الوضع فى سوريا ومصيرها فى ظل بقاء الرئيس بشار الاسد او رحيله، والسيناريو المتوقع لجعلها ساحة للصراع بين جماعات الشر الإرهابية بمختلف أعراقها وانتماءاتها من ناحية، والمعارضين او المتطوعين او المنتفعين الراغبين فى الوصول للسلطة من ناحية اخري..هذا الموضوع أصبح من القضايا التى ينشغل بها الجميع، ليس فقط القوى الدولية الكبرى التى تحاول دفع دفة الصراع لبراجماتية نفعية، وانما ايضا يجذب فضول وشغف المراقبين والمحللين. ففرنسا من ناحيتها حسب ما اكده الرئيس فرانسوا اولاند -فى تصريحاته الاخيرة لن تمس سوى معسكرات تدريب جماعة داعش الإرهابية، مبررا ذلك "انها تهدد أمن بلادنا" دون ان يغفل تأكيد ان باريس قد امتنعت فيما قبل عن التدخل فى سوريا خشية أن يؤدى ذلك إلى دعم موقف الرئيس السورى بشار الأسد الذى اصبح وجوده فى السلطة امرا محالا -والقول لاولاند-الا ان فرنسا غيرت اليوم إستراتيجيتها باسم الدفاع المشروع عن النفس فى مواجهة الخطر الإرهابي. والمعلن حسب وزير الدفاع الفرنسى "جان إيف لودريان" ان الضربات العسكرية التى تشارك فيها فرنسا وجهت إلى مواقع هامة للغاية لداعش، لكنه لم يفصح عن طبيعة الأنشطة المستهدفة ولا عن وجود محتمل لفرنسيين أو ناطقين بالفرنسية فى المكان. وعلى هذا الصعيد يرى المراقبون ان من أهم الأسباب التى أغضبت فرنسا ودول التحالف(الناتو)من ضربات روسيا العسكرية أنها ضربتهم فى مقتل باستهداف جماعات من المعارضين المعتدلين دون ان تفرق بينهم وبين التنظيمات الارهابية المقصودة ومن بينهم "داعش"،وهذه الجماعات المعارضة للاسد تعد من اهم جسور التواصل الفرنسى الغربى لما يحدث على الارض فى سوريا. وكما يرى المتخصص فى الشئون الروسية "ميشيل التشانوف" ان الضربات العسكرية الروسية فى سوريا تهدف لحماية نظام الاسد من الانهيار كونه يحمى مصالحها فى منطقة الشرق الاوسط ومن منطلق انه الحليف الاستراتيجى لها فى المنطقة ومدخل مهم لروسيا فى حوض المتوسط دون ان يغفل ان لروسيا قاعدة حربية بحرية مهمة فى "طرطوس". وعلى نفس الصعيد أعطت الكاتبة والمحللة السياسية "إيلن كيراد" الحق لفلاديمير بوتين فيما قاله من تصريحات لتبرير الضربات العسكرية بسوريا، وإضافت كيراد ان روسيا بتصرفاتها هذه أرادت ان تثبت للعالم أنها اللاعب الرئيسى والحكم فى المنطقة ولا شيء يمكن ان يحدث بدونها. واضافت الكاتبة مثنية على سياسة فلاديمير بوتين انه زعيم محنك ولديه افكار واضحة ومحددة وبفضلها استطاع النهوض ببلاده. وفى نفس السياق ذهبت آراء جل المحللين إلى ان بوتين بضربته العسكرية فى سوريا أراد ان يثبت للقوى الدولية الكبرى من الولاياتالمتحدةالامريكية للاتحاد الاوروبى وغيرهما ان روسيا تعود مجددا الى مكانتها الطبيعية لمناطحة الكبار الدوليين.وهو ما تكرر خلال المتابعات الاعلامية للقمة الرباعية التى شهدها الاليزيه - أخيرا - والتى كان الغرض منها متابعة الملف الروسي-الأوكرانى تحت عنوانها "فورما نورماندي" الا ان الأزمة السورية هيمنت على فحواها. اما عن قمة "نورماندي" التى شهدها قصر الاليزيه،وتفاوض فيها الثلاثة الكبار فرنسا والمانيا وروسيا فقد بحثت الوضع فى سوريا وكيفية ايجاد إستراتيجية للتعامل مع القضية المتأزمة واطرافها من النظام السورى ،والمعارضة، وتنظيم داعش،وغيره من الارهابين،فضلا عن القوى الدولية الكبرى المتناحرة فى اطار حرب مصالح باردة. حيث ربطت هذه القمة فى جلسات النقاش المستفيضة-التى ظلت ساعات طويلة - بين الملفين الاوكرانى والسورى بالرغم من ان هذه القمة تعد امتدادا لرباعية النورماندى التى عُقدت فى أساسها من اجل القضية الاوكرانية-الروسية،الا ان الازمة السورية خيمت عليها بصورة واضحة. وبالطبع كان لابد ان يتناول النقاش ماتوصلت اليه روسيا حول تنفيذ بنود اتفاقية "المينسك" كورقة ضغط خاصة وان الرئيس بوتين جاء يتفاوض من موقف القوة راغبا فى فك ما فرض عليه من حظر بسبب تدخله العسكرى فى اوكرانيا. وقد لا يخفى على احد ان ثمة مقايضات طُرحت بين الكبار فيما يخص الوضع فى اوكرانيا، وما يتوجب علي روسيا من الالتزام بسحب قواتها حسب ماجاء فى الاتفاق الموقع بالنورماندي-سالفا-،ومن ثم يتم رفع الحظر المفروض على روسيا. وهى القمة التى حضرها الى جانب الثلاثة الكبار الرئيس الاوكرانى بيترو بوروشينكو وممثلون عن قوى المجتمع السورى ووزراء خارجية الدول المشاركة. وقد استهل اللقاء بمباحثات ثنائية للرئيس فرانسوا اولاند ونظيره فلاديمير بوتين وبعدها المستشارة الالمانية والرئيس الفرنسي. كما عقد عقب القمة مؤتمر صحفى مشترك للرئيس الفرنسى فرانسوا اولاند والمستشارة الألمانية انجيلا ميركل قاما خلاله بالرد على تساؤلات الصحافيين وتوضيح بعض النقاط عن ماتم فى الاجتماعات المغلقة. وردا على احد التساؤلات الموجه لاولاند عن اسباب تمسك روسيا بمساند الرئيس السورى قال ان النظام السورى كان ومازال الحليف الاستراتيجى لروسيا فى المنطقة، مضيفا أن روسيا ذهبت الى ابعد من ذلك من خلال ضرباتها الجوية العسكرية ليس فقط على مواقع لتنظيم الدولة الإسلامية ببلاد الشام "داعش" وأنما-أيضا- لجماعات من المعارضين المعتدلين والمناهضين لبشار الأسد –حسب قول اولاند-. كما أشار الرئيس الفرنسى إلى انه اكد خلال مشاورات الاليزيه مع الرئيس الروسى ان الهدف من الضربات العسكرية التى تقوم بها فرنسا وقوات التحالف فى سوريا هى ضرب"داعش" وليس تلك الجماعات المعارضة لنظام الاسد، بغية تأمين المواطنين والتوصل الى إزاحة الرئيس السورى بنظام بديل تمهيدا لمرحلة انتقالية تتكون من المعارضة المعتدلة وبعض اطراف من النظام السابق على أساس ما توصلت اليه اتفاقية جنيف فى 2012. واشار ايضا الى ان هذا الاجتماع هدف الى تقارب وجهات النظر فيما يخص ايجاد حلول سياسية للوضع فى سوريا يعقبها رحيل الرئيس بشار الاسد ليحل مكانه قوى من المعارضة المعتدلة تأسيسا لمرحلة انتقالية.