الجبلاية من زمان هي مأوي القرود المفضل, إلا أن فيالق سياسية مصرية تري الآن بما يثير الدهشة أن الجبلاية أولي بها من الأحزاب التي تخضع للالتزام بتعليمات قياداتها, ذلك أن حرية الحركة مضمونة أكثر في الجبلاية من شجرة إلي شجرة. في اعتماد كامل علي قوة القفزة وقدرة الذيل علي التشبث بفروع الشجرة التالية, حيث لم نر في حياتنا قردا يسقط خلال القفزة, وإن كان ذلك محتملا في السيرك السياسي المنصوب الآن, مع احتمال أن نشهد قريبا عصا القرداتي تقدم لنا عجين الفلاحة مع منظومة نوم العازب, وهو ما قد ينذر بنشوب خلافات دموية بين مختلف فصائل القرود, قد تؤدي إلي بقاء الذيول وحدها فور انقضاء المذبحة, وهو ما لم تتنبه له قنوات التليفزيون مجهولة التمويل التي تتغني في مهرجانات ال توك شو الهابطة بنفس الأسماء, والوجوه بإعادة إشعال الحرائق التي خمدت بحوارات اللهب التي تكاد تحول مصر إلي بقايا غابة تعرضت لحريق هائل ترك الإطفائيون النار خلاله تأكل بعضها بما يأتي علي كل شيء! وما يجري الآن علي الساحة المصرية يمثل مشهدا سياسيا بالغ الهزل غير مسبوق علي المسرح السياسي منذ انقضاء عصر السياسة المحترمة, والسياسيين الحقيقيين الذين كانت مصر أمامهم قبل كل تصرف أو ائتلاف سياسي لنفاجأ خلال أيام الانفلات الكامل الحالية, أن مصر وشعبها كله غير واردين في أي فكر سياسي من الموجود علي الساحة, حيث نسي الجميع أو تناسوا أن مصر وشعبها هما المشهد ذاته, بغيرهما لاتكون هناك مسرحية أصلا, وإنما يكون أمامنا سيرك هزلي يحكمه أسد أعور, وذئب مقطوع الذيل, وفيل من غير زلومة ليفتك هؤلاء في نهاية العرض بعضهم.. بعضا؟ وقد تصور بعض السياسيين الاسلاميين, أن الأصوات المصرية الساذجة التي حملتهم إلي حيث هم الآن في ظاهرة بالمتابعة لن تتكرر, انه نوع من التشيع لما كانوا يحملون من صفات وأفكار لم يسبق تجربتها بينما حقيقة الأمر أن المصريين البسطاء بأصواتهم لم يكونوا يهدفون لأكثر من تجربة طعم سياسي مختلف, ليكتشفوا بالتجربة أن الطعم الذي بدأوا تجربته لم يحمل إليهم سوي طعم العلقم, وان تلك الفيالق التي تتسربل بأردية إسلامية ليست أكثر من مجموعة قد خرجت لتقطع الطريق علي المصريين ضمن انفلات سياسي لايقل خطرا عن الانفلات الأمني الذي يتصدي له هذه الأيام الكثير من شرفاء الشرطة الذين تقدموا من واقع الاحساس الوطني لمخاطر إعادة الأمان إلي المصريين في وقت تخلي فيه عن حملها الكثيرون, وسط هوجة الاساءة والانفلات المدفوع ثمنها بالدولار والدينار أيهما أكثر ضمن تخطيط بالغ الشر بألا تقف مصر علي قدميها من جديد, لتترك موقعها التاريخي لمجموعة من الأقزام الذين يتصورون أن أموالهم يمكن أن تطيل القامة أو تملأ الفراغ بما هو ضد طبيعة الأشياء, وبما لا يتفق أبدا مع علم الجينات, ولا منطق التاريخ الذي وضع به المصريون علي وجه الحضارة بصمات لن تضيع. وإذا كان بعض السياسيين الموضة قد تصوروا أن مصر هي صحراء التيه فإنهم يكونون قد أساءوا الفهم, بنفس القدر الذي أساءوا فيه اختيار الملعب, ذلك ان الملايين الذين أطلق عليهم حزب الكنبة, ليسوا مساطيل, ولا منشغلين عن مصر بلقمة العيش, حيث إن مصر بالنسبة لهؤلاء هي لقمة العيش, ومستقبل الأولاد, ووطن العطاء بلا حدود لكل من يعطيه. وإذا كان النصب السياسي علي أشده في سوق النخاسة المنصوب هذه الأيام, فإن الخطأ القاتل الذي يرتكبه النصابون هو جهلهم بأن سوق السياسة مثل كل الأسواق له موعد إغلاق لينصرف كل ببقايا بضاعته قبل الغروب, الذي هوآت آت مهما لعلعت شمس النهار, ومصيبة هؤلاء أن أحدا لا يشتري, حيث كل رواد السوق بياعون لبضائع بائرة, خاصة في أيام الريبة تلك, حيث كل البضائع السياسية المطروحة هي بضائع مغشوشة لا يثق فيها أحد من المصريين الذين ينتظرون يوما يتم فيه تطهير السوق من كل ما تعرض له منذ ثورة يناير التي يحاول السياسيون المزيفون هذه الأيام ركوب موجتها,دون إدراك بأن الثورات الأصيلة مثل الحصان الأصيل الذي يرفض أن يجلس فوق صهوته أحد؟. المزيد من مقالات محمود كامل