تشهد الحياة الثقافية المصرية إضافة تراثية يعاد افتتاحها بعد سنوات من الترميم ليتحول متحفي ابن لقمان بالمنصورة ومصطفي كامل بالقاهرة إلي رسالة تنوير ترسخ قيمة الموروث الثقافي الحضاري في بلادنا. ........................................................................... ففي الوقت الذي تشهد فيه القدس حملة صهيونية هائلة للنيل من هويتها العربية تحتفل القاهرة بافتتاح متحف ابن لقمان الذي أسر فيه لويس التاسع ملك فرنسا الذي كان قد جاء لنا علي رأس حملة هدفها اخضاع مصر أولا مثل السيطرة علي بيت المقدس والشام لكن حملته فشلت بعد هزيمته وأسره في بيت ابن لقمان بالمنصورة. وابن لقمان هذا مواطن عراقي اسمه ابراهيم بن لقمان ولد في دجلة سنة1216 م وعندما تولي الملك المصري الكامل بن العادل حكم منطقة أمد بالعراق سنة1232 م أعجب بعمل ابن لقمان وتميزه في ديوان الانشاء واصطحبه إلي مصر حيث عينه في ديوان الانشاء, وتدرج حتي أصبح رئيس الموقعين في الديوان, ويطلق علي دار ابن لقمان والمتحف الملحق بها متحف المنصورة القومي.. ويقع المتحف بقلب مدينة المنصورة بشارع بورسعيد وهو شارع رئيسي ويقع بجواره مسجد موافي أحد المساجد الاثرية والمشهورة بدلتا مصر. وترجع شهرة دار ابن لقمان الي ان الملك لويس التاسع أسر فيها وقت الحملة الصليبية السابعة لمدة شهر واحد من7 ابريل الي7 مايو1250 ميلادية(2 المحرم 2 صفر648 هجرية). وصف المتحف يتكون من جزءين: الدار القديمة التي أسر بها لويس التاسع ومساحتها الكلية294.50 م.2 المتحف ومساحته2,375,2 وبه مقتنيات اثرية وقاعتان للعروض الفنية المتغيرة. وقد صنعت الدار القديمة من الخشب.. وتتكون من سلاملك للرجال وهو الذي أسر فيه لويس التاسع في الطابق الثاني.. وتتدلي مشكاوات اسلامية من السقف عليها عبارة الله نور السموات والأرض ويؤدي سلم خارجي خشبي للطابق الثاني. أما المتحف فيتكون من قاعة أرضيتها رخامية, وعلي الحائط يمين المدخل توجد خريطتان تمثلان خط سير الحملة الصليبية حتي الاستسلام تليهم فاترينة زجاجية بها تمثال لفارس مصري من ذلك العصر علي حسان ويتوسط الدار باب عتيق كتب عليه دار بن لقمان هنا اسر لويس التاسع أما الغرفة التي أسر بها الملك الفرنسي فيصعد اليها بسلم خشبي للدور الثاني, وداخل الغرفة محتويات تتكون من أريكة خشبية وخزانةفي الحائط ونافذة مطلة علي الخارج وكرسي ضخم, وتمثال بالحجم الطبيعي للملك لويس والاغلال في يده وخلفه حارسه واسمه الطواشي صبيح. الملك يدفع الفدية وترجع الأهمية التاريخية لدار ابن لقمان كونها شهدت نهاية الحروب الصليبية علي الشرق العربي, حيث أعلن لويس التاسع ملك فرنسا أنه سيقود غزوة صليبية هائلة( الحملة السابعة) وأن هدفه هو الاستيلاء علي مصر التي كانت تمثل العقبة الكبري في طريق استرداده لبيت المقدس وتجمعت جيوش هذه الحملة في قبرص في ربيع عام1248 م وعلي رأسها الملك لويس التاسع نفسه ولكنها تأخرت هناك لمدة8 أشهر وصلت في أثنائها أخبار الحملة علي مصر عن طريق الامبراطور فريدريك الثالث. كان الملك الصالح نجم الدين أيوب بدمشق حين وصلت الحملة إلي دمياط فلما علم بأخبارها عاد مسرعا إلي مصر, إلا أنه وافته المنية فأخفت زوجته شجرة الدر خبر وفاته لحين عودة ابنه توران شاه من حسن كيفا الواقع علي ضفاف دجلة, وكانت الحملة الصليبية قد تحركت باتجاه فارسكور. تولي حينها القائد بيبرس البندقداري قيادة القوات واستطاع انزال الهزيمة بالقوات الصليبية في معركة المنصورة, ثم وصل الملك توران شاه وتسلم قيادة الجيش المصري. وبدأ أعماله الحربية بالاستيلاء علي جميع المراكب الفرنسية التي تحمل المؤن, فاضطرهم إلي التقهقر بعد أن نفدت ذخيرتهم وعتادهم فقرر لويس التاسع الرجوع الي دمياط والتحصن بها ولكن قطع المصريون عليهم الطريق وطاردوهم,ثم طوقهم وسد عليهم طريق الانسحاب وانقضوا عليهم بالقرب من المنصورة وتم أسر لويس التاسع ونقله إلي دار كاتب الإنشاء فخر الدين بن لقمان, وبعدما تم الاستسلام أرسل الملك الفرنسي أسيرا الي دار إبراهيم بن لقمان قاضي المنصورة, واشترط المصريون تسليم دمياط, وجلاء الحملة عن مصر قبل إطلاق سراح الملك وغيره من كبار ضباطه, فكان لهم الأمر وتحقق لهم انتصارهم التاريخي. ووضعت شروط قاسية علي الملك لويس التاسع ليفتدي نفسه من الأسر, وكان من ضمنها أن يفتدي نفسه بثمانمائة ألف دينار من الذهب يدفع نصفها حالا ونصفها مستقبلا, علي أن يحتفظ توران شاه بالأسري الصليبيين إلي أن يتم دفع بقية الفدية, بالإضافة الي إطلاق سراح الأسري المسلمين, وتسليم دمياط للمسلمين, وهدنة بين الفريقين لمدة عشر سنوات.. لقد كان انتصارا باهرا بكل المقاييس. مقتنيات المتحف القسم الأثري ويضم تمثال الملك الأسير وفي يده الأغلال, ويلي ذلك صالة متحفية تعرض مقتنيات أثرية بقيت من زمن الحملات الصليبية, وهي أدوات حربية وأسلحة وسيوف فرنسية ومصرية ونماذج من الملابس الحربية, والمقعد الذي جلس عليه الملك الأسير خلال فترة أسره, وخرائط مجسمة تصور هجمات الصليبيين وهزيمتهم, ومنها لوحة يظهر فيها لويس أثناء سيره أسيرا داخل المدينة, وتضم القاعة عددا من التماثيل لشخصيات تاريخية مثل صلاح الدين وشجرة الدر وتوران شاه والصالح أيوب, وفي الردهة مجموعة من القناديل المزخرفة بالآيات القرآنية عمرها ألف عام, وحوض من الرخام كان يستخدم لشرب الأسري, ولوحات عديدة تصور معركة المنصورة ومعركة فارسكور, وتمثال يرمز لمدينة المنصورة امرأة تحمل فوق رأسها سيفا وقرآنا, وخطاب من الملك لويس إلي ملك مصر نجم الدين أيوب يحذره بكل غطرسة بقدوم جيوشه لغزو مصر.. ورد المصريين علي الخطاب. ضريح ومتحف مصطفي كامل لقد كان مصطفي كامل واحدا من عظماء الرجال وزعماء الشعوب في ميادين النضال في سبيل الحرية والاستقلال, ويعتبر باعثا للحركة الوطنية في مصر في مواجهة الاحتلال الانجليزي وشهدت حياته القصيرة عديدا من المواقف الشجاعية النادرة والزعامة الصادقة, وكان عقب وفاته قد دفن في إحدي مقابر الإمام الشافعي.. وفي جلسة لمجلس الشيوخ المصري عام1944 تقرر تخصيص مبلغ خمسين ألف جنيه لتشييد مدفن جديد يليق بقيمة الزعيم المصري.. وتم نقل رفاته إلي ضريحه الجديد بميدان صلاح الدين بالقلعة, وذلك يوم11 فبراير1953 في احتفال قومي مهيب حضره الرئيس جمال عبد الناصر.. كما تم نقل رفات المجاهدين محمد فريد وعبد الرحمن الرافعي وفتحي رضوان الي نفس الضريح ليضم الزعماء الأربعة, وأقيم امتداد للضريح كمتحف يضم بدوره متعلقات شخصية للزعماء الأربعة وصورا فوتوغرافية تاريخية لمصطفي كامل: وأيضا لوحات فنية تمثل مواقف قومية لهؤلاء الزعماء. وقد تقرر افتتاح متحف الزعيم مصطفي كامل بعد ترميمات استمرت خمس سنوات وذلك في نهاية أكتوبر الحالي.