انطوت الزيارة التى قام بها أخيرا الرئيس التركى رجب طيب أردوغان الى العاصمة البلجيكية بروكسل على ما يمكن وصفه ب " لعبة المساومات " التى أطلقها الضيف الذي أراد انتزاع بعض المكاسب تعزز حظوظ حزبه في الانتخابات القادمة بتركيا من ناحية ، ومن ناحية أخرى يستغل فيها احتراق أعصاب الاتحاد الاوربي على وقع أزمة تدفق اللاجئين و استعدادهم للتفاوض مع أي طرف يمكن الإسهام في حل تلك المعضلة . و يبدو أن الرجل أراد - أيضا - تحويل الأنظار بعيدا عن عاصفة الانتقادات التى واجهت زيارته نظرا لتزامنها مع الذكرى السنوية لمذابح الأرمن على نحو أثار حفيظة الجالية الارمينية ببلجيكا و جعلها تتوعد بملاحقة الزعيم التركى الذي تعتبره من غلاة منكرى المذبحة عبر لقاءاته المختلفة في أبرز مؤسسات الاتحاد الاوربي التي تحتضنها بروكسل لاسيما البرلمان الاوربي و المفوضية الاوروبية والمجلس الاوربي كانت رسالة الرئيس التركي واضحة : نحن الحماة الحقيقيون لشواطيء أوروبا الجنوبية ولولانا لتدفق مليوني و نصف لاجيء يقبعون على أراضينا حاليا بشكل اضافي اليكم، فما هو المقابل؟ لم ينتظر أردوغان أحدا يجتهد بحثا عن إجابة وانما قالها بشكل صريح: نريد الانضمام الى الاتحاد الاوربي وإنما لم يكن بمقدوركم تنفيذ ذلك فورا، فعلى الأقل ساعدوني في خلق منطقة حظر طيران شمالي سوريا فضلا عن منطقة آمنة هناك ! الاوربيون تحدثوا من ناحيتهم عن زيادة المساعدات المالية لأنقرة خصوصا بعد تأكيد اردوغان أن تكلفة استضافة اللاجئين السوريين على اراضي بلاده كلفتها أكثر من سبعة مليارات دولار، فيما لم تحصل على مساعدات سوى بأقل من نصف مليار. الوعد الاوروبي لم يكن كافيا للرئيس التركى وهو ما اضطر رئيس البرلمان الى تذكيره بعدة حقائق منها اقامة منطقة آمنة تتطلب موافقة مجلس الامن الدولي نظرا للمخاوف التى تنتاب حلفاء انقرة قبل غيرهم من أن هدف أردوغان من اقامة تلك المنطقة ليس حماية المدنيين السوريين بل اطلاق يده ضد المعارضة المسلحة الكردية المناوئة لنظامه، فضلا عن أن أنقرة لا يزال لديها الكثير لتنجزه بمجال حقوق الانسان وحرية الرأي والتعبير، والتوقف عن ملاحقة الصحفيين وسجن المعارضين قبل أن تتحدث عن الانضمام الى الاتحاد الاوروبي . " الصفقة التركية " أكدها البروفيسور ماركو مارتينللو مدير مركز الدراسات حول الهوية والهجرة بجامعة لييج البلجيكية الذي أوضح أن أردوغان يساوم الاتحاد الاوربي بو رقة اللاجئين في تصريحات نقلتها عنه صحيفة " لا ليبر بلجيك " مشيرا الى أن الانضمام الى الاتحاد الاوربي يمثل " حلما قوميا " لدى الاتراك و هو ما جعل القيادة التركية تبعث برسالة مفادها : لن نظل نحرس حدودكم الجنوبية من تدفق اللاجئين السوريين و العراقيين دون مقابل! كان لافتا أنه وفي محاولة وٌصفت بالطابع السياسي لامتصاص غضب الناخبين المتعاطين مع الأرمن والتقرب من الحركات الحقوقية ، قرر مسئولو حزب الأغلبية الحاكم " في - إن إيه " مقاطعة حفل العشاء الذي أقيم على شرف الضيف التركي ، بالاضافة الى عدم استقبال رئيس بلدية بروكسل لأردوغان ، فضلا عن رفض السلطات طلبا من الجانب التركي بفتح احدي القاعات الكبرى بالقصر التاريخي الذي يعد مقرا للبلدية امام أردوغان ، مبررة قرارها بأنه لا يجوز استغلال قاعات القصر في أغراض انتخابية ، في اشارة لاعتزام الضيف عقد عدد من اللقاءات الانتخابية مع ابناء الجالية التركية ببلجيكا و البالغ عددها نحو مئةوثلاثين الف مواطن يحق لهم التصويت في الانتخابات البرلمانية التركية المزمع عقدها نوفمبر القادم . ووصفت جمعية " الارمن الديمقراطيين " في بلجيكا زيارة أردوغان ب " وصمة العار " في جبين بلادنا حيث أنه يلاحق ينكر مذبحة الارمن و يسجن الصحفيين و يقتل معارضيه " على حد تعبير بيان الجمعية علما بأن البرلمان الفيدرالي البلجيكي سبق أن اتخذ قرارا باقرار المذبحة و حق الأرمن في ملاحقة مرتكبيها من القادة الأتراك و الحصول على التعويضات المناسبة في هذا الشأن ، كما اعلن رئيس الوزراء شارل ميشال اعترافه هو الاخر بالمذبحة . وقال فيليب مورو القيادي بالحزب الاشتراكي المعارض : " من الخطأ بحق بلادنا استقبال ضيف هذا الشخص " متهما وزير الخارجية البلجيكي ديدير ريوندر بصياغة نص الاعتراف البلجيكي بالمذبحة على نحو لا يعوق زيارة الرئيس التركي سواء من الناحية القانونية أو الدبلوماسية . وتواجه كريستين دي مودلر - مديرة مهرجان " يوربليا " - انتقادات حادة بسبب قرار اختيار تركيا ضيف شرف للمهرجان في دورته الخامسةو العشرين الحالية. وأعربت مودلر عن تأثرها البالغ بذكرى المذبحة ، غير أنها أكدت أن تزامن الذكرى مع اختيار تركيا ضيف شرف مجرد صدفة نافية أن يكون للامر اي ابعاد سياسية ومؤكدة على ان التنوع الثقافي التركى كان المعيار الوحيد. ويرى المحلل السياسي فرانسوا جان ديدييه أن السلطات البلجيكية فضلت المصالح الاقتصادية على قيم حقوق الانسان والمعايير الاخلاقية في تعاملها مع أردوغان الذي حول بلاده الى أكبر سجن للصحفيين في العالم، فمن ناحية تعد أنقرة الشريك التجاري الذي يحتل الترتيب الثالث عشر مع بلجيكا عالميا، فضلا عن ضخامة الجالية التركية في انحاء المملكة البلجيكية و تغلغلها في القطاعات الحيوية للاقتصاد ومن ناحية اخري يقصد تركيا كل عام نحو سبعمئة سائح بلجيكي. وعلى المستوي السياسي، تسعى بروكسل الى التنسيق مع انقرة بشأن أزمة تدفق اللاجئين والسعي الى ايجاد حل نهائي وشامل للازمة في سوريا