سيظل أبدا يوم السادس من أكتوبر العاشر من رمضان هو اليوم الخالد الأغر، تتعلم دروسه الأجيال وتتناقلها مع الزهو والفخر، فلقد استوعبت الأمة فى يوم العبور العظيم، والنصر درساً كانت قد نسيته أو هى تناسته حيناً من الدهر ذلكم هو درس الإيمان بالله والتوكل عليه والعزيمة والوطنية الصادقة، والتخطيط والإعداد والتضحية والفداء، درس حب الوطن والجهاد فى سبيله مع صدق الولاء، ولقد فتحت صيحة «الله أكبر» التى رددها المقاتل المصرى فى أثناء العبور طريق النصر، ودفعت رجالنا البواسل وهم صائمون نحو القتال بشجاعة منقطعة النظير فسطروا بأيديهم ودمائهم ملحمة تاريخية ستبقى شاهدة على عظمة المصريين امام الله والتاريخ. وأكد علماء الدين أن يوم السادس من أكتوبر أشرف علينا وقد انصهرت الأمة فى بوتقة الرجاء والأمل، والصدق فى التوجه والإخلاص فى العمل، وان هذا النصر المجيد يجب ان تستلهم منه الأجيال الجديدة الدروس والعبر لنطبقها واقعا عمليا فى حياتنا المعاصرة، ومن أبرز تلك الدروس وحدة الأمة والتخطيط الجيد والعمل والبناء. والتواد والتراحم والتسامح والتآلف، والتكامل والتكافل والتعاطف، وان نودع الى غير رجعة التكاسل والإهمال والنفاق وسوء الأخلاق. معجزات أكتوبر ويقول الدكتور مختار مرزوق عبدالرحيم، عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر فرع أسيوط، إن ما حدث من نصر الله سبحانه وتعالى للمصريين والعرب فى حرب أكتوبر العاشر من رمضان يعد كما قال الرئيس الأسبق السادات بمنزلة المعجزات لأنه على المستوى العادي، ومستوى الأخذ بالأسباب، كان من المستحيل أن تعبر القوات المصرية قناة السويس، دون أن يذهب ثلث الجيش، كما قال المحللون العسكريون فى ذلك الوقت، لكن الله عز وجل، وفق القيادة المصرية فى ذلك الوقت للأخذ بالأسباب الإيمانية السماوية، وللأخذ بالأسباب الأرضية، أما الشيء الأول، وهو الأخذ بالأسباب الإيمانية، فإن الرئيس السادات رحمه الله، كان قد أعلى فى ذلك الوقت راية العلم والإيمان، وكان علماء الأزهر الشريف، يجوبون كل الوحدات المصرية للقوات المسلحة، من الصغيرة إلى الكبيرة لكى يشحذوا الهمم نحو النصر وتحرير الأرض كواجب مقدس يعرف هذا كل من عاصر تلك الفترة، وقد كان الإيمان عاليا، لدرجة أن جنودنا حينما أرادوا أن يعبروا فى مرحلة العبور وما بعدها، كانوا إذا نطقوا بكلمة الله أكبر، فإن حصون الإسرائيليين كانت تتهاوى أمامهم، وأحيانا دون تدخل من الجنود المصريين، لقد ألقى الله عز وجل الرعب فى قلوب الإسرائيليين حينما تمسك المصريون بالإيمان وإعلاء راية الله أكبر. الأخذ بالأسباب وأكد أنه مع ذلك لا ننسى أن عبقرية الرئيس السادات رحمه الله، لم يعتمد على الإيمان وحده باعتبار أن ذلك تواكلا، وإنما اعتمد على الأخذ بالأسباب الذى هو التوكل الحقيقي، وهذا منهج النبى محمد صلى الله عليه وسلم، فى كل غزواته، ومن الأسباب الذى اعتمدها السادات فى ذلك الوقت الاعتماد على أهل الخبرة، وليس على أهل الثقة، فكل كبار قادة القوات المسلحة، كانوا يختارون بعناية، دون واسطة أو محسوبية، والدليل على ذلك ماقاموا به فى الحرب، وما قاموا به بعد ذلك فى معركة السلام بجوار الرئيس الراحل محمد أنور السادات، وثانيا، الوحدة بين المسلمين، والتفاف الشعب حول قائده فى الحياة السياسية، وحول جيشه فى المعارك الحربية، فلم نسمع فى المعركة شيئا مما يفتت الوحدة الوطنية ولا ما يثير النعرات الطائفية، بل كان الكل صفا واحدا خلف قائده، ثالثا، التفانى فى أداء الواجب بدءا من الجندى إلى أكبر القادة بالقوات المسلحة. قدسية المعركة من جانبه يؤكد الدكتور عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أن حرب أكتوبر المجيدة لها دروس شتي, ما أحوج المسلمين الآن إلى استلهامها لصد أطماع الطامعين فى بلادهم الآن, فإن رحى هذه الحرب دارت بين فريقين, فريق يؤمن بقدسية خوضها لتحرير الأرض, وصون الكرامة, ورد العدوان الواقع من جيش ظن أنه لا يقهر, ودحر الطغيان الذى تمارسه صنيعة الغرب, لتدمير وحدة العالم الإسلامى والعربي, وفريق اتخذ من الإرهاب والاعتداء واغتصاب الحقوق منهجا له, وظن أن من شأن قوته أن تجعله فى منعة, ولكن أراد الله تعالى أن يلقن المسلمون هذا الفريق درسا مريرا لم يفق منه ردحا طويلا من الزمن, ولا ينبغى أن يغيب عن الأذهان. وأضاف: أن وحدة الصف الإسلامى ووحدة كلمة المسلمين, وتلاحمهم وتعاضدهم, تطبيقا لتعاليم الإسلام, وعبارة المرحوم الملك فيصل حين أوقف ضخ النفط إلى دول الغرب (عشنا وعاش أجدادنا على التمر واللبن وسنعود لهما), تلك العبارة التى دللت على مواقف المسلمين فى هذه الحرب المقدسة, وكيف كانوا ينتهجون وحدة الصف والوجهة والكلمة, مهما كلفهم ذلك, واليوم يجد المسلمون عامة والعرب خاصة أنفسهم فى حاجة ماسة إلى استلهام روح هذه الحرب, للانتصار على هذه الشراذم التى فغرت فاها, تريد التهام هذه الأمة. تقديم الغالى والنفيس وفى سياق متصل أشارت الدكتورة أمانى محمود عبدالصمد باحث أصول الفقه بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، الى أن هذه البطولات التى سجلها التاريخ لأصحابها, لم تكن إلا عقيدة آمن بها المجاهدون فى سبيل الله, وبذلوا فى سبيل تحقيقها أنفسهم لينالوا بهذا البذل والفداء مرضاة الله تعالي, وانتهت بالشكر لله تعالى على توفيقه وتأييد المقاتلين بالنصر المبين، فكان لنصر أكتوبر بعد إيمانى لا يمكن إغفاله بأى حال من الأحوال يتجلى فى تماسك الجيش والشعب والتحلى بالروح الإيمانية فى مواجهة العدو بالإضافة إلى عظمة الجيش وعقيدته الذى رفض أن يتنازل قيد شبر من ارض، بالإضافة إلى تماسك أفراد الجيش الذين رفضوا الإفطار فى الحرب قائلين إن الإفطار فى الجنة أفضل، مما أعطى قوة وعظمة إيمانية للقوات المسلحة التى استطاعت أن تزلزل أركان العدو من صيحات التكبير التى بثت الرعب فى قلوب الأعداء.