللجنة واعضائها, ثم اتفقوا علي وضع قانون العزل السياسي. هي لعبة السياسة إذا اتفقت المصالح تقاربنا واذا اختلفت تفرقنا دون اي مراعاة للمواطن وطموحاته. خرج عمر سليمان من السباق كما خرج حازم ابو اسماعيل, الاول تقبل الامر والثاني اعلنها حربا بلا هوادة علي اللجنة العليا المشرفة علي انتخابات الرئاسة وعلي كل من يقف في طريقه والمقارنه بين الأثنين ظالمة للأول بصرف النظر عن مواقفنا السياسية وحساباتنا الأيدولوجية. لكن المصلحة الشخصية بدت واضحة عند مرشح, كان كل هدفه الدفاع عن نفسه قبل مراعاة مصلحة البلاد, حتي لو كلفها ذلك خسائر باهظة. الدستور بصفته دستورا لكل المصريين, لا يمكن ان تضعه الاغلبية دون مراعاة الاقلية مع العلم ان الرئيس القادم هو ايضا رئيس لكل المصريين بمشاربهم السياسية المختلفة. لذا يجب عدم الحجر علي اي احد لحساب آخر وان يكون الصندوق هو الحكم كما كان منذ قريب. أتمني ان نتفق علي تنحية المصالح الشخصية جانبا ونعطي الأولوية لمصلحة مصر بشكل عملي, وتتوافق التيارات الاسلامية علي مرشح بعينه, حتي ولو اقتضي الأمر تنازل مرشح الحرية والعدالة, لأن تضحية مؤقته يمكن أن يترتب عليها مكاسب كثيرة, بينما السيطرة والهيمنة سوف تكون خسائرها كبيرة. كل ما أرجوه, وغيري كثيرون, أن يجتمع المخلصون لمصر تحت راية واحدةمعلنين عن وثيقة مبادئ تحدد آليات العمل في الفترة القادمة علي كل الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية, علي ان تكون دليلا للعمل به في وضع الدستور, وأن تتضمن مطالب واضحة يكلف بها رئيس الجمهورية القادم؟ من الضروري تنحية الخلافات جانبا من أجل الخروج من المأزق الذي تمر به مصر وأن نتوقف عن التمادي في صراعاتنا الخفية والعلنية التي قد تحقق مصالح ضيقة لا تسمن ولا تغني من جوع, تصل بنا في النهاية الي حالة الفوضي ومن ثم الدخول في نفق مظلم ولن يعرف أحد منتهاه. في تقديري أن المشاهد الراهنة مفتوحة علي احتمالات مختلفة, منها تأجيل الانتخابات لو زادت حالة الفوضي والفرقة, أو فرض الاحكام العرفية, أو تعيين مجلس رئاسي يكون له سلطة رئيس الجمهورية لمدة معينة. كلها أمور قد تزيد حالة الاحتقان السياسي المشتعل الآن. آن الاوان لكي تكون مصر هي الهدف والغاية, فالتاريخ سيذكر لنا أقوالنا وأفعالنا. ولأستعير كلمة فقيدنا الراحل البابا شنوده الثالث مصر وطن يعيش فينا وليس وطنا نعيش فيه كما حان الوقت أن يبتعد الفرقاء, فمصر للمصريين جميعا وليست لفصيل واحد, أو لتيار سياسي معين. المزيد من مقالات عماد رحيم