كلنا.. في الهوا سوا... فحتي في امريكا قلة هم الذين يهتمون بمعرفة برنامج المرشحين للرئاسة أو مناهجهم السياسية.. وستسمع العجب إذا سألت أحدهم لماذا أعطيت صوتك لفلان ولم تعطه لعلان.. ففي استطلاع للرأي أجري قبل انتخابات عام1988 قال معظم الأمريكيين الذين قرروا أن يعطوا أصواتهم لبوش الأب أنهم فضلوه علي المرشح الديمقراطي لأنه الأطول والأكثر جاذبية بالإضافة إلي أن صوته يشبه صوت الممثل جون واين. وهكذا.. وفي كل مرة يبدأ فيها السباق المحموم من أجل الوصول إلي كرسي الرئاسة تبدأ هوجة استطلاعات الرأي.. وهو اختراع ظهر في الولاياتالمتحدةالأمريكية مع بداية العقد الخامس من القرن الماضي بغرض معرفة احتياجات الأسواق التجارية.. لكن مع اندلاع الحرب العالمية الثانية شملت الاستطلاعات كل المجالات الممكن تخيلها.. فأي سؤال يخطر علي البال سواء كان مهما أو تافها.. غريبا أو مألوفا.. ممكن طرحه في استطلاع الرأي.. ففي عام2001 اتصلت إحدي الوكالات المتخصصة في تلك الاستطلاعات بآلاف المواطنين في الولاياتالمتحدة وطرحت عليهم سؤالا محددا هو: من هم أغبي الأغبياء في أمريكا؟.. وجاءت الإجابة أنه الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون الذي احتل المركز الأول في قائمة الأغبياء بسبب حماقاته العديدة في عامه الأخير في البيت الأبيض. وأمام الانتشار السريع لمؤسسات استطلاع الرأي توقفت هربرت شيلر استاذ مادة الاتصال بجامعة كاليفورنيا وألقي هذا السؤال: هل الأمر مجرد استطلاع للرأي أم هو في الحقيقة توجيه للرأي؟.. وللاجابة علي السؤال نظر الرجل إلي الوراء واكتشف أن المرشح الذي تظهره الاستطلاعات الأولية متمتعا بالشعبية ومتقدما علي منافسيه يصبح في مقدوره اكتساب المزيد من التقدم علي أساس ما يسمي بنظرية التأثير الانجاحي.. والعكس صحيح فالمرشح الذي لايحرز في الاستطلاعات الأولية سوي القليل في الأصوات يترك انطباعا بأن التصويت لصالحه ليس سوي مضيعة للجهد وللصوت.. كما ألقي استاذ مادة الاتصال ومؤلف كتاب المتلاعبون بالعقول سؤالا آخر هو: هل تقدم استطلاعات الرأي حقائق موضوعية؟.. وهو سؤال يستحق التأمل وسيجد كل من يريد أن يجيب عليه بالنفي أمثلة عديدة تؤكد اجابته.. ففي شهر يونيو عام2009 أجري احد مراكز البحوث البريطانية دراسة عن المدن الصالحة للحياة.. فاحتلت القاهرة المركز114 من بين140 مدينة.. ولا يحتاج الأمر إلي متخصص ليعرف لماذا باتت القاهرة مدينة يصعب الحياة فيها.. فغياب العدل وتوغل الفساد ونمو العشوائيات وتلوث الهواء وانتهاك القوانين وتفشي الجهل وفساد الذمم وانتشار البطالة واختناق الاحلام.. كلها أسباب وضعت القاهرة ضمن المدن البائسة.. ومن البديهي حين يعيش البشر في مدينة بهذا الحال أن يشعروا بعدم الرضا.. لكن العجيب والغريب أن استطلاع الرأي تم إجراؤه بعد فترة قصيرة من الددراسة البريطانية.. اشارت نتائجه إلي أن80% من المصريين قالوا أنهم يشعرون بالرضا.. وإذا كان الأمر كذلك فمن هم أذن هؤلاء الذين خرجوا في ثورة يناير بعد هذا الاستطلاع بنحو عام ونصف.. ساخطين غاضبين في كل الميادين. المزيد من مقالات عايدة رزق