الكارثة الجوية الاخيرة التى لحقت بطائرة الركاب الروسية فى شمال سيناء وراح ضحيتها 224 من ركاب وطاقم الطائرة من بينهم 25 طفلا وفقا لتقديرات المسئولين الروس ، فجرت الكثير من الحقائق والدلالات التى يجب التوقف عندها. فالى جانب ما قفز الى صدارة المشهد الحزين من ملاحظات حول سلامة الطائرة من الناحية التقنية، ينبغى التوقف عند اشادة السلطات الروسية بحسن التنسيق والتعاون مع الاجهزة المصرية ، دون ان نغفل بطبيعة الحال الاشارة الى تمتع الكثيرين من المراسلين والصحفيين بأعلى درجات الحس الانسانى الراقي، وافتقاد القلة أدنى مستويات المهنية والمصداقية . حفلت صفحات الكثيرين من ركاب الطائرة الروسية المنكوبة على مواقع التواصل الاجتماعى بالكثير من حكايات وصور الضحايا التى تنطق بفداحة الكارثة. فمنهم من سافر الى شرم الشيخ للمرة الاولى فى حياته لقضاء اجازة قصيرة .. ومنهم من سجل ابدع ما انتابته من مشاعر الفرحة والبهجة خلال فترة اقامته القصيرة التى احتفل خلالها باحلى ذكريات العمر، ومنهم من اودع صور صغاره ممن سعد معهم واسعدهم باجازة لم تمتد طويلا.. ومنهم من كانت رحلته الى شرم الشيخ هى مكافأة مرءوسيه فى العمل عن حسن الاداء وعلو الهمة.. الحكايات كثيرة انسابت فى مفردات انسانية مؤثرة .. وفجأة ينقطع خيط الحكايات والذكريات ليفيق الجميع ومعهم الملايين على هول الكارثة!!. اعلان قصير يقول باختفاء طائرة الركاب من طراز "ايروباص 317" بعد اقلاعها من مطار شرم الشيخ بثلاث وعشرين دقيقة. ولم يمض من الزمن الكثير حتى شرع الجميع فى مصر وروسيا والبلدان المجاورة يدقون نواقيس الخطر، فى نفس الوقت الذى راح البعض فيه يتشبث باهداب الامل فى "نهاية سعيدة". لكن هيهات! فسرعان ما جاء النبأ الحزين. عثرت السلطات المصرية على حطام الطائرة غير بعيد عن مدينة الحسنة جنوبى العريش. وتجمدت الدموع فى المآقى ، بينما انسابت غزيرة على وجنات البعض من اقارب وذوى الضحايا ، فيما تحولت الاجهزة المعنية الى مباشرة مهامها. اعلن الرئيس فلاديمير بوتين يوم حداد على ضحايا الطائرة الروسية وتنكيس اعلام الدولة على كل مقار المؤسسات الحكومية الى جانب تعديل البرامج الاذاعية والتليفزيونية والغاء كل الاحتفالات والبرامج الترفيهية فى كل ارجاء الدولة الروسية المنكوبة. وسارعت الحكومة الروسية بعقد اجتماع طارئ اعلنت فيه تشكيل لجنة حكومية للتحقيق فى حيثيات تحطم الطائرة، كما كلفت وزارة الطوارئ الروسية بإرسال طائرات إنقاذ بشكل عاجل إلى مصر بالتنسيق مع القاهرة. وسارعت وزارة الطوارئ الروسية بارسال ثلاث طائرات الى القاهرة تحمل عددا من المسئولين والمحققين، فيما باشرت لجنة التحقيق الروسية اعمالها لتقصى اسباب وقوع الكارثة فى سيناء. وكانت الهيئات المعنية ايضا اعلنت عن تشكيل لجان متخصصة تضم اطباء نفسيين للعناية بذوى الضحايا ممن تدفقوا الى ميناء "بولكوفو" فى سان بطرسبورج فور إعلان وقوع الحادث. وكان الرئيس بوتين اعرب عن تعازيه لذوى الضحايا فيما تلقى عددا من المكالمات الهاتفية وفى مقدمتها مكالمته مع الرئيس عبد الفتاح السيسي. وقالت مصادر الكرملين على موقعها الالكترونى ان الرئيس السيسى اعرب للرئيس بوتين عن تعازيه فى ضحايا الطائرة المنكوبة فيما وعد باتخاذ كل الاجراءات الممكنة لمشاركة واسعة من جانب المتخصصين الروس للتحقيق ومتابعة التحقيقات لتقصى اسباب وقوع الكارثة. وقالت هيئة الطيران الروسية إن الطائرة أقلعت من شرم الشيخ فى طريقها إلى مدينة سان بطرسبورج الروسية عند الساعة 6.21 دقيقة بتوقيت موسكو وفقد الاتصال بها بعد 23 دقيقة من إقلاعها. وافادت المصادر الروسية ان الطائرة المنكوبة من طراز "ايرباص A-321" كانت تتبع شركة الطيران الروسية "كوجاليم آفيا" وقامت باولى رحلاتها التجارية فى 9 مايو 1997 أى منذ 18.5 عاما، حسب معطيات موقع Airfleets.net.. واشارت المصادر الى ان الطائرة كانت مملوكة قبل بيعها الى شركة طيران "كوجاليم أفيا" الروسية لشركات طيران "شام آيرلاينز" السورية و MEA اللبنانية والتركية Onur Air والسعودية Saudi Arabian Airlinesما يفيد بانها لم تكن على المستوى التقنى المناسب، وإن قالت المصادر الروسية انها كانت تخضع دوريا للصيانة اللازمة. وقالت ان الاتصال بين قيادة الطائرة واجهزة الاتصال فى مطار لارنكا فى قبرص انقطع بعد خمس وعشرين دقيقة من اقلاع الطائرة فى شرم الشيخ بينما اختفت عن شاشات الرادار ما يعنى ان عطلا فنيا اصاب اجهزة الاتصال. وكانت المصادر الروسية استبعدت ان تكون الطائرة اُسقطت من جانب الفصائل الارهابية التى تقوم القوات المسلحة المصرية بمكافحتها فى شبه جزيرة سيناء. وقالت ان الطائرة كانت بدأت رحلة السقوط من على ارتفاع ما يزيد على تسعة الاف متر أى انها لم تكن فى متناول الصواريخ المحمولة المضادة للطائرات. اما الصواريخ التى يمكن ان تصيب الطائرة على مثل هذا الارتفاع فلم ترصد أى من الجهات العسكرية المسئولة وجود مثلها فى حوزة الارهابيين فى سيناء. ونقلت المصادر الروسية ما صدر عن المسئولين المصريين حول "عدم وجود اى دلائل على أن الطائرة أُسقطت عمدا". ومع ذلك تظل المصادر الرسمية تتوخى الحذر فى تقديراتها انتظارا لنتائج التحقيق والكشف عن تسجيلات الصندوق الاسود.واعلن ماكسيم سوكولوف وزير النقل الروسي "تتناقل وسائل إعلام مختلفة حاليا معلومات حول إسقاط طائرة الركاب الروسية، المتجهة من شرم الشيخ إلى سانت بطرسبورج، من قبل الإرهابيين بصواريخ مضادة للطائرات. لا يمكننا اعتبار مثل تلك المعلومات مؤكدة". ونقلت وكالة انباء "سبوتنيك" الروسية عن سوكولوف ما قاله حول "أن الجانب الروسى على اتصال وثيق مع الزملاء المصريين، والجهات المعنية فى تلك البلاد لا تملك أى معلومات تؤكد هذه التكهنات".وأضاف "أن المختصين يعملون فى موقع سقوط الطائرة، وعلاوة على ذلك ففى القريب العاجل ستصل لجنة عمل دولية إلى المنطقة وستقوم بتقديم الاستنتاجات حول أسباب المأساة بعد جمع المواد والمعلومات المتاحة وتحليلها"، مؤكدا أن البيانات المتاحة فى الوقت الراهن لا تساعد على تأكيد المعلومات حول إسقاط الطائرة الروسية. واضاف قوله "أنه لا مجال للحديث عن الأسباب إلا بعد إتمام التحقيق الدولى الذى لا بد من مشاركة روسيا فيه". على ان ذلك لم يمنع الكثير من المصادر الروسية من التشكيك فى سلامة الطائرة المنكوبة من الناحية التقنية . فبعد الكشف عن ان شركة طيران "كوغاليم آفيا" التى تاسست فى عام 1993 وتخصصت فى طيران "الشارتر" بعيدا عن الخطوط الدورية المنتظمة، قالت المصادر انها لا تملك سوى خمس طائرات منها الطائرة المنكوبة التى سبق وتناقلتها شركات الطيران التركية والسورية واللبنانية والسعودية قبل ان تئول ملكيتها الى "كوغاليم افيا" فى عام 2012 أى منذ ثلاث سنوات فقط حفلت وحسب شهادات الركاب والفنيين بالكثير من المتاعب الفنية فضلا عن الاستخدام المفرط للطائرة حيث قالت المصادر انها قامت ب 16 رحلة خلال الاسبوع الاخير فقط وكانت رحلة شرم الشيخ – سان بطرسبورج هى الرحلة رقم 17 !!. ولعل ذلك يمكن ان يكون فى مقدمة اسباب مداهمة الاجهزة الرقابية لمكتب الشركة فى مطار "ميدفيديفو" فى موسكو والاعلان عن مراجعة ملفاتها وكذلك الكشف عن نوعية الوقود الذى تستخدمه. ومن جانبها اعلنت ايرينا تيورينا المتحدثة الصحافية باسم اتحاد الوكلاء السياحيين الروس ان المسائل المتعلقة بدفع التأمينات الى ذوى الضحايا لا تزال محل جدل يحتدم حول نسبة وحجم هذه التعويضات فى حال اثبات احقية الركاب. واستطردت تيورينا لتقول ان نسبة كبيرة من السائحين الروس تسعى من اجل الغاء رحلاتها المقررة الى شرم الشيخ والغردقة. وقالت بضرورة الاستجابة لرغبات هؤلاء السائحين مراعاة لحالتهم النفسية، إما برد قيمة هذه الرحلات السياحية المحجوزة الى مصر، او مساعدتهم فى اختيار أى من المقاصد السياحية الاخرى. لكنها قالت ايضا ان ظاهرة انحسار الاهتمام بالاتجاه السياحى الى مصر لن يستمر طويلا حسبما تعتقد . وقالت باحتمالات عودة الامور الى نصابها الطبيعى بعد اسبوعين او ثلاثة. وعزت ذلك الى ان المقصد السياحى المصرى يشغل اهتماما خاصا لدى السائح الروسى اولا لرخص اسعاره، وثانيا لقربه من روسيا وتمتعه بخصائص المناخ والطبيعة التى طالما استقطبت اهتمامه. وتقول المصادر الروسية "ان منتجع شرم الشيخ أحد اهم المقاصد السياحية للروس الذين يتراوح عددهم اليوم هناك بين ثلاثين واربعين الفا. واخيرا نتوقف عند الجانب المهنى فى التغطية الصحفية والاعلامية لتطورات الكارثة منذ إعلان اختفاء الطائرة المنكوبة من على شاشات الرادار. فبينما نسجل وبكل الارتياح التغطية الموضوعية والمتوازنة للكثيرين من الزملاء الروس ومنهم ستاس ناتانزون معلق القناة الاخبارية الروسية الرسمية "روسيا 24" الذى حرص على تقديم رسائله من القاهرة على نحو مهنى ومتميز، وأخلاقى رفيع المستوى بما فى ذلك ما نقله عن مشاعر بسطاء المصريين ممن قال انهم ابدوا تعاطفهم مع ذوى الضحايا واعربوا عن احساس حقيقى بفداحة الكارثة وما يكابده أبناء روسيا وذوو الضحايا من الام ، كان لزميله القادم من تل ابيب موقف آخر. فقد فوجئ المشاهد بسيل من المديح لما قامت به الاجهزة الاسرائيلية منذ اعلان وقوع الكارثة من جانب سيرجى باشكوف وهو مراسل التليفزيون الروسى فى اسرائيل منذ 2003 . قال باشكوف ان السلطات الاسرائيلية سارعت بعرض تقديمها المساعدة فى حملة العثور على حطام الطائرة الروسية المنكوبة، وان طائرات الاستطلاع التابعة لسلاح الجو الاسرائيلى سارعت بتمشيط المنطقة، وقدمت ما لديها من معلومات الى السلطات المصرية حول موقع سقوط الطائرة الروسية فى موقع لا يبعد كثيرا عن الحدود الاسرائيلية بقرابة خمسين كيلومترا . قال ايضا إن اسرائيل طرحت ارسال 30 من عربات الاسعاف للمساعدة فى نقل الضحايا ، فضلا عن تركيزه فى رسالته الاولى من شرم الشيخ مساء اول من امس على فرضية اصابة الطائرة بصاروخ محمول من جانب الارهابيين فى سيناء. واذ نكتفى بنقل ما قاله باشكوف الذى تشير سيرته الذاتية على صفحته فى الشبكة الدولية "الانترنت" انه تعرض للضرب فى ميدان التحرير خلال تغطيته أحداث ثورة يناير 2011 للضرب وتكسير الكاميرا التى كان يحملها المصور المرافق، دون تعليق، لان ما يقوله باشكوف غنىُ عن اى تعليق.