عندما قامت ثورة (25 يناير) كان المصريون على يقين من أنهم يعيشون فى وطن ينخر سوس الفساد فى أركانه مع سبق الإصرار و الترصد، وكان هدف المخلصين تطهير هذا الوطن من علله، وفقاً للشعار المِثالى (عيش حرية عدالة اجتماعية كرامة إنسانية)، غير أن أحداً من المخلصين لهذا الوطن لم يكن ليتخيل، أن سوس الفساد قد تمكن، حتى بات الوطن أوهن من أن يقاوم حالة الاستعمار التنظيمى الإخوانى له. إنه التنظيم الذى حصل على كل مقومات نموه، خلال الفترة من (1974م) وحتى (يناير 2011م)، واستطاع التنظيم خلال هذه الفترة أن يكون النموذج لكل مكونات الواقع العام المصري، فهو الذى يتحرك فى أوساط الدعوة الدينية بعدما تحول العديد من المؤسسات الدينية إلى منابر يتحكم فيها التنظيم لا الأزهر أو الأوقاف. والتنظيم هو الذى يتحرك فى ساحات الإغاثة والبر بعدما حول عصر الفساد والإفساد كل أدوات فعل الدولة الخدمية إلى شرفات وظيفية تُطل منها وجوه روتينية أو باحثة عن مصلحة، والتنظيم هو الذى يجهز أجيالاً جديدة لدخول ساحات العمل العام عبر (الاتحادات الطلابية النقابات المحليات المقاعد النيابية)، وجوه يتم انتقاؤها وتأهيلها فكرياً وثقافياً وسياسياً وإعلامياً ليمثلوا البديل الذى يستلم حكم الدولة عند أول فرصة، كان هذا يتم على مسمع ومرأى من نظام مبارك الذى ظن أن جند تأييد حزبة (الوطني) المحشودين على أسنة المصالح ونصال التربيطات، قادرون على الصمود فى مواجهة جيش التنظيم المحتشد بفعل الخطاب العقائدى والطاقات التنظيمية اللامحدودة مادياً ومعنوياً ودولياً . ويُجانبه الصواب من يعتقد أن ثورة 30 يونيو، قد قامت لذات أسباب ثورة 25يناير، لأن الوطن الذى كان هدف الثورة تطهيره وتطويره فى 25 يناير 2011م، صار مُهدد الوجود فى 2013م، وهو ما فرض أن تطلق الثورة موجتها الجديدة، حاملة هدفا ًرئيسياً هو (تحرير واسترداد الوطن). وهذا الهدف تمت ترجمته فى (خريطة الطريق المصرية)، التى أعلنها قائد الجيش المصرى-حينها- عبدالفتاح السيسى فى الثالث من يوليو 2013م، ومثلت الخريطة البداية الحقيقية للانطلاق نحو (استرداد الوطن)، عبر مسارات أساسية هى (الدستور - الرئاسة - البرلمان). ووضعت (خريطة الطريق) إجراءات تمثل (البيئة الآمنة) لحركة المسارات الثلاث حتى يبلغوا الغاية الأساسية التى هى (استرداد الوطن). وحيث أن مصر على أعتاب بلوغ ثالث الاستحقاقات (انتخابات البرلمان)، فإن واجب المراجعة للواقع فى ضوء (خريطة الطريق)، يرمى على عاتق كل حامل للهم المصري، مسئولية المكاشفة فى تقييم واقعنا، خاصة وأن مصر تتجاوز هدف الثورة الرئيس (استرداد الوطن)، لتعبر إلى مرحلة جديدة عنوانها (استقرار الدولة) سعياً لبلوغ غاية (تطوير الدولة) التى هى ترجمة عملية للحلم المصرى بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.وبلا شك فإن نجاح الإرادة المصرية فى السير بخطوات خريطة الطريق يمثل تجسيداً للقدرة المصرية على كل المستويات فى مواجهة معاول هدم جبارة لا تفتأ ليل نهار تطرق على كل مفاصل الوطن، ويستوى فى ذلك المعول التنظيمى الإخوانى الدولي، مع المعول الفاسد المفسد بماله وعلاقاته. لكن (خريطة الطريق المصرية) لم تُغفل هذه التحديات لذا رسمت البيئة الآمنة التى تكفل لاستحقاقاتها كامل النجاح متجاوزة كل شَرَك ينصبه التنظيم، وكل فخ يحيك خيوطه الفسدة والمفسدون. هذه البيئة الآمنة كانت الرابط بين إدارة المرحلة وصانعها (الشعب)، حتى لا يفتر حماس من خرج ثائراً فى 30يونيو ليسترد وطنا، وحتى لا يتبدد حلم من خرج فى 25يناير ليطهر نفس الوطن، غير أن أمراض البنية الحكومية المزمنة أثرت على تحقق أمل المصريين فى (حكومة كفاءات وطنية قوية وقادرة)، وحالت دون (اتخاذ الإجراءات التنفيذية لتمكين ودمج الشباب فى مؤسسات الدولة). لكن هذا الواقع لايدفعنا لتجاهل ثالث ورابع أعمدة البيئة الآمنة للدولة المصرية القادمة، وهما (ميثاق الشرف الإعلامى للمرحلة اللجنة العليا للمصالحة الوطنية)، حيث إن غيابهما عن المشهد خلال الفترة السابقة أدى إلى عشوائية فى الحركة خلفت تشتيتاً للرأى العام الشعبي، وأربكت العقل الجمعى المصري، وسمحت للمتربصين بهذا الوطن ذوهم كثر- أن يتاجروا بالأوجاع المزمنة، ويرشوا ملح الفتن على الجراح الملتهبة، ويخرجوا على واقعنا بخطابات الفتن ورسائل الفرقة ويعمموا ثقافة التخوين. سعياً لتصدير صورة عنوانها (مصر تعود إلى ماكان قبل 25 يناير حيث مصالح تسيطر على القرار وتنظيم إخوانى يسيطر على الشارع). وبالتالى فإن فرض اللحظة الوطنية التى نحياها جميعاً، يستلزم تحركاً سيادياً نحو تفعيل مكونات (البيئة الحاضنة) للقرار المصرى الوطني، عبر إنتاج (ميثاق شرف إعلامي) يجنب عقول الجماهير المصرية خطابات الابتذال، ورسائل السافهة والانحطاط، ويحصن الوعى الشعبى من سهام الفتنة المحدقة بنا، ويجنب عيون مصر وآذانها ثقافة الصريخ والتخوين والمتاجرة. وفى الوقت ذاته يتم اعلان تشكيل (اللجنة العليا للمصالحة الوطنية)، لتكون مهمتها تجبيه الأمة المصرية حول (مشروع بناء وطنى جامع) يدرب أبناءها على مقاومة الهدم بالبناء، ويفجر فى كل واد وطاقات المصريين إنتاجاً، ويحصن أجيالنا القادمة من خطر تنظيمات الدين السياسى وعصابات الفساد والإفساد. إنها استحقاقات حقيقية لا ينبغى أن تغدو منسية مادمنا نسير نحو تحقيق كامل الخريطة الوطنية . لمزيد من مقالات عبد الجليل الشرنوبى